ماذا لو فتح المواطن العادي "كتب التراث" و.."قرأ"؟... يوم الجمعة الماضي كنت قد التقيت بزميل ينتمي إلى التيار "السلفي المحافظ" بإحدى الممرات بمقر العمل، ولما ألقيت عليه "السلام" كالعادة، رد علي بفتور شديد وبصوت بالكاد كان مسموعا...وكل هذا دون أن ينظر في وجهي.. في اليوم نفسه، وبمقهى مجاور لمقر العمل، حيث اعتدت قضاء فترات استراحة متقطعة، امتنع حوالي أربعة أشخاص عن الجلوس إلى طاولتي، وكانوا من قبل يتوجهون إليها رأسا للاحتفال بصداقتي والخوض في أحاديث شيقة..هذه المرة اكتفى ثلاثتهم بإلقاء التحية من بعيد قبل التوجه إلى "طاولة أخرى"، أما الرابع فواصل النظر إلي بين الفينة والأخرى بنظرات ملؤها "الكره والحقد" وأحيانا "التساؤل"... كيف لهذا الرجل الذي عرفناه بشكل من الأشكال أن يكون "مسيئا" إلى رسول الله (ص)؟... يوم السبت تلقيت اتصالا من صديق قديم جدا، كنا ننتمي معا (لفترة قصيرة جدا بالنسبة لي) إلى جماعة العدل والإحسان، قبل أن يقرر هو الالتحاق بصفوف العدالة والتنمية..لم نكن تكلمنا تقريبا إلى بعضنا البعد بحكم البعد الجغرافي لأزيد من سنتين أو ثلاث، أما آخر لقاء بيننا فمر عليه أزيد من 15 سنة..كان أول ما قاله لي هو: "كريم.. يستحيل أن تكون مسيئا إلى رسول الله رغم "كفرك بالجماعات الإسلامية"..ما الموضوع؟ قل لي حتى يطمئن قلبي وتبقى معزتك قائمة"... شرحت له كل شيء، ورغم اختلافه جزئيا معي إلا أنه اعترف بضرورة "وضع الموضوع على طاولة النقاش الرصين"... ثم انتهت المكالمة.. يوم الأحد صباحا توجهت إلى مقهى آخر كنت أتردد عليه بين الفينة والأخرى، ولدي فيه أصدقاء كثر، وهناك وجدت بعضا منهم...سلموا علي جميعا بشكل اعتيادي، وفجأة، سألني أحدهم عن الموضوع "كمن يتذكر شيئا هاما على حين غرة".. ثم شرحت له الموضوع وكان الجميع مقتنعين بأن "صديقهم الطيب" تستحيل في حقه الإساءة إلى نبي الإسلام (ص).. وفي اليوم نفسه انتقلت إلى الحي الذي كبرت فيه، والذي كان يهمني أكثر من غيره...تعاطف مطلق بمجرد رؤيتي أحضر بين ظهراني "أبناء الحومة".. منهم من كان قد صدق أني أسأت إلى الرسول (ص)، وبعضهم نشرها على نطاق واسع لكسب المزيد من "لاشيء"... ولكن الجميع تراوحت ردود فعلهم بين "عدم التطرق للموضوع كلية" ومواصلة التعامل معي على المنوال السابق نفسه، وبين استفساري عن مشكلة "التيار السلفي معي"، وبين "إخباري بحماسة بأن هناك من يفبرك باسمي أشياء يجب أن تكون موضوع دعاوى قضائية"... بعضهم، وفي إطار "التقشاب" بين أبناء الحومة الواحدة، أصر على نصيحتي بطلب تعويض كبير؛ لأن هؤلاء "هددوا حياتي بشكل من الأشكال"... في النهاية..خرجت من الحومة ودخلتها كما كنت أفعل دوما.. يوم الاثنين، التقيت ذلك "الزميل السلفي"، أو بالأحرى ربت على كتفي من الخلف وسلم علي ب"تلك الطيبوبة" التي عهدتها فيه.. وقال لي دون مقدمات: "اليوم فقط شاهدت الفيديو الذي أورده موقع "كشك"، وقرأت مقالاتك التي نشرتها قبل مدة في "هيسبرس بالمضمون نفسه"...قلت له: "الحمد لله أنك فهمت على غرار من فهم قبلك"..ثم أردف قائلا: "ورغم أني لست واثقا من نيتك الحقيقية من جراء إثارة هذه المواضيع، إلا أني سألتزم بأخلاق الإسلام وأترك قراءة الغيب وما تضطلع به تلك القراءة من أسرار في الأنفس، هي خاصة حصرية لعالم الغيب والشهادة، وسأفترض فيك حسن النية، والأهم بالنسبة لي أنك ثبتت براءتك بعدم التعرض للرسول (ص) بإساءة"... فهمتم إذا دعواي..وهذا أمر جيد..دعواي ضد كتب التراث، ولست أطالب بإلغائها كلية كلما حاول محترفو الاصطياد في الماء العكر إيهامكم..بل أحصر دعواي في مراجعة ما يسيء منها من أحاديث "وسير" إلى الرسول (ص) والقرآن و"الإسلام" ككل..ودعواي هذه أتبناها وأتشبث بها لاقتناعي التام بأني أنقد "بشرا" لا آلهة..ولا مجال هنا للحديث عن نظرية "من أنت لكي تنقد البخاري وكتب التراث؟"..فضعاف العقول يناقشون الأشخاص، لا الأفكار، ومعظم من توجهوا إلينا بالكلام إلى حدود كتابة هذه السطور اكتفوا ب"الشخصنة" و"السب والشتم والتكفير"، و"التقليل من الشأن" والاتهامات الجزافية المثيرة للشفقة، والرجم بالغيب والقيام أحيانا ب"ضريب الخط الزناتي" بخصوص حياتي الشخصية التي لا يعرف عنها أي منهم "قدر ذرة واحدة"...ولتلاحظوا أني رغم كل ما حصل لم أشتم أيا ممن شتموني ولا خاطبتهم بغير عبارات التوقير اللازم ماداموا أشخاصا لا أعرفهم على المستوى الشخصي ولا يحق لي أن ألمز أيا منهم بأشياء أجهل مدى "تحليهم" بها من عدمه.. في النهاية، هناك من تحلى بقدر جيد كفاية من "القدرة على التنابز بالأفكار"، هناك شيوخ أجابوني حول موضوع الأحاديث التي أوردتها في سلسلتي إياها... والتي قلت إنها تسيء إلى الإسلام والقرآن والنبوة... هناك من حاول تفنيد ادعاءاتي بجواب مباشر على الأفكار. وهنا لن أذكر أسماء، ولكني أتوجه إليهم بالشكر لأنهم كانوا على الأقل أفضل من كل أولئك الذين "اكتفوا ببيع الشفوي" من خلال سبنا وشتمنا والتجريح فينا".... على الأقل هؤلاء نحوا باتجاه "المنابزة بالأفكار".. في المرة القادمة سيكون عليهم محاولة تجنب آخر خطاياهم والاجتهاد أكثر وتجنب "سباب" من قبيل مواصلة نعتنا بالكذب والجهل والتلفيق وما تبقى من كل أحاديث "أنت خبيث"، لأنها لا تقيم دعوى جيدة ولا تصنع حجة.. اجتهدوا أكثر في المرة القادمة، وابذلوا مجهودا أكبر لتنقية مقالاتكم وردودكم من كل سب أو تنقيص.. ساعتها فقط ستحصلون على خاتم "الموضوعية التامة"..وتذكروا أن المسلم ليس بلعان ولا شتام.. كل الذين أجابوني حول الأفكار المطروحة في "متن" كلامي ركزوا كلامهم حول مواضيع تتعلق بعلوم "الحديث" و"الرجال" وغيرهما.. تهكموا بالقول واعتمدوا على حجة واحدة قد تبدو للقارئ غير المتخصص "حجة نافذة" في حقي مفادها "أنت جاهل بالعلوم الشرعية"... من قال لكم إني جاهل بالعلوم الشرعية؟..هل تعرفوني شخصيا؟ هل يفترض في أن ألبس جلبابا وعمة وأعفو عن لحيتي، وأهذب من ذقني، وأغير شكلي الذي خلقني عليه رب العزة حتى أتكلم بكلامكم؟..هل يفترض في أن أكون حاصلا على الدكتوراه من جامعة الأزهر حتى أناقش "مقامكم العالي بالمظهر".. ودينار الصلاة؟..هل تعلمون وتفهمون أن "التثقيف الذاتي" هو أفضل السبل نحو التحصيل وأن ضرورة تواجد أستاذ "يلقن" "أتباعا" ويجعلهم "يحفظون فقط" حتى ينالوا "درجة الأستاذية" هو بمثابة واحد من أسباب تخلف المسلمين العديدة..من خلال عدم اعترافهم بشيء اسمه "مأسسة العلم"، عوض تلقيه، تلقينا من شيخ إلى مريد؟..هل تعلمون أني أتعلم منكم وأنتم تكتبون ردودا رصينة، وأني أستفيد من بعض أخطاء أكون قد ارتكبتها في غفلة من قراءاتي وأني لست بمتكبر ولا برجل يتقول بعلم لم يحزه أحد من قبل، لأني تلميذ أتعلم...وسأظل إلى أن أموت تلميذا يتعلم.. بالنهاية دعونا نتواضع باتجاه منطق سليم واحد..كلما أجابني أحد من الشيوخ عن تلك المقالات قال أمرا من اثنين، "أولا، هذا الكلام قال به المستشرقون وشبعوا فيه كلاما وشرحا، وقد أجاب على كل الشبهات إياها علماء الأمة، ولتعودوا إلى أجوبتهم أيها المستشرقون الكفار الجدد"..(مثال، الشيخ سار وهو يكلمني من خلف تلك المكتبة الضخمة التي قرأها كاملة إلى درجة جعلت رده مفحما لكل أفكاري ودعاواي)...المشكلة مع أصحاب "أولا" هذه أنهم لا يتوفرون على الحد الأدنى من القدرة على الإجابة، ويكون الشك غالبا قد تسلل إلى أفئدتهم بخصوص ما أثرت لأنهم أساسا لم يقرؤوا "ردود العلماء تلك"...ثانيا، (قولهم إن) هذه الأحاديث التي توردها ضعيفة أو معلقة أو مرسلة أو، أو، أو..."جيد جدا.. وكل هذا أنا أتفق معكم فيه..كل التفاصيل التي توردونها صحيحة..وقد تعلمت من بعض شروحاتكم أمورا لم أنتبه لها من قبل، لأني سأظل "تلميذا يتعلم" إلى الأبد (المشكلة في من يدعي الأستاذية)...ولكن.. أعزائي الفقهاء والشيوخ الأجلاء...هناك مشكلة حقيقية لا تنتبهون لها...مشكلة لم تخطر لكم ببال ولهذا أدعي، وأصر أن دعواي بضرورة "إصلاح ديني" شامل هي دعوة حق، وأن تشبثكم بالتراث هي دعوة حق ولكن بنكهة من "باطل خطير" قد يصيب الأمة في مقتل...هل تعلمون موطن الخطورة؟... إليكم هذه السطور أساتذتي المحترمين من "كويتب آخر ساعة"، كما تصفونه مشكورين... تخيلوا معي يا فقهائيَ اللأجلاء، في زمن الأنترنت، أن يقوم المواطن المغربي البسيط، أو الكائن المسلم العادي بكل إيمانياته اليقينية الفطرية بقراءة أحاديث ترد في البخاري ومسلم وغيرهما.. وربما يمتد الشغف بالمرء فيقرأ "ابن إسحاق"، ثم (طلبا لكل تبرير كسول) "ابن هشام"، ويجد نفسه أمام أحاديث تززلزل كيانه.. أحاديث لن يميز فيها بين الضعيف والصحيح والحسن لأن المغاربة ليسوا جميعا خريجي "المدرسة الحسنية" و"شعب الدراسات الإسلامية"...أحاديث ترسم له صورا قاتمة عن "الإسلام" و"القرآن" و"الرسول" (ص).. أنتم تفهمون هذه الأحاديث وتعرفون أسرار الرواة والرجال والمتن والسند وغيرها من التفاصيل التي درستموها ولكن القارئ العادي لا يعلم...لم يدرس، وليس متعمقا.. سينحصر كل تفكيره في سؤال واحد: "ما هذه الأحاديث؟ أسيدي ربي؟".. وهنا لا تنتظروا من مغربي يعيش الضنك التام، ولا قدرة له على مجرد التجرئ على الحلم بالزواج، ألا يتسرب إليه الشك وهو يقرأ عن أحاديث في السيرة تصف النبي الكريم بصفات لا تجدر بخير الأنام ولمن قال الله في حقه "وإنك لعلى خلق عظيم"... تخيل معي أيها الفقيه المحترم، أيا كنت، أن يقرأ المواطن العادي الذي لا علم له بأصول الحديث والفقه والكلام وعلوم "الرجال" وغيرها أحاديث تقول له إن "الرسول" (ص) سحره يهودي وهو الرسول المعصوم من الناس بحكم القرآن، وأن الرسول (ص) حين انقطع عنه الوحي مدة من الزمن شك في نبوته وقرر أن يحاول الانتحار مرارا وتكرارا وكل مرة كان جبريل يمنعه؟.. فيما سينقع شرحكم، حينها، أعزاء "الفقهاء" حول ضعف الحديث وحول انقطاع السند فيه وحول كل تلك الأمور التي تندرج في أحكام "الاختصاص".. تخيل معي أيها الفقيه المحترم أن يقرأ المواطن العادي أحاديث تفيد بنسخ أحكام إلهية واردة في القرآن بما يفيد أن "السنة أقوى من القرآن" وليست شارحة لها كما ترددون جميعا. ونعرف بالإجماع...كيف لكم أن تفسروا لنا سقوط آية "عقاب الشيخ والشيخة" وعدم ورود الآية "لفظا" في القرآن واعتبارها منسوخة "لفظا" لا "حكما" للمواطن البسيط الذي لن يكون أمامه سوى الشك والتيه في تلك المساحة الغامضة بين مجرتي "القرآن" و"الحديث الشريف"...؟؟... أول ما قد يتبادر إلى ذهن رجل يفكر في الرد علي الآن هو "أنتم يا معشر العلمانيين" تحاولون نشر هذه الأحاديث بين العامة لكي تحققوا كل أماني المستشرقين".. وهذه تهمة مكرورة جاهزة... الموضوع هنا هو: "لماذا تصرون أنتم على التستر حول هذه الشبهات؟ لماذا لا يكون همكم الأول هو الله، ثم، الإسلام، وبعدهما الرسول (ص)، وهنا ينتهي الكلام. أما كل ما يرد حول هذا المثلث "المقدس" باسم بشر ك"البخاري ومسلم" و"الترمذي" و"البيهقي" و"الطبري" و"ابن إسحاق" و"ابن هشام" وغيرهم فهو مردود عليه، وعلى من يريد لنا أن نقدس هؤلاء الرواد المبجلين الذين هم في النهاية من المنتمين إلى جنس البشر (رغم اعترافنا بمجهوداتهم الجبارة) فهو مخطئ لأن القداسة لله وحده وخالص العبودية له، وكامل التبجيل والاحترام للرسول (ص) المعصوم من كل الذنوب؛ أما الخطاؤون من البشر وفي مقدمتهم الرواة وكتاب السيرة فهم موضع أخذ ورد، ولا شك أنهم أخطؤوا الطريق الفاصل بين الدين والسياسة وهم يجمعون أحاديثهم في تلك الظروف القاسية... لا يفترض في كل مواطن بسيط يقرأ حديثا مسيئا إلى الإسلام في كتب التراث أن يعود إلى تفسيرات العلماء وتأويلاتهم وكلامهم الكثير المتخصص لكي تثبت له براءة كل "المقدسات" في ذهنه من تلك التهم التي توحي بها "متون الأحاديث"... المنطق السليم الذي يجعل البعض يسعى جاهدا إلى إثبات ضعف حديث ما وارد في البخاري بما يفيد استحالة حدوث قصة متنه يقودنا جميعا إلى التبرؤ من تلك الفكرة التي فرضها "فقهاء زمن مضى"؛ والتي تقول لنا إن "البخاري" هو "أصح كتاب بعد كتاب الله".. لقد امتلكوا جرأة مقارنة بشر ب"خالق البشر"..البخاري، بالله.. والعياذ بالله.. والسؤال هنا هو "كيف لأصح كتاب بعد كتاب الله أن يحوي أحاديث ضعيفة لا سند لها ولا مصداقية لمضمون متنها"، ولماذا لا تحذفونها رأسا من هذا الذي تدعون أنه أصح كتاب بعد كتاب الله عوض الدخول في تفاصيل طويلة لا يفهمها القارئ العادي؟"...أليس هذا تحديدا هو عمق دعوتنا إلى "إصلاح ديني شامل" يبدأ من مراجعة كتب التراث وتنقيحها وجعلها توافق إسلاما قرآنيا، نبويا حقيقيا بعيدا عن كل ألاعيب السياسة في الدين؟... أم أننا نخرف بما لا يرضاه المنطق؟...