خلال السنوات القليلة الأخيرة، لم يهتز الشارع المغربي كما اهتز يوم الأحد 30 أكتوبر، سوى مرة واحدة عندما اندلعت شرارة حركة 20 فبراير، وبدرجة أقل بكثير عندما احتج المغاربة ضد إطلاق سراح البيدوفيلي الإسباني "كالفان". وبالرغم من الاختلافات الإيديولوجية والاجتماعية، كان صوت آلاف المغاربة واحدا وموحدا؛ فالجميع خرجوا من أجل محسن فكري. ولم يكن هذا الشاب الريفي، الذي تسري في عروقه دماء الكرامة والإباء مثل أغلب "ريافة"، يدري وهو يشتري سمك "اصبَاضَا" (بمنطوق أهل الريف المستمد من الإسبانيّة)، ليبيعها للزبائن، لعله يظفر بلقمة عيش يعول بها أسرته، أنه سيهز البلاد هزا، وأن أعلى سلطة في البلاد ستتدخل لينال المخالفون العقوبات من أجل أن ترقد روحه بسلام، فكان فكري فرصة حقيقية لتقف السلطة عند حدودها، وترتعد فرائص العديد من المسؤولين. محسن فكري، 31 عاما قيد حياته، لم يكن يبتغي شهرة ولا كان يبحث عن سمعة. كما لم يكن هذا الشاب، الذي أطلق عليه بعض المتتبعين "سماك الحسيمة" وآخرون لقبوه ب"مول الحوت"، يرغب حتما في أن تحوله آلة شاحنة النفايات إلى "لحم مفروم"؛ لكن المؤكد أنه كان يدافع عن كرامته وعن مصدر رزقه، حتى أن الزغاريد رافقت جنازته وزفته عريسا إلى مثواه الأخير، باعتباره "شهيد لقمة العيش" الذي فدى بروحه سلعته المصادَرة. ولا يمكن ل"سماك الحسيمة" إلا أن يحل في نادي الطالعين لهسبريس هذا الأسبوع، بالرغم من أنه فارق الحياة إلى دار الخلود؛ أولا لأنه بات رمزا للشاب المغربي المكافح الذي يواجه العراقيل من أجل إعالة أسرته عديدة الأفراد؛ وثانيا لكونه لم يركن إلى الجمود والانتظارية، فكان يحفر في الصخر حفرا لتوفير لقمة العيش؛ وثالثا لأنه موته أوقد في نفوس المغاربة جذوة الأمل والانعتاق من قيود الخوف.