تتميز الدورة التاسعة لمعرض الفرس بالجديدة، التي يحتضنها مركز المعارض محمد السادس إلى غاية 16 أكتوبر الجاري، بتنظيم الجائزة الكبرى للملك محمد السادس للتبوريدة، لأول مرة ضمن فعاليات هذا المعرض، حيث ستتبارى أفضل سربات التبوريدة المؤهلة من مختلف جهات المملكة، والتي ستقدم كعادتها طبقا فرجويا جميلا يجمع بين الجمالية والإبداع، ويعكس احتفالا بتراث مغربي لامادي أصيل. ويأتي إدراج الجائزة الكبرى للملك محمد السادس للتبوريدة ضمن فقرات النسخة التاسعة لمعرض الفرس، المنظم تحت رعاية الملك محمد السادس، لترجمة الحرص والالتزام المتواصلين لجمعية معرض الفرس بالجديدة، الجهة المنظمة لهذا الحدث، على تطوير وإشعاع جميع فنون التبوريدة، التي تعتبر جزءا لا يتجزأ من التراث الحضاري المغربي اللامادي والأصيل، ومفخرة كل المغاربة. ومن هذا المنطلق، وقع الاختيار على شعار "فنون الفروسية التقليدية" كعنوان لهذه الدورة من معرض الفرس للجديدة لإبراز هذه الرياضة-الفن؛ وذلك انسجاما مع التطور الذي تشهده التبوريدة ببعديها الثقافي والاجتماعي، إذ أضحت تضم أكثر من 100 سربة وحوالي 12 ألفا من الخيول العربية البربرية، حسب ورقة تقديمية لجمعية معرض الفرس بالجديدة. وتعد التبوريدة، أو الفروسية التقليدية، تراثا ثقافيا وفنيا شعبيا أصيلا تضرب عروقه في عمق التاريخ المغربي. ويعود تاريخ هذا الفن حسب الباحثين والمؤرخين إلى القرن الثاني عشر ميلادي، حين بدأت تتكالب الأطماع الاستعمارية على المملكة؛ وبالتالي انتشر تصنيع واستخدام الأسلحة النارية، ومن بينها البنادق (المكاحل)، أو ما كان يصطلح عليه ب"العدة الرومية"، التي كانت تستخدم في الدفاع عن حوزة الوطن وضمان استتباب الأمن وإخماد نار الفتن؛ ثم بدأت تستخدم في نهاية الموسم الفلاحي أو في مناسبات الأعيان كتعبير عن الفرحة. وجاء أول وصف للتبوريدة في مخطوط للمؤرخ علي ابن هديل في القرن التاسع عشر (1818)، الذي قام بتصوير يشبه إلى حد كبير الطريقة التي تمارس بها التبوريدة اليوم في موغادور (الصويرة) بفرسان يرتدون أزياء تقليدية مع غطاء للرأس، أو ما يصطلح عليه بالحايك، مستعملين "المكحلة"، وهي نوع من البنادق المغربية الطويلة، وممتطين جيادا بسروج مرصعة بزخارف في غاية الجمال. وهكذا، ارتبط هذا التراث التقليدي بحالة الحرب والنضال قديما، ليصير في الحاضر تعبيرا عن حالة الغبطة والسرور المرتبطة بالأعراس والمناسبات الوطنية والدينية، وأضحى مع توالي السنين والحقب جزءا من الموروث الثقافي اللامادي والأصيل للمملكة المغربية، وعنوانا بارزا لتميزها على الصعيد العربي والدولي. والواقع أن التنوع الثقافي لجهات المملكة ساهم في بروز مجموعة من المدارس والطرق في فن التبوريدة، ساهمت بشكل كبير في ترسيخ أسس وقواعد هذا التراث الأصيل؛ من بينها المدرسة الناصرية التي لها امتداد واسع من منطقة دكالة عبدة وحمر، إلى منطقة الحوز والمناطق الجنوبية للمملكة؛ ثم المدرسة الشرقاوية، وتتمركز بشكل كبير في المجال الجغرافي الممتد من مدينة برشيد إلى مدن خريبكة، ووادي زم، وأبي الجعد، مرورا بقصبة تادلة وبني ملال وأزيلال والفقيه بنصالح وسطات. كما تعد مدرسة الخياطة، التي تنتسب إلى الإمام سيد الخياطي، من أبرز المدارس في مجال فن التبوريدة، وتمتد في مناطق الدارالبيضاء ومديونة وبن سليمان والمحمدية والرباط؛ علاوة على المدرسة الحيانية، التي تنشر بجهة فاسمكناس، مرورا بمناطق تازة وتاونات والحسيمة. وتشكل كل هذه المدارس التقليدية، التي ستكون حاضرة بثقلها للتباري على الجائزة الكبرى للملك محمد السادس للتبوريدة، بالإضافة إلى روعة وجمالية لوحاتها التجسيدية، أحد أسس وقواعد قيام واستمرار هذا الموروث الوطني المتجذر في العراقة، والذي يعتبر محمية تراثية غنية بالتنوع الثقافي والفني اللامادي، الذي ساهمت الجامعة الملكية المغربية للفروسية، إلى جانب مجموعة من الفاعلين والمهتمين بتربية الفرس، في تأهيله وإشعاعه وطنيا وعالميا. * و.م.ع