يُحكى أنه في بلاد عربية كان الفساد يدور في أرجاء الوطن الجريح، يتفنن في نهب جميع المؤسسات الاجتماعية والاقتصادية والسياسية والدينية، وفي تخريبها، ويتلون بألوان الأحزاب والمرشحين والسياسيين، وبعض المثقفين الذين أعلنوا تضامنهم معه في مسيرة حرَصَ الفساد على إخراجها متقنة الصنع. نما الفساد كأعشاب البحر؛ فصارت جذوره تعشْعش في جميع الأركان والجنبات، وأنجب أبناء وبنات اشتروا، دون دفع، كل البلاد والعباد، ورهنوا ما تبقى منها لمدة 99 جيلا من الضياع، حتى غدت شوارع مدينة الفساد بأسمائه؛ فلا تسمع على ألسنة الناس إلا: "إذا أردت أن تذهب للمؤسسة الفاسدة المستشفى، فمُرَّ عبر الشارع الفاسد فلان، يمينك مدرسة الفساد الفلانية، ويسارك المقاطعة الفاسدة الفلانية، التي فوقها مؤسسة الفساد البنكي...". كما أن المؤسسات الخيرية الفاسدة سُميت بأسماء أبنائه وبناته، فطغا وتجبّر واستشرى بين الجميع. أنشأ الفساد كراسيَ من الذهب والألماس، وتم فيها إجْلاس المفسدين للحفاظ على استمرار الفساد بين العباد من قبل الميلاد إلى ما بعد الوفاة! التفّ النمل لمحاربة الفساد؛ فذهبت نملة صغيرة تشكو ما أصاب الحقول من نُضوب، وما تعرضت إليه الأزهار والينابيع والجمال من تشويه، وعارضت بشدة استمرار مفسدي القرى والمدينة؛ فتظاهر الفساد بالغيظ، وأعلن عُشَرية إصلاح الفساد؛ فرُسمت استراتيجيات لإصلاحه، وتوجيهه الوجهة الصائبة... عمّ الفساد أكثر من ذي قبل - والحمد لله -؛ فحكم قاضي الفساد على النملة بالفساد، وبتغريمها ما سرقه المفسدون؛ لأنها تعلم به، وتخبر به دون أدلة، بينما بُرِّئ الفساد من كل التهم الموجهة إليه؛ فأضافوا للكرسي درْجات تسهل له الولوج للعقول، فتنظفها رقميا من الداخل لتردد جميع أسراب النمل: "يحيا الفساد للأبد"!.. فاعتنق النمل دين الكرسي صونا للفساد، وقتلوا بعضهم بعضا، وتسابقوا في الركوع والسجود في إطار تعايش الأديان!..