بعد مسيرة الأحد التي لم يتبناها أحد، والتي تحتاج إلى قراءات موضوعية في منصات معرفية أخرى، ازداد انكشاف وعي المواطن وبعض نُخَبه -على وزن َنْخب- حيث كشفت وسائط التواصل الاجتماعي حقيقة مُرة ليست جديدة، أماطت اللثام عن نجاح مهندسي الذهنيات والنفسيات وتجار الفقر والتحكم في الحفاظ على الصور النمطية والقوالب الجاهزة والكليشهات المستوردة داخل مُخ –ولا أقول عقل- شريحة كبيرة من سكان هذا الوطن، هم في نهاية المطاف، ودون تعميم، إفراز لصناعة عربية معجمها وإطارها العام "جوع كلبك يتبع" والجاهل أسلس قيادا.. لم تستطع بعض أقلام البؤس، وبعض الفسابكة المغرر بهم في سماء الفايسبوك المُضَللة والمستباحة أن يتخلوا عن بعض المقولات الجامعية التي انهارت، أو لنقل فقدت تأثيرها الحقيقي على أرض واقع شيمته السبب والشتم، حيث استعارة مفردات وشعارات مفضوحة تفضحها الردة عن قيم الإنسان وحق الفرد في الحياة، وأكبر تجسيد لها منهج الانقلابيين في مصر ومن يؤمن بعقيدتهم حيث حرق الناس في واضحة النهار، تلك قافية البؤس ورويه.. يراودني هذا الوجع من جديد وأنا أقرأ وأتابع مسيرة الأحد وشعارها الاستراتيجي "لا لأخونة الدولة"، لهذا سأحاول –وأنا أغرد مع الناشط والمناضل محمد الحراثي في صفحته- أن أشرح بإيجاز وبشكل مدرسي معنى "أخونة" الدولة كما يقول بها إعلام البترودولار في مصر الذي اتهم الاسلاميين –وهذا ما يحاول بعض "زَرِيعَتِهِم" فعله في المغرب- بمحاولة فرض سيطرتهم على مفاصل الدولة، وقيادة مخطط لإدارة السلطة في البلاد لمصلحتهم الخاصة لا لمصلحة البلاد.. أسأل القارئ اليوم: هل أوقف حزب العدالة والتنمية اليوم رجالا شداداً غلاظاً لا يعصون بنكيران ويفعلون ما يومرون لرصد مدى تطبيق شريعة الله في المغرب؟ هل قام حزب العدالة والتنمية بحملات في الأزقة والطرقات والأحياء والقرى والمداشر من أجل تطهير الناس من الرجس والفجور ومكائد الأعور وعناق بن عواج...؟ هل حَمَلَ الحزب الشعب المغربي على على إطلاق اللحية، ولبس العمائم والجلباب والقميص بما يكون تحت الركبة وفوق الكعب؟ هل وضع حزب العدالة والتنمية متاريس لكي لا تخرج النساء من البيوت؟ هل أَكْرَهَ البيجيدي النساء والفتيات والصغيرات على لَبْس الجلباب أو الحجاب؟ وهل دعا النساء في حال رغبتهم في التجوال أو السير إلى ارتداء البرقع؟ هل أجبروا الناس على إقامة الصلاة وعلى حرق منازل من لم يؤدوها في المساجد، وتلاوة الورد علناً..؟ وهل منع "إخوان البيجيدي" برامج الترفيه والسهرات والحفلات والصدور العارية والكاسيات العاريات، وفرضوا برامج الأسلمة والدين والبكاء، ومشاهد النار، وعذاب القبر، ووجوب طاعة ولي الأمر، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر..؟ هل أعلنت بعض راقصاتنا وفناناتنا، ومدراء الصحف، وسكرتيرة الأخبار ثوبتها إلى الله عز وجل أمام حشد من المصلين يوم الجمعة..؟ هل أُجْبر الصحافي من لا شَعْرَ له، ومن على شاكلته، وكتاب الإثارة وأحاديث من القلب إلى القلب، وبرامج "رقصني على وجة ونص" على إطلاق اللحي؟ هل دعا حزب العدالة والتنمية في برنامجه ومن خلال "أصحاب القرار السياسي التعليمي الذين ينتمون إليه" إلى هجر المدرسة العمومية وإنشاء مديرية خاصة بالكتاتيب والزوايا، وحذف الصور التي يجلس فيها التلميذ مع التلميذة من الكتاب المدرسي..؟ هل ألزم الحزب الرجال على نكاح ما طاب لهم من النساء مثنى وثلاث ورباع؟ وهل أصبحت مباريات التوظيف تشترط على الموظف قبل أن يلج المرفق العام أن يكون من ذوي الإيمان والتقوى، وحافظاً لكتاب الله ولجميع الصحاح وعارفاً بالمدسوس من الحديث في الكتب الأخرى، وحافظا لأشعار جلال الدين الرومي، كشرط ل"إمامة الناس" في مختلف مرافق الوظيفة العمومية؟ وهل سيخصص حزب العدالة والتنمية ميزانية للبحث العلمي في مجال الإعلاميات لاختراع برانم ورقائق تزرع تحت أذن الشعب لمعرفة نواياه وتذكيره بالأذكار وأداء الشعائر..ومن يفضح أمره البرنام وتُقم عليه الحجة يقام عليه الحد..؟ الثرثرة والبؤس والعناق والشقاق والنفاق مشروع مجتمعي عموده الفقري: التجهيل والتيئيس والتحكم وإبقاء الفوارق الطبقية..وبعض الوجوه السياسية والثقافية المتآكلة والمتطحلبة تثير النقع من فرط دورانها في الحلبة المغلقة؛ وصادقون في تنظيمات لا يجدون من يساعدهم على إنجاح التغيير المطلوب لكثرة الزبد والأفاقين والانتهازيين والسذج.. لا أحتاج إلى أن أُذَكِر اليوم من لا يعرف، أو من لا يريد أن يعرف، الاختلاف الحاصل بين الشبيبات الحزبية والإطارات النقابية، وبين هيآتها السياسية.. يحتاج إلى أن يراجع مراجعه ومفاهيمه، وأن يبحث عن الآخر الحقيقي بالمعنى السارتي للكلمة ..الجحيم الذي يُعِدُه البعض للمواطنين .. مسيرة "الحولي" أو مسيرة "المقدم" أو مسيرة "الشوهة" -ولست بالمناسبة ضد الاحتجاج والنضال المسؤول الواضح المرامي- تكشف الوجه الصادم لجهات تتعاطى مع المواطنين كقطيع، وتدفع الرأي العام المغربي في إطار سياسة مواسم الإلهاء إلى معارك وهمية لإثارة مخاوف الشعب المغربي من اللاشيء، والتشويش على المشهد السياسي وإذكاء فتيل اليأس والكراهية.. على من يقدمون الولائم النجسة، وأخبار التفزيع من الاسلاميين لرواد الفايسبوك وغيره، أن يعلموا بأن المغرب ازداد عَلْمانية منذ تولي هذه الحكومة، وأن المتتبع يعلم من هي الايديلوجية المتحكمة في معظم مفاصل الدولة، وأن يتذكر بعيدا عن نظرية المؤامرة –الحاضرة والدائمة والمستمرة- التي تلخصها الآية الكريمة "ولا يزالون يقاتلونكم حتى يردوكم عن دينكم إن استطاعوا.."؛ أقول علينا أن نعي ونعرف بأنه لا خير في ايديلوجيين يضعون أيديهم مع الغرب من أجل مسح خصومهم داخل الوطن.. المفارقة المُحْزِنَة اليوم أيضا –وسنبقى متفائلين التفاؤل العاقل والراشد- أن من يشتكون من التحكم يستعملونه بأدوات تنظيمية داخل هيآتهم.. فما السبيل لمناضلين وأناس يطمحون إلى محاربة التحكم في البلاد، وهم غير قادرين على مقاومة عناصر التحكم في تنظيماتهم؟ مستقبل السياسة السليمة اليوم في المغرب، من بين مداخله التفكير في إعداد المواطن الحي القادر على التمييز والتفكير والنقد والعمل..المُواطن المستحضِر لإسلاميته وأمته وكونيته ووطنيته، في أفق عمل سياسي يطبعه التنافس والتكافؤ في الأدوات والآليات، تقوم به وتمارسه أحزاب حقيقية، ترتبط بالشارع وتعبر عن نبضه.. نبض شارع لا يكون شعاره "أمنا شيخة ومعيشانة أحسن عيشة"..أو "كُول ووُكَل".. تحية إلى كل العقلاء الصادقين في كل التيارات.. تحية إلى القابضين على الجمر..