أثار تصرف نسب إلى الشيخ محمد بن عبد الرحمن المغراوي رئيس جمعية الدعوة إلى القرآن والسنة، استغراب العديد من المتتبعين وخصوصا في أوساط الاسلاميين من العلماء وغيرهم، ويخص دعوة أطر دور القرآن التابعة له ومن خلالهم دعوة تلاميذه ومريديه والمستفيدين من تلك الدور وذويهم وعائلاتهم إلى التصويت على حزب الأصالة والمعاصرة، في انتخابات السابع من أكتوبر الجاري، وذلك بحجة مكافأته على معروف أسداه، يتمثل في علاقته بفتح دور القرآن التي أغلقت بإيعاز منه أيضا منذ أكثر من ثلاث سنوات، وقال في مادة مسموعة منسوبة إليه بأنه لا ناقة له ولا جمل في أمر السياسة وبأن زعماء العدالة والتنمية لم يحققوا له أمنيته بفتح تلك الدور، وفهم من كلامه استصغار ما طلب منه، وبأنه مجرد التصويت على من يعود إليهم الفضل في فتح دور القرآن، وكذا تخوفه من العودة إلى إغلاقها إذا لم يتم الوفاء بهذا العهد، وأخطر ما قال هو تخوين من لم يصوت على الحزب المعلوم وبأنه "خان القرآن". فالظاهر هو حسن النية في هذا التصرف وهو ما يجب تأكيده في حق المسلمين عامة فكيف بعلمائهم وشيوخهم، فليس هذا موضوع حديثنا أو تشكيكنا، ولكن من حقنا النظر في صحة التصرف وصوابه، ذلك أنه كما يعلم الشيخ بل ودونه من طلبة العلم، أن العمل لا يطلب فيه حسن النية والاخلاص فحسب وإنما يشترط فيه الصواب، فكثيرا ما نردد في مجالسنا قولة الفضيل بن عياض في قوله تعالى { ليبلوكم أيكم أحسن عملا } قال : أخلصه وأصوبه قالوا يا أبا علي : ما أخلصه وأصوبه ؟ قال : إذا كان العمل خالصا ولم يكن صوابا لم يقبل وإذا كان صوابا ولم يكن خالصا لم يقبل حتى يكون خالصا صوابا ; والخالص أن يكون لله والصواب أن يكون على السنة ». وهذا ابن القيم رحمه الله يقول في في إغاثة اللهفان ج1 ص8:"قال بعض السلف: ما من فعلة وإن صغرت إلا ينشر لها ديوانان: لم؟ وكيف؟ أى لم فعلت؟ وكيف فعلت؟ فالأول: سؤال عن علة الفعل وباعثه وداعيه؛ هل هو حظ عاجل من حظوظ العامل، وغرض من أغراض الدنيا فى محبة المدح من الناس أو خوف ذمهم، أو استجلاب محبوب عاجل، أو دفع مكروه عاجل؟ أم الباعث على الفعل القيام بحق العبودية، وطلب التودد والتقرب إلى الرب سبحانه وتعالى، وابتغاء الوسيلة إليه؟.ومحل هذا السؤال: أنه، هل كان عليك أن تفعل هذا الفعل لمولاك، أم فعلته لحظك وهواك؟.والثانى: سؤال عن متابعة الرسول عليه الصلاة والسلام فى ذلك التعبد، أى هل كان ذلك العمل مما شرعته لك على لسان رسولى، أم كان عملا لم أشرعه ولم أرضه؟.فالأول سؤال عن الإخلاص، والثانى عن المتابعة، فإن الله سبحانه لا يقبل عملا إلا بهما. فطريق التخلص من السؤال الأول: بتجريد الإخلاص، وطريق التخلص من السؤال الثانى: بتحقيق المتابعة". فأمر التصويت في الانتخابات ليس أمرا بسيطا ولا هينا، إنه ترجيح بين متنافسين وبين من تقدموا للناس ليتولوا بعض المهام والمسؤوليات، أقلها إيصال صوت الناس والتبليغ عن قضاياهم إلى الجهات الحاكمة والمساهمة في التصويت على قوانين وقرارات تهم مصالح الوطن والمواطنين، وقد يتولون مهام في التدبير والتسيير المحلي والوطني، وفي ذلك مصالح تجلب ومفاسد تدفع ويكون الحال بحسب الهيئة والحزب التي ينتمي إليها المرشحون ومدى صلاح رؤيتها وبرامجها وطموحاتها ويكون أيضا بحس المتقدم باسم تلك الهيأة صلاحا وفسادا وفاء وغدرا، صدقا وكذبا، فالأمر دين والقضية شهادة، والتي قال الله تعالى فيها:" ( ولا تكتموا الشهادة ومن يكتمها فإنه آثم قلبه والله بما تعملون عليم ( 283(البقرة، فلا يحل لأحد أن يكتم شهادة هي عنده ، وإن كانت على نفسه والوالدين ، ومن يكتمها فقد ركب إثما عظيما . والشهادة إما تؤدى بحق وإما يدخل صاحبها في كبيرة الزور، ومعلوم ما في الزور من شديد القول والوعيد قال تعالى:: فاجتنبوا الرجس من الأوثان واجتنبوا قول الزور، ويقول النبي - صلى الله عليه وسلم - في الحديث الصحيح:(ألا أنبئكم بأكبر الكبائر، قلنا: بلى يا رسول الله، قال: الإشراك بالله، وعقوق الوالدين، وكان متكئاً فجلس فقال: ألا وقول الزور، ألا وشهادة الزور، فما زال يكررها حتى قلنا ليته سكت) والزور كما هو معلوم وصف الشيء على خلاف ما هو به، وهو الكذب الذي قد سُوِّيَ وحُسِّنَ في الظاهر؛ ليُحْسَب أنه صدق، ويكون في القول والشهادة، والادلاء بالصوت شهادة على أن الحزب المتقدم والأشخاص المرشحين هم أصلح الهيئات والأشخاص، وهل اطمأن الشيخ إلى أن حزب الأصالة والمعاصرة برؤيته وبرنامجه ورجاله ونسائه وتاريخ تأسيسه وتصريحات زعمائه، هم أصلح موجود حتى يدعو للتصويت عليه، وهل هؤلاء سيتوقف أثرهم على بضع دور للقرآن يفتحونها، أم أن نجاح القوم محليا ووطنيا له ما بعد على عقائد الناس وقيمهم وأخلاقهم وعقولهم وأعراضهم وأموالهم؟ فهل نظر الشيخ إلى أرنبة أنفه في مصالح جزئية قريبة من محله ونسي النظر البعيد في المصالح الكلية؟ وهل المصلحة الجزئية تقدم عن الكلية فضلا عن قاعدة دفع الشرور مقدم على جلب المصالح، فالناظر في هذا الحزب باستحضار ما ينضح به إناؤه يتملكه الخوف على المغرب هوية وقيما وتاريخا ونظاما ومصالح وأموالا، فكيف يضحى بكل هذا في سبيل فتح دار هنا وهناك؟ وهل رأيت مصلحة دار القرآن ونسيت المغرب والمغاربة ومصلحة كل الوطن وهل ترضى أن يحسب عليك ترسيخ أركان حزب الفساد والتحكم في البلاد وتساهم في فتح باب الشرور على المغرب الأقصى؟ ثم ما مصير التوجيه السابق للتلاميذ والأتباع والمريدين للتصويت على الأصلح، خلال الانتخابات المحلية والجماعية الأخيرة للعام 2015، وما طلبت من دعم "للفاعلين السياسيين النزيهين والصادقين في خدمة ديننا ووطننا"، ودعوتك" للتصويت على الأصلح منهم تحقيقا لما أمكن من المصالح وتقليلا للشر"، وما قررت من: " أن هذا التصويت من الشهادة التي ينبغي أداؤها ما دامت الانتخابات تمر في جو تغلب عليه النزاهة والشفافية".فما الذي تغير، هل صلح حال الأصالة والمعاصرة وأعلنوا التوبة بين يديك، وأصبحوا في زمرة الصالحين المصلحين، وهل ظننت سوءا بالاخوة في العدالة والتنمية وبلغك أنهم بدلوا وغيروا، وهل مجرد عجزهم المؤقت عن فتح دور القرآن التي أغلقها التحكم مبرر كاف لتنفض يديك منهم، ام كان الأحرى أن تقوي جبهة الاستمرار في الاصلاح في ظل الاستقرار وتقوية دولة الحق والقانون وفي ذلك تقوية لحرية دور القرآن ومنعا للمس بحرمتها بغير حق ولا قانون وتتحرر بذلك أنت وغيرك من ابتزاز أزلام التحكم. وهل توجيه الناس إلى مسلك التصويت على هذا الحزب المشبوه وحثهم على ركوب هذه المخاطر من الحكمة في شيء ومن النصح الواجب لله ولكتابه ولدينه ولنبيه ولحكام المسلمين وعامتهم، انظر إلى تصريحات رأس فتنتهم الذي قال إنه جاء لمحاربة الاسلاميين وبأن إذاعة محمد السادس إذاعة تنشر التطرف والارهاب وانظر إلى استماتته في تقنين الحشيش والمخدرات ومهاجمته أحكام الارث وغير ذلك من المصائب، واستقدام حزبه لمن يستهزئ بالله ورسوله وكتابه وأحكامه..أمثل هؤلاء ارتاح ضميرك لتقويهم وتناصرهم وتدعو للتصويت عليهم؟ أين الولاء لله ولرسوله وللمومنين، والولاء حب ونصرة، والتصويت نصرة ومناصرة، فهل يعقل أن يخدم القرآن ويناصر بالزور وغش المسلمين، بذل نصحهم أو حتى مجرد السكوت عن قول الباطل إذا لم يكن ثمة شجاعة لقول الحق، أخشى شيخي الكريم أن يكون القرآن والحديث قد اختلطا في ذهنك حتى ما عدت تميز بين ما تقدم ولا ما تؤخر، أو أنك تركز على أمور بعينها تحجب عنك أمورا أخرى كبيرة وعظيمة، فالدين يؤخذ في مجمله وكليته واستحضار مقاصده، وكما يقال لن ينصر الدين حقيقة إلا من أحاطه من جميع جوانبه، وإذا غاب ذلك كله أتى المرء بالعجب العجاب وبما يحير العقول والألباب كما في الاجتهادات الشاذة قديما عندما ميز بعضهم بين البول في الماء وصبه فيه، وكما رأى بعضهم في زماننا الخروج على الرئيس المنتخب حرية وإرادة شعبية والخضوع للرئيس الانقلابي طاعة للحاكم المتغلب، ولله في خلقه شؤون، ومعذرة للشيخ الذي نحبه لما كان له من أفضال في ترسيخ التوحيد ومقاومة البدع وإنعاش العناية بالقرآن، ومع ذلك نعلمه ونخبره أن الحق والصواب أحب إلينا منه وقد جانبهما في هذه، غفر الله لنا وله وختم لنا وله بحسن الخاتمة والله من وراء القصد وهو يهدي السبيل.