بدأت التبرعات المالية التي يمنحها رجال أعمال صينيون لسياسيين في أستراليا في إثارة القلق بشأن مدى استقلالية السياسة الخارجية للبلاد والمنحازة إلى الولاياتالمتحدة. وبدأ الجدل بعد أن جرى الكشف عن أن سام داستياري، السيناتور في حزب العمال الأسترالي، سمح لمعهد "Top Education" الذي يمتلكه رجل الأعمال الصيني-الأسترالي مينشين تشو، والمحسوب على الحزب الشيوعي الصيني، بأن يدفع له ما يقرب من ألف و250 دولارا، كان قد أنفقها على نظامه الغذائي. وفي ظل الانتقادات التي انهالت عليه، اضطر السيناتور للتنازل عن منصبه في حزب العمال؛ لكن هذا الأمر لم يحميه من استمرار التنديدات ضده، بسبب صلته بأصحاب المصالح الصينيين. وكشفت الصحف الأسترالية، بعدها، أن داستياري قبل أيضا من متبرع صيني آخر أن يدفع له فواتير خدمات قانونية؛ بل وظهر معه في فعالية رسمية منتصف العام الجاري، ليعرب عن دعمه لبكين فيما يتعلق بأزمة بحر الصين الجنوبي. ودفعت كل هذه الأمور إلى التساؤل حول ما تريده الصين مقابل كل هذا، لا سيما مع تزايد انتشار شركات العملاق الآسيوي التي تربطها صلة بحكومة بكين في الأراضي الأسترالية، في الوقت الذي طالب فيه آخرون بمنع التمويل الأجنبي للأحزاب السياسية في هذا البلد. وقالت جولي بيشوب، وزيرة الخارجية الأسترالية، إن "هناك عددا كبيرا من الشركات التي يديرها مواطنون يحملون جنسيات مزدوجة في أستراليا (..) وتمنح تبرعات للأحزاب السياسية التي تعتبر أنها تقدم الأجواء المثلى للاستثمار". جدير بالذكر أن أستراليا هي واحدة من الدول الديمقراطية القليلة التي تسمح بالتمويل الأجنبي لأحزابها السياسية؛ وهو أمر لا يلقى أية معارضة محلية سوى من جانب حزب الخضر الأسترالي. ووفقا لما ذكرته قناة "إيه بي سي" المحلية، تلقى الائتلاف الحكومي المكون من الحزبين الليبرالي والوطني، وكذلك حزب العمال المعارض، أكثر من أربعة ملايين دولار بين عامي 2013 و2015 من جهات صينية. وأبرز روري ميدكالف، مدير كلية الأمن الوطني في الجامعة الوطنية الأسترالية، في مقال رأي نشر مؤخرا، صعوبة اعتبار التبرعات الصينية المليونية التي تمنح للأحزاب السياسية المحلية "تعبيرا عن الإعجاب بنظامنا السياسي الانتخابي". ويعتقد ميدكالف أن بكين تحاول تحييد معارضة كانبرا للأفعال الإستراتيجية التي تقوم بها الصين في آسيا، وإضعاف التحالف الأمني بين أسترالياوالولاياتالمتحدة، بالإضافة إلى التأثير على الدعم المعنوي الذي قد تقدّمه البلاد لدول آسيوية أخرى تتعارض مصالحها مع الصين. وبدأ هذا التوجه يثير قلق الولاياتالمتحدة أيضا؛ فقد أكد جون بيري، السفير الأمريكي في أستراليا، أن التبرعات الأجنبية غير قانونية في بلاده، معربا عن "دهشة" واشنطن من حجم النفوذ الذي باتت تتمتع به الحكومة الصينية في السياسة الأسترالية. وقال بيري، في مقابلة نشرتها صحيفة "ذا أستراليان" الأسبوع الماضي، إنه "أمر مقلق بالنسبة إلينا. لا نستطيع أن نتفهم وضعا يصبح فيه تلقي تبرعات أجنبية من أي حكومة، سواء صديقة أو عدوة، أمرا قانونيا تحت مفاهيم الديمقراطية". ولم يتأخر رد بكين على تصريحات السفير الأمريكي في أستراليا، وجاء على لسان المتحدث باسم سفارة الصين في كانبرا حين سخر من قدرة "بعض الأشخاص" على إطلاق "خطب ومواعظ بشأن القوانين المحلية والسياسة الخارجية الخاصة بدول أخرى". من جانبه، حذّر دونكان لويس، المدير العام لوكالة الاستخبارات الأسترالية، من علاقة بعض المتبرعين بالحكومة الصينية ومن استخدام ما اعتبره "القوة الناعمة" في أستراليا. * إفي