تصطف آلاف السيارات التي تقل عائلات جزائرية بالقرب من معبر ملولة، أكبر المعابر الحدودية بين تونسوالجزائر، في انتظار الدخول إلى تراب الجارة الشرقية تونس وقضاء إجازة الصيف فيها؛ في تحرك لا يخلو من بادرة تضامن مع هذا البلد الذي تعاني السياحة فيه تراجعا لافتا نتيجة للعمليات "الإرهابية". حوريّة بن زور، التي تعيش في ولاية قسنطينة، شمال شرق الجزائر، أصبحت تونس بالنسبة إليها وجهة مفضلة لها ولعائلتها لقضاء عطلة الصيف بشكل سنوي، وتقول: "اعتدنا المجيء كل سنة إلى تونس مع بداية عطلة الصيف.. أصبحت زيارة هذه البلد عادة لدينا". حورية تضيف، في حديث صحافي، إن "السياحة في تونس متطورة.. السكان والمسؤولون هناك لديهم طرق وأساليب جيدة في جلب السياح.. والأهم هو أن تكلفة قضاء عطلة هنا أقل بكثير من الجزائر". وعانت تونس، منذ العام الماضي، تراجعاً حاداً في السياحة الأجنبية الوافدة خاصة الأوربية؛ في أعقاب تعرضها لهجمات "إرهابية"، واستمرت تبعات التراجع حتى العام الجاري. واستهدف هجوم إرهابي في مارس 2015 سياحاً أجانب كانوا بصدد زيارة المتحف الوطني في باردو بالعاصمة تونس؛ وهو ما خلّف 22 قتيلاً و45 جريحاً واحتجاز حوالي 200 سائح. وفي يونيو من العام ذاته، أسفرت عملية إرهابية في فندق "إمبريال مرحبا" بالمنطقة السياحية بمدينة سوسة شرقي تونس عن مقتل 38 سائحاً أجنبياً. وفي نوفمبر، قتل 12 من الحرس الرئاسي في تفجير انتحاري لحافلة لهم، في تونس العاصمة. هشام المحواشي، ممثل السياحة في طبرقة وعين دراهم التابعتين لولاية جندوبة بالشمال الغربي التونسي، يقول: "وفق المتابعة اليومية للمعبر الحدودي بملولة، سجلنا توافد 8 آلاف جزائري كمعدل يومي منذ بداية غشت الحالي". وبلغ عدد السياح الجزائريين الذين زاروا تونس، في سنة 2015، نحو مليون و300 ألف سائح بزيادة قدرت ب 16 في المائة مقارنة مع أرقام 2014، وسط توقعات مسؤولين تونسيون أن يتجاوز الرقم إلى مليون ونصف المليون خلال السنة الحالية. ويرجع المحواشي ارتفاع عدد السياح الجزائريين إلى "العمل الذي تقوم به وزارة السياحة لترويج المنتج السياحي التونسي، عن طريق التواصل مع الديوان الوطني التونسي للسياحة بالجزائر ، والحملات الترويجية على مستوى الإعلام السياحي والمعارض. وزاد المسؤول التونسي: "صحيح أن الجزائريين هبوا لمساعدة تونس سياحياً في 2015، على خلفية الأحداث الأمنية؛ لكن يجب أن نذكر بأن تونس هي الوجهة الأولى للجزائريين، منذ ما يفوق عن 10 سنوات.. ومؤخرا، أصبحت الأرقام مرتفعة مقارنة بالسنوات الماضية". وأطلقت الجزائر في صيف 2015، عقب العمليات التي شهدتها تونس، حملة تضامن واسعة تحت شعار:" الجزائريون يعدون بالزحف إلى تونس للسياحة"، بينما يساهم قطاع السياحة في تونس، الذّي يعتبر أحد أعمدة الاقتصاد، ب 7 في المائة من إجمالي الناتج المحلي، ويمثل مصدراً رئيساً للنقد الأجنبي للبلاد. وأوردت وسائل إعلام تونسية، نهاية الأسبوع الماضي، عن احتجاج في صفوف عشرات الجزائريين الداخلين إلى تونس؛ وذلك على خلفية إلزامهم دفع ضريبة دخول تقدر ب30 ديناراً (قرابة 14 دولارا). ويعلق مندوب السياحة عن الموضوع قائلا: "المستاؤون من هذه الضريبة هم الأشقاء الجزائريون الذين يدخلون أكثر من مرة في الأسبوع. ومن ثم، فنحن نتفهم أن هذا المبلغ يمكن أن يشكل تأثيراً عليهم؛ لكن الأمر يختلف بالنسبة إلى السياح الذّين يأتون مرة واحدة في السنة من أجل قضاء العطلة في تونس". وفرضت السلطات التونسية، في أكتوبر 2014، ضريبة على الأجانب العابرين لأراضيها تقدر ب30 دينارا تونسيا (14 دولارا أمريكي). فريد بن رحمون قدم من ولاية "تيزي وزو" الجزائرية ويقول: "قضينا 10 أيام ممتعة في تونس، وتحديداً في مدينة الحمامات الساحلية.. أعجبتنا الأجواء.. كل شيء متوفر من خدمات وأمن، والأهم هو ضيافة التونسيين وترحيبهم بنا". وأشار السائح الجزائري إلى أنه يتحمل "عناء سفر أكثر من 1000 كيلومتر ليأتي إلى تونس؛ لأن الجزائر لا تحظى بالمرافق السياحية نفسها". ومن جهته، يرى مويسي إلياس، الذي أتى من ولاية تبسة الجزائرية، أن "إجراءات الدخول لتونس سهلة، فضلاً عن توفر الخدمات لضمان سلامة المسافرين". يذكر أن عدد السياح الأجانب القادمين إلى تونس بلغ، في الأشهر الستة الأولى من العام الحالي، مليون و980 ألف سائح؛ بعد أن تم تسجيل مليونين و407 آلاف سائح في الفترة نفسها من العام الماضي، وفق إحصاءات رسمية نشرت بموقع وزارة السياحة. ووفق الإحصاءات ذاتها، فقد بلغت مداخيل السياحة، في النصف الأول من العام الجاري، 772.7 مليون دينار (348 مليون دولار)، مقارنة مع 1.246.4 مليار دينار (561 مليون دولار) في الفترة ذاتها من سنة 2015. وفي تصريحات سابقة، أوضح رضوان بن صالح، رئيس الجامعة التونسية للنزل، أن هناك أسواقا سياحية واعدة اليوم في تونس؛ منها السوق الروسية والسوق الداخلية التونسية والسوق الجزائرية، التي عرفت زيادة مقارنة بالعام الماضي. في المقابل، فإن معظم الأسواق السياحية التقليدية لتونس مثل فرنسا وألمانيا وإنكلترا وإيطاليا لا تزال غائبة في هذا الموسم. * وكالة أنباء الأناضول