عاد، بحر الأسبوع الماضي، موضوع منْح مأذونيات النقل في قطاع سيارات الأجرة لغير المهنيين إلى الواجهة، بعد نزولِ مهنيّين إلى الشارع في وقفة احتجاجية أطرتها أربع نقابات عمالية، كانَ من جُملة المطالب التي رفعوها "الحكامة الجيدة لتدبير رخص الاستغلال بشكل عادل ومنصف للمهنيين". وجاء الاحتجاج موازاة مع رواج خبر في الصحافة يفيد بإصدار مئات المأذونيات الجديدة التي تم توزيعها على أشخاص لا علاقة لهم بقطاع سيارات الأجرة بعدد من العمالات، ومنهم ميسورون ومقربون من السلطة، وهُو ما يعتبره المهنيّون المشتغلون في القطاع مضرّا بمصالحهم. العياشي أولاد جمعة، رئيس المرصد الوطني للنقل وحقوق السائق المهني، قالَ، في حديث لهسبريس، إنّ المأذونيات التي تمنحها وزارة الداخلية لغيْر المهنيين تُعتبر جزءً من "اقتصاد الريع"، مضيفا: "لسنا وحدنا المتضررين، بل الدولة برمّتها متضررة من اقتصاد الريع هذا الذي لا يعود على الخزينة العامة بأي نفْع". وكان المهنيون المشتغلون في قطاع سيارات الأجرة قد خاضوا وقفات احتجاجيةً، خاصة في مدينتي الرباط وسلا، وطالبوا وزارة الداخلية بحمايتهم ممّا يصفونه ب"جشع" أصحاب المأذونيات الذين يعمدون إلى إعادة بيعها بعد انتهاء مدّة العقد، رغم أنّ القانون المنظّم يمنع بيْعها أو إعادة تفويتها. ولا توجدُ أرقام مضبوطة حوْلَ عدد المهنيين الذين يحوزون مأذونيات نقل، لكنّ أحمد صابر، الكاتب العام للنقابة الوطنية لمِهْنيي سيارات الأجرة بالمغرب، قال، في ندوة صحافية سابقة نُظمتْ بالرباط، إنّ "90 في المائة من رخص استغلال سيارات الأجرة يستفيدُ منها أشخاص لا علاقة لهم بالقطاع". ويُبرَّر منْح مأذونيات النقل في المغرب بمساعدةِ أشخاصٍ في وضعية اجتماعية صعبة، لكنَّ المهنيّين يقولون إنّ المأذونيات توزّع على أشخاص ميسورين. وحتّى تبرير السلطات بالنسبة للعياشي ولاد جمعة غير مقبول، "لأنّ هناك حلولا أخرى لمساعدة الفئات المحتاجة، وليس ضروريا أن تُمنح لها المأذونيات". وتساءل العياشي حوْل جدوى منْح مأذونيات النقل لغير المهنيين، من الجانب الاقتصادي، قائلا: "هل يؤدّي أصحاب المأذونيات ضريبة على الحْلاوة (مبلغ مالي يحصل عليه صاحب المأذونية من المكتري لتجديد العقد) التي تصل إلى الملايين؟"، ليجيب: "طبعا لا"، مضيفا: "هذا فعل دخيل على الاقتصاد، ولا يُنتج سوى المشاكل". ويظهرُ أنَّ تقنين الاستفادة من مأذونيات النقل في المغرب باتَ عصيّا، فعلى الرغم من أنَّ وزير التجهيز والنقل الحالي كانَ قد أعدّ مشروع قانون يرمي إلى شراء الوزارة مأذونيات النقل في أفق خلْق شرِكات، إلا أنَّ هذا المشروع لم يرَ النور، إثرَ المقاومة التي جُوبهَ بها طرف المستفيدين. وكانَ مهنيو سيارات الأجرة قد اجتمعوا، في وقت سابق، مع رئيس الحكومة، عبد الإله بنكيران، حول هذا الموضوع، واتفقوا معه، بحسب ما أفاد به العياشي ولاد جمعة، على معالجة رخص النقل في مرحلة انتقالية من خمس سنوات، ريثما يتزايد عدد المهنيين المتوفرين على رخص، ليدخلوا بعد ذلك كمساهمين في شركات؛ لكنّ هذا الاتفاق يبدو أنه تبخّر بدوره. وعلى الرغم من التعثر الذي تعرفه معالجة رخص النقل، والمشاكل التي يتخبط فيها قطاع نقل سيارات الأجرة عموما، يبدو العياشي ولاد جمعة متفائلا بإمكانية استجابة وزارة الداخلية لمطالب المهنيين، بفضل ضغط النقابات الممثلة لهم؛ إذ قال: "وزارة الداخلية أصدرت الدورية 16، وهي دورية مهمة جدا، ومقاربة في اتجاه هيكلة القطاع، ولكنها لم تأخذ طريقها، ربما لوجود تقصير من النقابات والوزارة الوصية، وهناك اليوم محاولات لهيكلة القطاع بفضل توحيد جهود النقابات".