يرتبط الحديث عن الشباب المغربي في هولندا عادة بهذه اللازمة النمطية: "مشاكل وإجرام". هي صورة مثبطة لعزائم بعض الشباب الذي يبرر بها إدارة ظهره للمجتمع برمته. لكنها لدى آخرين تمثل مصدر طاقة للتحقيق النجاح. ياسين صديقي هو أحد الشباب الذي دخل عالم 'ميديا بارك‘ أو المدينة الإعلامية في هولندا لتحقيق مهمة واحدة: تجديد دماء محطة تلفزيونية كبيرة بدماء جديدة وشابة؛ دماء أبناء المهاجرين. صوابية سياسية وحدها الصدفة أوصلت ياسين صديقي للعمل مع مؤسستي 'فارا‘ (VARA)، وهي إحدى أكبر القنوات التلفزيونية ومؤسسة (NTR) الجديدة التي حصلت في المدة الأخيرة على حقوق الإرسال الخاص بالمسلمين. فقد استدعي من طرف إدارة هذه المؤسسة للتشاور معه حول سياستها التي تستهدف 'الهولنديين الجدد‘ أي الهولنديين من أصول أجنبية. شاركتْ في ذلك اللقاء التشاوري وجوهٌ مغربية – هولندية معروفة في الساحة السياسية الهولندية. "كل من شارك تحدث من زاوية 'الصوابية السياسية‘. أما أنا فقد تقدمت بمقترحات عملية دون أن اشعر بالحرج"، يقول ياسين في لقاء مع إذاعة هولندا العالمية: "فكر المسؤولون في مؤسستي 'فارا‘ و 'إن. تي. إر‘ في إنتاج برامج يمكنها جلب المشاهدين الهولنديين من أصول مغربية وإسلامية، وأرادوا التشاور حول الأسباب التي تجعل هذه الفئة من المشاهدين لا تتابع برامج القناتين، وطلبوا منا اقتراح حلول. وبعد أن عرضت عليهم أفكاري ومقترحاتي، ليس فقط في ما يتعلق بإنتاج برامج جديدة، ولكن أيضا بخصوص توظيف أطر أخرى من أصول غير هولندية لتحقيق التنوع والتعددية، ظهر أنهم اقتنعوا بما اقترحت، فعرضوا علي العمل معهم لتنفيذ هذه الأفكار. هكذا دخلت المدينة الإعلامية في مدينة هيلفيرسوم". ثقافة أخرى بعد تخرجه من المعهد العالي في مدينة أيندهوفن والتخصص في طرق التواصل وخاصة مع الشباب من أصول أجنبية، باشر ياسين صديقي العمل مع الشرطة في نفس المدينة. واسترعى انتباهه أن الشرطة لا تعرف كيف تتعامل مع الشباب المغربي، وبالتالي تنشأ عن سوء الفهم مشاكل يمكن بقليل من الفهم تفاديها. ليست دوائر الشرطة وحدها من يعاني من مشاكل التواصل مع الأجانب، بل حتى القطاعات الأخرى ومنها شركات القطاع الخاص. يعتقد ياسين صديقي أن سوء الفهم ذاك يرجع بالدرجة الأولى للاختلاف الثقافي. "يوجد فعلا اختلاف ثقافي. فعلى سبيل المثال حينما يتقدم مغربي لشغل وظيفة ما، يجد الشخص الذي يجري المقابلة معه صعوبة في فهم بعض تعبيرات الشاب المغربي وأفعاله، كأن يحجم عن مصافحة امرأة أو غض الطرف أثناء الحديث تأدبا واحتراما، إلا أن الهولنديين على العكس يعتبرون ذلك من قلة الأدب". قرارات صعبة لا تقتصر مهمة ياسين على اقتراح أفكار جديدة ومبتكرة فقط، ولكنه مكلف أيضا بتدبير ملف تقليص النفقات وترشيدها ومواكبة سير أعمال القسم الذي يسهر على إنتاج برامج موجهة للمسلمين. هذه هي "المهمة الأقل متعة في عملي" يقول ياسين، لاسيما حينما يقرر تسريح موظف أو إطار أو صحافي. "كثيرون يتساءلون: من يكون هذا حتى يتصرف هكذا"؟ يتمتع ياسين صديقي بدعم واسع من مدير المؤسسة، ولكنه يحس بمسئولية جسيمة لأن "القرارات تكون صعبة" لارتباطها بمصير الناس أيضا. ومع أنه جديد في المؤسسة ولا تربطه بالعاملين فيها علاقات "شخصية" قد تؤثر في قراراته، إلا أنه يعي ثقل المهمة. "أولا لأنني من أصل مغربي وثانيا لأنني صغير السن نسبيا". عجوز بيضاء يصف ياسين (24 سنة) مؤسسته الجديدة بأنها مؤسسة "عجوز" و "بيضاء"، وذلك بالنظر لمتوسط عمر العاملين فيها وعدم اعتمادها على هولنديين من أصول أجنبية إلا في ما ندر. "قبل بضعة أشهر لم أكن أعرف شيئا عن 'ميديا بارك‘ والصدفة وحدها هي التي قادتني إلى هنا، ولا أدري ما ذا يرتبه القدر لي في المستقبل"؟ يبدو أن خطوات ياسين صديقي لن تنحصر في فضاء تلفزيون 'فارا‘ العامة. مدير الأخبار بمؤسسة NOS وهي أكبر مؤسسة تلفزيونية عامة في هولندا عرض عليه بدوره وظيفة مقدم برامج كوجه جديد واجتاز الاختبار الأول بنجاح. "سأفكر في الموضوع بجدية"، يقول ياسين صديقي وهو غير مصدق. استمع للقاء إذاعة هولندا العالمية مع ياسين صديقي بالنقر هنا أو عبر الرابط التالي: http://www.rnw.nl/arabic/article/379180