تشكل التحالفات النواة الحقيقية التي يعول عليها المشهد الحزبي من أجل تشكيل خريطة سياسية بشقيها الأغلبي والمعارض، ومن هذا المنطلق فهي تشكل الفيصل في رسم المعالم الرئيسية للخريطة السياسية سواء الترابية أو التشريعية. لقد أبانت التجارب السياسية الحزبية الدولية عن نجاعة التحالفات القبلية في تدبير المشهد الحزبي تدبيرا لطالما استمد قوته من توحيد رؤى الأحزاب السياسية الحليفة قبل دخولها غمار الاستحقاقات الانتخابية ، أمر نجد بأنه قد انعكس إيجابا على منحى السياسات العمومية لمجموعة من الدول وبوأها مراكز جد مهمة من الناحية الاقتصادية والاجتماعية. لقد شهد مغرب ما بعد دستور 2011 ، تغيرات جذرية وخاصة في مشهده الحزبي السياسي، أمر يمكننا أن نختزله فيما عرفته السلطة التنفيذية من توسيع لصلاحياتها ، مما مكن هذه الأخيرة من أن تتوفر على مجموعة من الآليات الكفيلة بتنزيل برامجها والتعبير عنها من خلال السياسات العمومية ن أضف غلى ذلك ما عرفته مجموعة من الأحزاب السياسة من تغييرات جذرية مست جميع هياكلها التنظيمية وذلك من قبيل أحزاب الاستقلال والاتحاد الاشتراكي والأصالة والمعاصرة ، هذا علاوة على ما أصبحت تشكله مواقع التواصل الاجتماعي من قوة تواصلية ونقدية لقضايا الشأن العام ، هذا الواقع الفريد من نوعه أدى ببعض أحزاب الأغلبية الحالية إلى الجلوس على طاولة الحوار القبلي الكفيل بخلق تحالفات قبيل الاستحقاقات التشريعية لأكتوبر 2016، ما يمكننا أن نعتبره تجربة فريدة من نوعها يمكنها وإن نجحت مكوناتها في استمالة أصوات الناحبين بكثافة أن تشيد لميلاد تجربة الأغلبية المتأسسة على التحالف القبلي ببلادنا. لعل جميع المتتبعين للحركات التسخينية لتشريعيات أكتوبر 2016 ، سيجمعون كلهم بأن تشكيل الأغلبية سوف لن يكون بالأمر السهل، أمر يجد تفسيره بالحراك الحزبي الذي تعرفه أغلب الأحزاب السياسية المغربية ، والتي لا تتوانى في إعداد برامج انتخابية ستجعل في صلب أولوياتها انشغالات المواطن وخاصة تلك المتعلقة بالصحة ، التعليم والتشغيل، قضايا اشتركت كل الأحزاب السياسية أغلبية ومعرضة في مناقشتها ، تتبعها وتقييم نتائجها ، مما سيمكنها وبكل تأكيد من رصد مكامن قوتها وعللها ، ومن ثمة محاولة البحث عن بدائل كفيلة بإقناع الناخب من أجل التصويت على برامج حزبية دون أخرى، ولعل هذا ما دفع أحزابا سياسية من الأغلبية الحالية من قبيل أحزاب العدالة والتنمية ، التقدم والاشتراكية والحركة الشعبية من تنظم اجتماعات تنسيقية لتدارس إمكانية تحالفها القبلي للانتخابات التشريعية القبلي، ونفس الشيء بالنسبة لحزبي الأصالة والمعاصرة والاتحاد الاشتراكي اللذين بدا التقارب بينهما واضحا وبالتالي لا يمكن أن يختلف اثنان في اتفاقها على التحالف القبلي ، فيما ظلت هناك أحزاب لم تعلن صراحة عن رغبتها في التحالف القبلي من عدمه كحزبي الاستقلال والتجمع الوطني للأحرار، على أن المتتبع للمسار التشريعي سيلمس ولأول وهلة تقاربا في وجهات نظر حزبين كبيرين هما الاستقلال والعدالة والتنمية. ومن هذا المنطلق ، يمكننا القول من وجهة نظرنا الأكاديمية ، بأن الانتخابات التشريعية المقبلة ستشهد صعوبة حقيقية لتشكيل البيت الأغلبي، لا لشيء إلا لأن جميع مكونات الخريطة الحزبية ستخوضها باستعداد قبلي مبني على دراسات واقعية لكل مناحي المواطن المغربي وخاصة في شقيها الاقتصادي والاجتماعي، هذا بالإضافة إلى بروز معطى جديد في المشهد الحزبي المغربي إنه منحى التنافس الذي أصبحت تنهجه جل الأحزاب السياسية ، لا لشيء إلا لأنها قد عملت على مراجعة حساباتها الانتخابية ، ومن ثمة اعتمدت في تسويق برامجها الانتخابية على الوسائل التكنولوجية الحديثة التي تستميل فئة الشباب المغربي الذي يشكل أعلى نسبة من الهرم السكاني المغربي، هذا دون أن ننسى ما أصبحت تضطلع به مواقع التواصل الاجتماعي من موقع رئيسي سيظل مؤثرا حقيقيا في رسم المعالم الأولى للخريطة السياسية ببلادنا ، إنه عصر العولمة الحزبية. وتأسيسيا على ذلك ، وانطلاقا مما قامت به بعض الأحزاب من تنسيق قبلي لرص صفوفها قبيل الاستحقاقات التشريعية لسنة 2016، يمكننا التأكيد على أن هذه التجربة محمودة لا لشيء إلا لأنها ستمكن من زيادة نسبة التنافس والتباري بين جميع مكونات المشهد الحزبي المغربي، ومن ثمة ستعطي للناخب عروضا انتخابية كثيرة سيختار من بينها من يستميل طموحاته. إن تخمينات الكاتب بخصوص التركيبة الحكومة المقبلة لا يمكنها أن تخرج حزبي الاستقلال والاتحاد الاشتراكي من حزمتها ، لا لشيء إلا لأن إعادة الثقة في صفوف مناضليها ستكون له نتائج إيجابية في الرفع من مشاركة المواطن في الاستحقاقات التشريعية المقبلة وبالتالي تبوأهما إلى جانب حزب العدالة والتنمية وحزب الأصالة والمعاصرة صدارة النتائج التشريعية المقبلة ولكن بفارق بسيط ، الأمر الذي إما سيرجح إما سيوحد حزب العدالة والتنمية إلى جانب حزبي الاستقلال والاتحاد الاشتراكي من أجل تشكيل الأغلبية الحكومية وإما سيوحد بين حزب الأصالة والمعاصرة مع حزبي الاستقلال والاتحاد الاشتراكي من أجل تشكيل الأغلبية ، ذلك أن تكوين بيت الأغلبية أكبر من اختلاف وجهات نظر الأشخاص، ومن ثمة ماذا يثرى ستفرزه تشريعيات أواخر سنة 2016، هل ثالوث الاستقلال ، الاتحاد الاشتراكي والعدالة والتنمية أم ثالوث الاستقلال ، الاتحاد الاشتراكي والأصالة والمعاصرة ، وبالتالي فالناخب يبقى هو الفيصل في رسم معالم أحد الثالوثيين اللذين أفترض ظفرهما بالأغلبية الحكومية المقبلة ، وبما أن التسجيل الالكتروني لا زال متاحا وإلى حدود كتابة هذه الأسطر ، أدعو جميع المواطنات والمواطنين للتسجيل وبكثافة في اللوائح الانتخابية ، لا لشيء إلا لأن الصوت أمانة والأمانة يجب علينا صيانتها صونا لا يمكنه إلا أن يعود بالخير والنماء على وطني المغرب. *أستاذ القانون العام بجامعة محمد الخامس- كلية العلوم القانونية، الاقتصادية والاجتماعية السويسي الرباط [email protected]