رسم الصحافي المعروف عبد الباري عطوان صورة قاتمة عن الوضع في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، متوقعا ألا ينقشع غبار الحروب المشتعلة في المنطقة إلا بعد عشر سنوات على الأقل؛ وذلك عندما حل ضيفا على مركز هسبريس للدراسات والإعلام، للحديث عن التغيرات التي تعرفها المنطقة. وقال عبد الباري عطوان، في محاضرته التي استضافها المعهد العالي للإعلام والاتصال بالرباط، إن "الثورات العربية خطفت من طرف القوى الغربية التي لا تريد لهذه المنطقة التقدم"، قبل أن يعدد العوامل التي أفضت إلى خروج الشعوب إلى الشارع مطالبة بالتغيير؛ وأولها حسب تعبيره: "أننا نعيش حالة من الإذلال غير المسبوق، سواء من طرف حكامنا أو من طرف القوى الغربية"، مردفا بأن "المنطقة تعاني حالة إحباط بسبب انسداد الأفق، ما ولد جيلا فاقدا للأمل، بسبب الفقر والبطالة"، حسب تعبيره. وواصل الصحافي الذي ألف عددا من الكتب، كان آخرها "الدولة الإسلامية، الجذور، التوحش، المستقبل"، الذي ترجم إلى 17 لغة، بأن المنطقة عانت وتعاني من "غياب الحكم الرشيد"، إذ "لا وجود للمساواة ولا العدالة ولا محاربة للفساد؛ والثورات قامت من أجل تغيير هذا الوضع"، على حد قوله. ووصف عبد الباري عطوان الطائفية التي تعرفها منطقة الشرق الأوسط بأنها "خطر مدمر للمنطقة، بين السنة والشيعة، والعرب والأكراد، وغيرها من التقسيمات الطائفية"، معبرا عن أسفه لكون دولة مثل العراق باتت تعرف عدة هويات، لا هوية واحدة جامعة، ومعتبرا أن هذه الطائفية "أدت إلى تهميش طائفة على حساب أخرى؛ الشيعة على حساب السنة أو العكس"، حسب تعبيره. وألقى عطوان باللائمة على التدخلات العسكرية الأمريكية "في خلق دول عربية فاشلة"، مضيفا: "حاليا لدينا خمس دول فاشلة في المنطقة"، ومشيرا إلى أن "هذه التدخلات زادت آثارها المدمرة بسبب سوء تقدير نتائجها، وحصل الأمر في العراق، وأيضا في ليبيا، حيث لم تكن الدول الغربية تتوقع ما حدث"، وفق تعبيره. وميز عبد الباري عطوان بين "الثورات العربية في بدايتها، حيث كانت مشروعة، لأن الفساد والاستبداد بلغ مرحلة لا تطاق"، وبين المرحلة التي وضع الغرب يده عليها، مستدلا على ذلك بخرجة إعلامية لرئيس الوزراء البريطاني الأسبق، توني بلير، قال فيها إنه مع هذا التغيير الذي تطالب به الشعوب العربية، شريطة التحكم فيه، مضيفا: "أي أن توظف هذه المشاعر الحقيقية والصادقة المطالبة بالتغيير لصالح تفتيت الدولة القطرية"، ولافتا إلى أنه "لو كان العراق متماسكا لما حدث ما يحدث حاليا في المنطقة". ووضع عطوان قواسم مشتركة للدول التي اعتبر أنها "تعرضت لخطف الربيع العربي"، ويتعلق الأمر بكل من ليبيا والعراق وسورية؛ ذلك أنه "كان فيها تعايش طائفي وإثني، ولم تكن تعرف جماعات متطرفة، كما كان لها مشروع وطني كبير لتحرير فلسطين، وكانت لها جيوش تشكل العصب الأساسي للأمة العربية"، مستنكرا في الوقت ذاته كيف أن الوضع الحالي أفرز تغييرا خطيرا مفاده أن "إسرائيل لم تعد هي العدو"، ومضيفا: "بل هناك من يوظف إمبراطورية إعلامية من أجل تصوير أن إسرائيل ليست هي العدو، وأن إيران باتت العدو الأول في المنطقة". وعن تعامل الأنظمة العربية مع "الثورات"، تحدث عطوان عن نموذجين، الأول يضم المغرب، والأردن، وسلطنة عمان، قائلا: "عندما تحرك الشارع المغربي حصلت استجابة للمطالب وجرى تفويت خطر كان قادما، والأمر نفسه حصل في الأردنوعمان"؛ وأضاف أن النموذج الثاني يتمثل في بقية الدول، "التي حتى وإن رغبت في امتصاص الغضب، كان ممنوعا عليها ذلك، لأن هناك مخططا قبليا لتقسيمها من طرف القوى الغربية، كما هو الوضع في سورية"، حسب تعبيره. وأفضى هذا الوضع، حسب عطوان، إلى "أننا أصبحنا بلا جيوش وبلا ثروة نفطية، ولا مؤسسات وطنية، وبلا وحدة وطنية؛ فالجيش السوري أصبح منهكا، والعراقي تم تفكيكه، والمصري أصبح منشغلا بأمور أخرى"، على حد قوله، محذرا من أنه "لو نجح مخطط تقسيم سورية، فربما كانت الجزائر أو المغرب هي المرحلة المقبلة"، مقدما المثال بالدستور المقترح في سورية، "الذي يهدف إلى خلق خمس دول داخل سورية، والحديث الآن عن دولة فيدرالية؛ لأنهم لا يريدون دولة قوية موحدة"، على حد تعبيره. ولأن المناسبة شرط، فقد شهدت منطقة الشرق الأوسط خلال الأيام الماضية مرور قرن على اتفاقية سايكس بيكو، الذي أدت إلى تقسيم المنطقة العربية، فأكد عبد الباري عطوان أنه بعد مرور قرن على هذه الاتفاقية، "الآن يتم وضع سايكس بيكو جديدة، والقائم على وضعها هما روسياوالولاياتالمتحدةالأمريكية"، مضيفا: "وإذا كانت سايكس بيكو الأولى خلقت دولا قطرية، فإن المخطط الذي يتم العمل عليه حاليا هو تفتيت المنقطة، وخلق كيانات مشتتة، وأيضا خلق دولة كردية". أما عن القضية الفلسطينية، فأكد عطوان أن كل ما يجري حاليا "هو لفك الارتباط بين الدول العربية والإسلامية مع القضية الفلسطينية"، وأن "هناك تطبيعا سريا على قدم وساق مع إسرائيل، وتصوير أن إيران هي الخطر"، متسائلا عن المانع من الحوار مع إيران، "فحتى الولاياتالمتحدة اقتنعت بأن الحرب معها لن تحل شيئا"، على حد قوله. وختم عبد الباري عطوان بنبرة متشائمة، لخصها في أن "مستقبل المنطقة مؤلم؛ لأننا مثل التلميذ الغبي، لا نتعلم من الطعنات الذي نتلقاها من الغرب"، بتعبيره.