حسب البلاغات الصادرة عن الأكاديميات الجهوية للتربية والتكوين لمختلف جهات المغرب، فقد مر الامتحان الجهوي للبكالوريا 2016 في أجواء إيجابية اتسمت بالانخراط الجدي و المسؤول لجميع المتدخلين لإنجاح هذا الاستحقاق الجهوي سواء على مستوى مراكز الامتحان أو على المستويين الإقليمي و الجهوي، و بجدية و انضباط المترشحات و المترشحين. غير أنه قد تم رصد حالات غش بكل الأكاديميات الجهوية التي أصدرت البلاغات، و التي اختلفت فيها الوسائل المستعملة من هواتف نقالة او وسائل إلكترونية أو استعمال وثائق أو أوراق مكتوبة غير مسموح بها. حيث سجلت 47 حالة غش في اليوم الأول بالأكاديمية الجهوية لجهة طنجة-تطوان-الحسيمة 70% منها لدى المترشحين الأحرار. أما بالنسبة لجهة الشرق، فقد ضبطت باليوم الأول 77 حالة منها 71 حالة بسبب استعمال الهاتف النقال أو وسائل إلكترونية و 6 حالات نتيجة استعمال وثائق و أوراق مكتوبة غير مسموح بها. بالنسبة للأكاديمية الجهوية لجهة العيون الساقية الحمراء، فقد تم ضبط 87 حالة غش 38% منها سجلت لدى المترشحين الرسميين. كما عرفت باقي الجهات تسجيل حالات غش أخرى. و حسب البلاغ الصادر عن المديرية العامة للأمن الوطني، ليوم السبت 4 يونيو 2016، فقد تمكنت مصالح الشرطة القضائية، مدعومة بالمصالح الجهوية والمركزية لمكافحة الجريمة المعلوماتية أمس الجمعة وصباح اليوم السبت من توقيف ما مجموعه 21 مشتبها فيه بمدن الرباط وسلا وتمارة والقنيطرة وطنجة ومراكش و وجدة وفاس ومكناس وتازة وآسفي، متورطون في عمليات تسريب امتحانات الباكالوريا . و حسب المعطيات الأولى للبحث فإن الموقوفين، ومن بينهم مرشحون لامتحانات الباكالوريا وطلبة بمعاهد وكليات المعلوميات، يشتبه في تورطهم في إنشاء وإدارة صفحات على مواقع التواصل الاجتماعي مخصصة لتسريب مواضيع الامتحانات مع توفير أجوبة لها مقابل مبالع مادية، وحسب البلاغ فإن عمليات التفتيش التي باشرتها مصالح الأمن مكنت من حجز مجموعة من المعدات المعلوماتية المتصلة بشبكة الانترنيت، بالإضافة إلى هواتف نقالة وسماعات لاصقة تستعمل في تسهيل عملية الغش. السؤال الذي يجب أن نطرحه هنا كمهتمين و متدخلين في العملية التربوية و التعليمية: هل المقاربة الأمنية هي الحل لمنع الغش في امتحانات البكالوريا؟ و هل من الأنسب للمتعلمات و المتعلمين أن يصبحوا مجرمين بعد ارتكابهم لعملية غش أم الأجدى أن نتخذ في حقهم إجراءات تربوية كالحرمان من الحصول على الشهادة، أو الحرمان من اجتياز الامتحانات لمدة معينة؟ هل نكون قد أنصفنا المتعلمات و المتعلمين بتحويلهم للقضاء؟ مع العلم أن معظم المترشحات و المترشحين لازالوا قاصرين! هذا لا يعني أن الغش في الامتحانات هو سلوك مقبول، لكن التعامل معه و مجابهته بمقاربة أمنية هو ما لا يجب أن يكون. و لن يكون أي متدخل أو متتبع أو مهتم بالشأن التربوي فرحا، و هو يشاهد أحد تلامذة مؤسسته تقتاده المصالح الأمنية في حالة اعتقال. أعتقد أنه من الأجدى العودة للمقاربة التربوية لمجابهة الغش في امتحانات البكالوريا، ففي النهاية فإنه من بين الغايات الكبرى للميثاق الوطني للتربية و التكوين، هو أن يصبح المتعلم(ة) مواطنا(ة) صالحا(ة)، و أن يكون المتعلم بوجه عام و الطفل بوجه خاص في قلب الاهتمام و التفكير و الفعل خلال العملية التكوينية. و باعتمادنا على المقاربة الأمنية، و بمواجهة السلوك الغير السليم-الغش- للمتعلمات و المتعلمين بالاعتقال و العرض على القضاء، فإننا لا نراعي أبدا مصلحة المتعلم(ة) أو الطفل(ة)، و لن يكون الآباء و الأمهات و أولياء أمور المتعلمات و المتعلمين شاكرين للمنظومة التربوية التي يضعون ثقتهم بها، و يسلمونها فلذات أكبادهم، للتعلم و التربية، أن تكون نهايتهم بين أسوار السجون! لاشك أن الامتحانات الجهوية و الوطنية للبكالوريا من أهم المحطات التي تبذل فيها كافة أطر المنظومة التربوية كل المجهودات لإنجاحها، و أنها أيضا صورة دولية عن مستوى التربية و التعليم بالمغرب، و هي كذلك بوابة للمتعلمات و المتعلمين الموفقين في اجتيازها للوصول لمرحلة أخرى من مشوارهم الدراسي الجامعي و العالي، و أن عمليات الغش التي ترتكب من قبل بعض المترشحات و المترشحين قد تنعكس سلبا على المصداقية الدولية لشهادة البكالوريا المغربية، إلا أن المقاربة الأمنية التي تواجه بها عمليات الغش، ليست الحل الأمثل لمنع ارتكاب هذا السلوك الغير مقبول، و من الأجدى مراعاة مصلحة المترشحات و المترشحين و مجابهة سلوكهم بإجراءات تربوية كالحرمان من اجتياز امتحانات البكالوريا لمدة معينة، أو منحهم نقطة موجبة للرسوب، بدل تحويلهم لمجرمين.