يمر المغرب بمرحلة تاريخية دقيقة، خصوصا في ظل الفوضى التي تعيشها بلدان الجوار وبروز التنظيمات الإرهابية الجهادية التي تخرب وجدان الناس عبر الترويج لأشرطة الذبح والعنف الوحشي، وتشكل خطرا أمنيا دوليا. بجانب تيارات إسلامية سياسية تعمل ليل نهار لنشر "التطرف المعتدل" وتحريف قيم التسامح والاختلاف والأخلاق والمساواة عبر الإعلام والبرلمان والقوانين وخير دليل (قانون زواج الفاتحة، تزويج وتشغيل القاصرات مسودة القانون الجنائي الداعشية، شرطة النهي عن المنكر، سب النساء من داخل قبة البرلمان، وصف الاحتجاجات ضد غلاء فواتير الكهرباء بالفتنة من قبل رئيس الحكومة، تقطيع أجور الموظفين لأن الله يقول ذلك في القرآن، المغرب ليس في حاجة إلى فلسفة ولا شعر). ثم هناك من استثمر في إنتاج بول البعير بعاصمة المغرب، وبدأ يبيعه للمرضى السرطان، بدعوى حديث نبوي. كل هذا يمثل مشروعا بدويا دينيا متطرفا ، ينشر في الشارع بدعم داخلي وخارجي خليجي عبر آلاف جمعيات الوزير السابق "الحبيب الشوباني"، ويترجم أيضا إلى قوانين تحكم المغاربة. وهناك أيضا، جماعات وجمعيات دينية سلفية متطرفة، تعمل على استقطاب الشباب والناس المسلمين في المساجد والشوارع لتلقنهم التطرف والغلو والإرهاب وطاعة ولي الأمر الذي هو "قيادي" أو الأمين العام للجماعة "المجنون". وهؤلاء الشباب والناس المنخرطون في تيارات الإسلام السياسي أنفسهم يتجهون إلى بؤر التوتر للجهاد وإقامة "دولة الله". ما يؤكد أن هناك سعي لصنع قنبلة موقوتة صامتة. و مجتمع ممانع ضد الحريات الفردية والقيم الإنسانية وثقافة التعايش وتقبل الآخر في ظرفية مضطربة. بعد الحراك السياسي والاجتماعي الذي فجرته الحركات الشبابية التي يعود لها الفضل في نقل مبادرة الحراك المجتمعي من الأحزاب إلى الشارع، حيث كانت الأحزاب من قبل هي المبادرة إلى تحريك نضالات الشارع لانتزاع مكاسب و تحقيق المطالب، فصار الشارع مع انطلاق حركة 20 فبراير هو المبادر لتلتحق به الأحزاب. ما يؤكد هشاشة الهيئات السياسية التقليدية، عكس مبادرة الشارع التي كانت بدون نخبة وإستراتيجية ترسم الطريق، وبسبب غياب النخبة عن الحراك الشعبي، تم السطو على المكاسب. فعاد عنف السلطة إلى الشارع وعاد التعتيق السياسي. في ظل هذا الوضع برزت الحاجة إلى " تنوير" تنير العقول بالمعرفة والعلم المبسطين؛ يحذر من الانحرافات، يقترح الحلول التي يراها مناسبة، يطرح قضايا للبث فيها وجعل المجتمع يفكر بنفسه في ايجاد حلول والوصول إلى الحقيقة بنفسه... فحركة "تنوير" تقدم نفسها كقوة اقتراحية مبادرة وسلطة أخلاقية ورقابة مجتمعية على المكتسبات، وليست بديلا عن الأحزاب ولا مدى لها ولا رهينة لأجنداتها السياسية ولا داعمة لمعاركها. "تنوير" هي محاولة لتشكيل وعي مجتمعي بأهمية إشاعة قيم المواطنة ومبادئ حقوق الإنسان تتبلور في تيار مجتمعي ضاغط من أجل إرساء دعائم الدولة الديمقراطية وبناء المجتمع الحداثي. إن من أهم مسؤوليات حركة تنوير توعية الشعب بمسؤوليته في حماية مكتسباته وإخراجه من دائرة القصور إلى فسحة المبادرة، هذا بعد أن كشفت التجارب عن توجهات ونزعات مضادة لقيم الديمقراطية، تلح على استعادة مساوئ الماضي، وتكريس النكوص العقائدي والقيمي والفكري، وتواجه نزعة الفوضى و"السيبة" التي تتهدد كيان الدولة والمجتمع. وتعبئ الرأي العام من أجل الضغط على الحكومة حتى تحترم الأبعاد الانسانية والحقوقية والاجتماعية في توجهاتها وبرامجها، وتجعل مبادئ وقيم المواطنة ذات أولوية لسياستها العمومية. من هنا، تستحضر حركة تنوير مسؤوليتها تجاه الوطن.. ، لهذا لا تتطلع الحركة إلى الوصول للبرلمان والحصول أو الاستحواذ على المناصب، وليس من أساليبها التغيير من خارج النظام اقتناعا منها بسلاسة التغييرات التي عرفها المغرب ومازال يعرفها وكرسها دستور 2011 الذي يظل أرقى وثيقة دستورية أفرزها الربيع الديمقراطي. وفي هذا الإطار، تأخذ حركة "تنوير" على عاتقها دعم المشروع الحداثي المجتمعي والعمل على جمع شتات القوى الحية بمثقفيها، كدواء لداء المآسي التي قد تعيشها الشعوب. *رئيس حركة تنوير