تعزز المشهد الثقافي والجمعوي بمدينة الفقيه بن صالح، في الآونة الأخيرة، بإنشاء مركب ثقافي جديد، يهدف إلى توفير فضاء ملائم لتنظيم الأنشطة الثقافية والفنية والمسرحية، إلا أن بعض المهتمين بالعمل الجمعوي بالمدينة تضايقوا ممّا وصفوه ببسط رئيس المجلس البلدي يده على المرفق الثقافي، وخنق أنفاس العديد من جمعيات المجتمع المدني، وتدخله في كل كبيرة وصغيرة داخل المركب الذي صار مسيّرا من طرف مديريْن، إرضاءً لمحمد مبديع، رئيس بلدية الفقيه بن صالح. يونس تفاحي، المدير المالي لفرقة المنتدى لمسرح النون والفنون للفقيه بن صالح، استنكر منع مسرحيته "الزيرو" من العرض داخل المركب الثقافي، على الرغم من وضع طلب حول الموضوع منذ شهر نونبر الماضي، مشيرا إلى أن "مدير المرفق وافق على برمجة المسرحية، بينما محمد مبديع، رئيس المجلس البلدي، رفض العرض بحجج سياسية وانتخابوية". وأضاف المتحدث أن مبديع شكّل لجنة ثقافية داخل المركب الثقافي لتنوب عن المجلس البلدي، إلا أن الهدف الحقيقي منها يتمثل في التحكم في البرامج الفنية والجمعوية، باعتماد معايير سياسية للموافقة أو رفض العروض المسرحية والفنية، عملا ب"هؤلاء معنا وصوتوا لصالحنا في الانتخابات، سيستفيدون من المركب، وأولئك ضدنا ويسبوننا، فلن يلجوا الفضاء أبدا". وفي هذا السياق، أكد تفاحي، في تصريح لهسبريس، أنه طالب بردٍّ مكتوب حول قرار منع عرض المسرحية، إلا أن أعضاء اللجنة الثقافية طالبوه بربط الاتصال برئيس المجلس البلدي الذي أعطى أوامره بعدم السماح لفرقة المنتدى لمسرح النون والفنون بتقديم "الزيرو" داخل المركب الثقافي، مضيفا أن اللجنة أغلقت كل أبواب الحوار، والاقتصار على جواب "منّك للرئيس". وأوضح المتحدث أنه تواصل مع رئيس المجلس البلدي حول الملف، إذ قال محمد مبديع، بحسب تصريح تفاحي لجريدة هسبريس الإلكترونيّة، "واش باغي تتحاسب معايا؟ المركب درناه للناس ديال الفن والثقافة، ماشي للسب والشتم"، بينما أشار المدير المالي للفرقة إلى أن المسرحية لا تستهدف أشخاصا، بل تتطرق لمواضيع اجتماعية من قبيل التحرش الجنسي والرشوة... المتحدث ذاته أشار إلى أن "تداعيات المنع عرفت تضامنا محليا، قبل أن تتخذ، هذه الأيام، بعدا وطنيا ودوليا، بعدما أعلنت فرق مسرحية من الولاياتالمتحدةالأمريكية، وتونس، والجزائر...، تضامنها مع فرقة المنتدى لمسرح النون والفنون التي ستعرض المسرحية سواء داخل المركب الثقافي أو في الشارع العام، حتى يتأكد مشاهدوها أنها تعرض فقط واقعا مجتمعيا، بعيدا عن استهداف أشخاص بعينهم"، بحسب تفاحي. وعلى إثر إعلان فنانين ومسرحيين وجمعويين، مغاربة وأجانب، تضامنهم مع فرقة المنتدى التي نظّم أعضاؤها، والمتعاطفون معها، وقفة احتجاجية أمام مقر بلدية الفقيه بن صالح، أشار يونس تفاحي على أن المجلس البلدي وافق أخيرا على عرض مسرحية الزيرو داخل فضاء المركب الثقافي، غير أن الموافقة لا تزال شفهية، في انتظار الحصول على ردّ مكتوب حول الموضوع. من جهته، أشار محمد علي الريحاني، فاعل جمعوي بمدينة الفقيه بن صالح، إلى أنه "في الوقت الذي توفّرُ فيه المجالس الجماعية بنايات، وتسلمها إلى وزارة الثقافة من أجل تسييرها، في إطار مركبات ثقافية، خرجت مدينة الفقيه بن صالح عن المألوف؛ حيث ألحق محمد مبديع عددا من موظفي البلدية بالمركب الثقافي، وعيّن مديرا إداريا إلى جانب مدير فني تابع لوزارة الثقافة، ليصبح للمركب الثقافي مسيّران مختلفان، فيما المشرف الفعلي على المرفق هو محمد مبديع". الريحاني أكّد أن "جميع الأنشطة الجمعوية، وغير الجمعوية، التي يحتضنها المركب الثقافي لا تُنظّم دون التأشير الشخصي لمحمد مبديع؛ حيث سبق للمتحدث أن حاول سلك المسطرة الإدارية لتمكينه من الفضاء الثقافي من أجل تنظيم أحد الأنشطة داخله، قبل أن يبلّغ بضرورة التواصل مع رئيس البلدية شخصيا، وإن لم يتلق المسؤولون عن المرفق مكالمة هاتفية من محمد بديع، فلا يمكن تنظيم النشاط". وعن العمل الجمعوي بالفقيه بن صالح، أوضح محمد علي الريحاني أن محمد مبديع، رئيس بلدية الفقيه بن صالح، الذي يشغل في الوقت نفسه منصب وزير منتدب لدى رئيس الحكومة مكلف بالوظيفة العمومية وتحديث الإدارة، "يحرص على أن يكون مركزَ جميع المبادرات؛ حيث يفرض على الجمعيات برمجة كلمة له ضمن أنشطتها، مقابل موافقته للمنظمين باستغلال المركب الثقافي وقاعته الكبرى"، بحسب المتحدث. وأضاف الريحاني، في تصريح لهسبريس، أن "رئيس المجلس البلدي للفقيه بن صالح يعقد مجموعة من الاجتماعات واللقاءات التي تخص البلدية داخل فضاء المركب الثقافي؛ حيث يستغل تلك اللقاءات للتباهي أمام الحاضرين بنجاحه في إنشاء المرفق"، مشيرا، في سياق آخر، إلى أن مبديع يحرص على نعته بصفته الوزارية في جميع المواقف، حتى لو تعلق الأمر بممارسة اختصاصاته بصفته رئيسا لبلدية الفقيه بن صالح. أما عبد الحق جوهري، رئيس مجموعة الشعلة، وهو عازف سابق بمجموعة المشاهب، فأشار، في تصريح لهسبريس، إلى أنه تقدّم بطلب للمدير الفني للمركب الثقافي، شهر أكتوبر الماضي، من أجل تنظيم عرض غنائي، غير أن إصدار قطعة غنائية حول المشاريع التي لم تنجز بالفقيه بن صالح، ووضعية البنية التحتية وقطاع الرياضة بالمدينة، كانت سببا في حرمان مجموعته من استغلال المركب الثقافي إلى حدود الساعة. وأضاف المتحدث أن "جمعيات عديدة، سواء وطنية أو محلية، نظّمت أنشطتها داخل المركب الثقافي، في الوقت الذي حُرمت فيه مجموعته بسبب القطعة الغنائية التي أخذ محمد مبديع بناء عليها موقفا من مجموعة الشعلة، وقرّر غلق المركب في وجه الفرقة الغنائية، وعدم استدعائها إلى مهرجان ألف فرس وفرس"، مؤكدا أنه، مع اقتراب موعد المهرجان، راسل مختلف المسؤولين عن التظاهرة، ولم يتلق أي جواب إلى حدود الساعة، بحجة أن المجموعة مغضوب عليها من طرف محمد مبديع. وعن العمل الفني بالفقيه بن صالح، أوضح العازف السابق بمجموعة لمشاهب أن رئيس المجلس البلدي وأعوانه لا يتركون للمدير الفني للمركب الثقافي الفرصة لأداء واجباته؛ "حيث يضعون البرامج كما يحلوا لهم، خاصة بعد تعيين موظفين من البلدية لشغل منصب مدير إداري وكاتبة داخل دواليب المرفق، كما أن رئيس المجلس البلدي أنشأ جمعيات تابعة له لتنظيم مختلف التظاهرات الوطنية، في الوقت الذي تُلزم فيه باقي الجمعيات بالتوسل وترجّي مبديع للسماح لها باستغلال الفضاء"، بحسب جوهري. وأشار رئيس مجموعة الشعلة إلى أن تخليد عيد المرأة الماضي عرف حدثًا غريبا، تمثل في توزيع دعوات باسم رئيس المجلس البلدي، على الرغم من أن التظاهرة منظمة من طرف جمعيات المجتمع المدني. وختم جوهري تصريح لهسبريس بالقول: "جرت العادة أن يحضر الوزراء للأنشطة ذات المستوى العالي، ويستقبلون بشكل رسمي يليق بمنصبهم الوزاري، غير أن الوزير المنتدب لدى رئيس الحكومة المكلف بالوظيفة العمومية وتحديث الإدارة يحرص على حضور جميع الأنشطة الجمعوية، كيفما كان مستواها وقيمتها".