حج المئات من المغاربة من ساكنة مدينة مراكش وغيرهم –الاثنين الماضي- إلى مطار المنارة جليز بمراكش لاستقبال الشيخ الدكتور محمد المغراوي الذي كان أعلن في وقت سابق عن قرار رجوعه إلى المغرب. وقد ولًَد هذا الحدث عددا من التساؤلات: كيف نقرأ رجوعه في هذه الظرفية؟ ما هي الدوافع والأسباب؟ وهل كان ممنوعا من دخول المغرب؟ وإذا كان كذلك؛ فلماذا يسمح له الآن بالدخول؟ وقد ارتأينا اختصار المسافات والتوجه بهذه الأسئلة إلى المعني بالأمر مباشرة؛ فكان رده: "إن خروجي لم يكن بأمر من أحد، كما أن رجوعي لا يخضع لترخيص ولا يرتبط بإذن من جهة معينة، ولكنه قرار اتخذته انسجاما مع التحولات التي تجري في البلاد؛ والتي رأيت أنها مؤشر على إدبار عهد الاستبداد والشطط في استعمال السلطة ومصادرة الحقوق والحريات، وإقبال عهد يتوقع أن ترسخ فيه دعائم دولة الحق والقانون". إن استقبال هذا العدد الهائل من المغاربة للدكتور المغراوي يؤكد أن عادة المغاربة في الاحتفاء بعلمائهم لا تزال قائمة عند كثير من المواطنين الذين يعرفون للعالم العامل حقه، ويؤكدون استمرار الترابط بين العالم وأهل بلده، هذا الترابط الذي سعت السياسة العلمانية لفكه وإلغاءه، إمعانا في تجفيف منابع التدين، وتهميش العلماء الذين يدلون الناس عليه. ولقد كان للشيخ المغراوي حظ وافر من ضرر هذه السياسة الجهنمية؛ حيث عمل الإعلام العلماني على اختزال صورته في فقيه متخلف ظلامي يدعو إلى اغتصاب الطفولة!! وقد مهد استئصاليو السياسيين بهذه الضجة الإعلامية المفتعلة؛ لمصادرة حقه في ممارسة العمل الجمعوي الذي يكفله له القانون، بل صادروا هذا الحق من عشرات الجمعيات بذريعة ارتباطها بالمغراوي وفكره. ولاشك أن هذه ممارسة تعسفية تخرق القانون والديمقراطية خرقا سافرا .. ومثل هذا الاستبداد الذي توظف فيه السياسة والإعلام، يقتضي منا أن نبين الحقيقة تنويرا للرأي العام، وكشفا لأكاذيب وتلاعب المستبدين، من منطلق تحملنا لرسالة الصحافة المسؤولة واطلاعنا على تفاصيل القضية: إن الشيخ المغراوي عالم فاضل من علماء المغرب، له الأيادي البيضاء على هذا البلد بما قدم من خدمات إصلاحية من خلال ترسيخ الدعوة إلى القرآن والسنة، باعتبارهما مصدرا الهداية للتي هي أقوم في كل مناحي الحياة؛ مصداقا لقول النبي صلى الله عليه وسلم: "لقد تركت فيكم ما إن تمسكتم به لا تضلوا بعده أبدا: كتاب الله وسنتي" [رواه الإمام مالك في الموطأ] والجمعية التي أسسها منذ عام 1976 شاهد على ما نقول، من خلال ما أنتجته من قراء وعلماء ودعاة ومصلحين يعدون بالمئات. وقد بين الشيخ المغراوي في مناسبات عديدة أن كلامه عن زواج الصغيرة كان في سياق تفسير نظري لآية من القرآن الحكيم، ولا علاقة له بالفتوى التي تلامس الواقع العملي للناس؛ فإن هذه الأخيرة تحتاج إلى تكييف فقهي تراعى فيه الأحوال والملابسات، وهذا مما يدخل في مسألة تغير الفتوى بتغير الحال. ولقد كان هذا التوضيح كافيا لمن أراد الإنصاف، لكن يبدو أن بعض المتنفذين لا يزالون يشكلون عقبة أمام نجاح تجربة الإنصاف والمصالحة .. وهكذا لم يتم إنصاف الشيخ المغراوي، ولم يتم إنصاف جمعيته القرآنية. وهذا يضطرنا للتساؤل: هب أن الشيخ أخطأ، فلماذا يعامل هذه المعاملة دون سائر من يغتصب الطفولة فعلا؟! لماذا يتم التكتم على ذوي الجاه والثروات الذين استفاضت أخبارهم باغتصاب القاصرات وسوقهن من مقاعد الفصول الدراسية إلى أوكار الدعارة؛ من مراقص وإقامات وفنادق؟؟ والسلطات تعرفها جيدا، لكن لا تعامل مجرميها كما تم التعامل مع الشيخ المغراوي من طرف الذين يشكلون غطاء لأولئك المجرمين كي لا تطالهم يد القانون .. ومن جهة أخرى؛ وفي حال خطأ المغراوي؛ ما ذنب دور القرآن التي تؤطرها جمعيته؟ (طاحت الصمعة علقو الحجام) بل ما ذنب دور القرآن التابعة لجمعيات أخرى في مختلف مدن المملكة؟ لقد كان الجواب أقبح من الزلة: ارتباطها بفكر المغراوي السلفي!!! يا للعجب! متى كانت السلفية تهمة؟؟ أليست السلفية هي التي قادت حركة الإصلاح والتنوير بالمغرب في القرن الثامن عشر؟ ولولا اصطدامها بجمود متعصبي الفقهاء وخمول متقاعسي الصوفية لكان للمغرب شأن آخر. أليست السلفية هي من كسرت صخرة الجمود والتعصب المذهبي، ودعت إلى فتح باب الاجتهاد على يد العلامة عبد الله السنوسي والعلامة بوشعيب الدكالي وغيرهما؟ أليست السلفية هي التي وضعت نواة مقاومة المستعمر على يد العلامة الوطني شيخ الإسلام محمد بن العربي العلوي؟ أليست السلفية هي التي قال فيها العلامة عبد الله كنون:"وعملنا على بث الفكرة السلفية ودعمها، والتمهيد لها بين الطبقات الشعبية التي طالما استغل سذاجتها المستغلون، فموهوا عليها بالترهات والأباطيل". [مجلة الدراسات الإسلامية الكويتية. (عدد:17، ص:205)]. أليس من الحيف والعمالة أن نحارب السلفية لمجرد أن الخارجية الأمريكية أمرت بذلك؟ كيف سنحقق استقلاليتنا وحريتنا إذا كانت طريقة تديننا تفرض علينا من طرف الغرب؟! هل الغرب أراد بنا الخير حين وجهنا إلى احتضان الصوفية ومحاربة السلفية؟! وأين هي الديمقراطية المزعومة في ظل مثل هذه الممارسات؟ أليس من مسلمات الديموقراطية أن الإنسان لا يحارب بسبب آرائه وأفكاره، وأن الآراء والقناعات لا تواجه بالقوة المادية أو الشطط في استعمال السلطة، وإنما بالرد الفكري والحوار المتواصل. إن على السياسيين والسلطات أن يعلموا بأن الحرية قبل أن تكون أشكالا سياسية ونصوصا دستورية، هي أولا وقبل كل شيء: خروج كل فرد منا عن أنانيته وأفقه الضيق ومغادرة تلك الأفكار الأحادية والإقصائية والاستغنائية ... وليت شعري؛ كيف ينادى بحرية الشواذ جنسيا، والملاحدة وسائر المفسدين، وتصادر حرية السلفيين؟ إن مثل هذا الإقصاء والاستبداد لا مكان له في مغرب ما بعد 9 مارس، والذين يسعون لإجهاض ثورة الملك والشعب يلعبون بالنار ..