لأول مرة في تاريخ العلاقات الخليجية المغربية تنعقد قمة تجمع دول مجلس التعاون الخليجي بالمملكة المغربية، بشكل خاص، وباسم يطلق لأول مرة، خلافا للتسميات التي ألفناها حتى مللناها مثل "القمة العربية"... وغيرها من المؤتمرات المُزركشةِ أشكالها الفارغةِ مضامينها. لكن هذه المرة يختلف الأمر كثيرا-على الأقل في نظري- فمما لفت انتباهي أن هذه القمة أعطت للمغرب مكانة استثنائية انطلاقا من عنوانها مرورها بعدد الدول الحاضرة وصولا إلى مضمونها، وفيما يلي من السطور سأحاول سرد أهم النقط التي ميزت هذه القمة. قد لا أبالغ إن قلت أننا مقبلين على منعطفات تاريخية في مستقبل العلاقات الخليجية/المغربية/الأمريكية ويبدو لي أن هذه النقط هي أهم ما حملته هذه القمة وستكون كلها عبارة عن جواب لسؤال : لماذا القمة الخليجية المغربية ؟ 1-الإتحاد هو الأصل والشتات ضعف لأن العالم العربي عرف ويعرف تحولات كبيرة في ظل تحالفات إقليمية ودولية قد تدفع إلى إعادة رسم خرائط عدة دول في الشرق الأوسط، والحبل على الجرار، مما يستدعي وحدة الصف وأعلى مستويات التنسيق الأمني والعسكري والعلمي.. وعدم الشتات، لأن ما أهلك هذه الأمة إلا الشتات ونبذ الإتحاد، عكس الإتحاد الأوربي مثلا الذي توحد واتحد رغم أنه لا يملك ما يملكه العالم العربي من مقومات الوحدة والقواسم المشتركة كوحدة اللغة والتاريخ والدين والأهداف... 2- العدو مشترك لأن المخاطر المشترك التي تهدد الخليج والمغرب قائمة، كالنزعات الطائفية، والإرهاب الذي يصبح أحيانا من صنع العدو كي يستغله كذريعة للتدخل والتصرف في الدول المستهدفة، وهنا أشبه الأمر بقبيلة عصية على تدخل العدو، عندما استنفد طرق الانقضاض عليها ويئس، استعمل عناصر من بني جلدتها كي يقوموا بأعمال إرهابية تتيح تدخل ذاك العدو المتربص باسم محاربة الإرهاب، هذه حيلة قديمة قدم التاريخ الفرق فقط أن الأعداء كانوا ينسقون مع خونة داخل الوطن بطرق تقليدية أما اليوم فأصبح العملة الرائجة هي الإرهاب، والتنسيق مع الخونة عن طريق الإرهاب أصبح ماركة مسجلة لما تزال فعالة ومضمونة النجاح. ناهيك عن تعاظم دور إيران في المنطقة، وتضاعف قوتها بشكل لاتخطئه العين، وليس من شك أنها تشكل تهديدا حقيقا لبعض دول الخليج، تهديد سياسي وأمني وعقائدي.. وهذه الملاحظة ليست طائفية أبدا بل واقعية وموضوعية. 3- الثقة في سياسة الولاياتالمتحدةالأمريكية.. تستوجب إعادة النظر لأن سياسة الولاياتالمتحدة إزاء الخليج والمغرب اتسمت في الآونة الأخيرة بشيء من النفاق الواضح، والكيد المُبطّن، أصلا لاريب أن فلسفتها نفعية تتبنى دبلوماسية براكماتية ذات نفحة مصلحية لا يأمن مكرها سوى غبي أو دوغمائي، وقد لا يكون من العبث أن نصفها اختصارا بالمصلحية المفرطة والمتقلبة بهدوء ناعم، حيث لا يختلف اثنان حول كون أمريكا ليس لها صديق دائم ولا عدو أبدي، بل كل ما يصب في مصلحتها تتبعه دون الالتفات لشيء آخر، ولا أحد يستطيع لومها على هذه السياسة لأنها نهج عقلاني اثبت فعاليته في الواقع السياسي المعاصر. ولعل من أبرز معالم هذه السياسة أنها كانت بالأمس تصنف إيران ضمن دول "محور الشر" وتعتبرها من ألد أعدائها وأعداء حليفتها إسرائيل في المنطقة، ووعدت بمحاربة برنامجها النووي و...، لكن اليوم عقدت معها اتفاق في جنيف وطوي ملف النووي، بل وأصبحت بين عشية وضحاها حليف استراتيجي نظرا لكون الجمهورية الإسلامية فاعل اقليمي لا يشكل خطرا على أمن اسرائيل والخليج، وهي رقم أثبت قوته وفعاليته في المنطقة (سوريا،العراق،اليمن) فاستدعى ذلك: التنسيق المشترك لمحاربة الإرهاب والدعوة لمفاوضات الملف السوري.. وهكذا استوعب الشيطان الأكبر (هكذا كانت تسمي إيران usa) أنه لا غنى عن إيران القوية اليوم، وفي نفس الوقت تلتزم بحماية دول الخليج التي لا تربطها علاقات طيبة مع إيران بل تربطهما حروب ميدانية بالوكالة في الدول المجاورة، وفي الأخير نستوعب أن الولاياتالمتحدة محبوبة الجميع الناجحة دبلوماسيا وميدانيا ولا وجود لعداوة حقيقة متجدرة إلا بين المسلمين فيما بينهم (خصوصا سنة/شيعة). وليس بالبعيد ولا المستحيل أن يكون لهذه الدولة العظمى يد في ملف الصحراء، وربما عبر الأممالمتحدة نفسها المتواجد مقرها بنيويورك (مجرد فرضية فربما ليس من مصلحتها فض النزاعات وبناء الاتحادات) لنكتشف يوما ما، بفضل تسريب ما، أن هذه الفرضية قابلة للتحقق وأن لأمريكا علاقات جد متميزة مع جبهة البوليساريو وفي نفس الوقت لها علاقات جد طيبة مع المملكة المغربية، فهي في آخر المطاف ناجحة دبلوماسيا، العيب في الدول التي تثق في العلاقات الدولية ثقة رومانسية وليست عقلانية. [email protected]