بعد فترة ترقب مقرونة بالأزمة بين المغرب وبان كي مون بسبب تصريحاته وتصرفاته المنحازة وغير المسؤولة خلال زيارته إلى مخيمات تندوف والجزائر في مارس 2016، قدم الأمين العام تقريره إلى أعضاء مجلس الأمن، و هو عبارة عن وثيقة تلخيصية لأهم الأحداث التي شهدتها الصحراء منذ صدور القرار 2218 في أبريل 2015. بشكل إجمالي، فإن هذا التقرير لا يخلو من إشارات تعكس انحياز الأمين العام لأطروحة خصوم المغرب، لكن، في الوقت نفسه، فإنه يدرك حساسية التقرير الموجه إلى مجلس الأمن، الذي هو في نهاية المطاف المقرر النهائي. لذلك يمكن القول إن صيغة هذا التقرير ليست كما أشار إلى ذلك البعض كلها معادية للمغرب، وليست كلها موالية لمواقفنا. فهي تضمنت أشياء نشاطرها، وأخرى ينبغي التصدي لها بالصرامة اللازمة لتصحيح مسارها. عناصر إيجابية: حاول الأمين العام أن يبدي حياده من خلال التعبير عن أسفه (Regret) لما خلّفته تصريحاته من ردود فعل في المغرب، ولم يصل إلى حد التعبير عن اعتذاره للمغاربة عن انزلاقاته. رغم ذلك، يظهر، بشكل واضح، أن الرد الحاسم للمغرب بكل أطيافه قد ترك تأثيره على الأمين العام. خلا التقرير من أية إشارة إلى إحداث آلية مستقلة لحماية حقوق الإنسان، كما ظل خصوم المغرب يصدحون بذلك في محاولة لتحويل الأنظار عن حقيقة الوضع في الصحراء. في هذا الإطار، اكتفى التقرير بالإشارة إلى ضرورة التعاون مع أجهزة الأممالمتحدة المعنية بحقوق الإنسان؛ ومن أبرزها المفوضية السامية لحقوق الإنسان. وهو أمر ينخرط فيه المغرب بعمق، اعتبارا لقناعته بحيوية حقوق الإنسان في بناء المشروع الديمقراطي الحداثي في كل التراب المغربي، واعتبارا لكونه أحدث آليته الوطنية المشهود لها بالمصداقية؛ وهي المجلس الوطني لحقوق الإنسان، حيث تقوم لجنتاه الجهويتان في العيون والداخلة بدور محمود في هذا الإطار. فضلا عن ذلك، ظلت وستظل أبواب المغرب مفتوحة للمقررين الخاصين الأمميين الذين يقدمون تقارير يتفاعل معها المغرب، سواء في ايجابياتها أو شوائبها، وذلك لتحسين ممارسات حقوق الإنسان كخيار لا رجعة فيه. أشار التقرير إلى ضرورة انخراط موريتانياوالجزائر أكثر في مسلسل المفاوضات المتعلق بالصحراء، والذي لم يشهد تقدما ملموسا بفعل رفض الجزائر الانخراط فيه بشكل ايجابي. وهو تحليل، دون أن يذهب بعيدا، يشاطر الموقف المغربي الذي ظل يعتبر أن النزاع في الصحراء ليس مسألة مرتبطة بتصفية الاستعمار، وإنما هو نزاع مغربي جزائري. والجزائر لا يمكن لها أن تبقى في وضعية الدولة المهتمة، بل عليها أن تتحمل مسؤوليتها باعتبارها دولة معنية تغذي الصراع لكونها تأوي فوق أراضيها حركة البوليساريو المناوئة للمغرب. لكن هذا الموقف لا يشاطره المسؤولون الجزائريون. فقد أشار التقرير إلى رفض الرئيس الجزائري ووزيره في الخارجية لكل تغيير؛ فهم يفضلون البقاء في وضعية إلحاق الضرر بمصالح شعوب المنطقة المغاربية، والسعي إلى الهيمنة وإضعاف المغرب، كما يظهر ذلك جليا من خلال الاستمرار في إغلاق الحدود البرية مع المغرب بشكل ينسف كل محاولة لتتفاعل الشعوب وبناء الاتحاد المغاربي. قضايا خلافية: واصل الأمين العام دعوة الأطراف إلى مفاوضات جدية بدون شروط مسبقة تسمح للشعب الصحراوي بتقرير مصيره. هذا الكلام المنحاز يستدعي الملاحظات التالية: أولا: يشاطر المغرب بشكل كلي ضرورة البحث عن تسوية متفاوض حولها ومقبولة من الأطراف. فهي في صلب روح الفصل السادس التي تؤطر قرارات مجلس الأمن. وفي هذا السياق، مافتئ يقدم الاقتراحات والتنازلات من أجل إنجاح هذا المسلسل التفاوضي، لأنه يدرك ثمن استمرار هذا النزاع المفتعل على مستقبل ومصالح شعوب المنطقة . ثانيا: إن التفاوض لا يعني ربح الوقت فقط من أحل تمديد أجل النزاع، بل إن كل تفاوض جدي ينبغي أن يرتكز على أرضية. وفي ضوء استحالة تنظيم الاستفتاء كما أقرت بذلك الأممالمتحدة من خلال مبعوثيها السابقين وقراراتها، فقد قدم المغرب مبادرة الحكم الذاتي، وهي التي وصفت في قرارات مجلس الأمن بالجدية وذات المصداقية. لذلك، فإن المغرب يعتبرها بمثابة الأرضية التي ينبغي أن تدور حولها المفاوضات. فخصوم الوحدة الترابية لا يملكون مقترحا آخر باستثناء المطالبة بالاستفتاء. ومن حق المغرب أن يعتبر هذا المشروع بمثابة السقف الأقصى لحل ممكن، كما أكد على ذلك جلالة الملك محمد السادس خلال خطابه بمناسبة الذكرى الأربعين للمسيرة الخضراء. ثالثا: أشار الأمين العام في تقريره إلى أن المغرب، بواسطة الكاتب العام الوزير المنتدب حاليا، اقترح تبادل وجهات النظر حول محتوى تقرير المصير. فهذا المفهوم ليس، كما يردد ذلك خصوم الوحدة الترابية، مرادفا أتوماتيكيا للاستقلال والانفصال، بل علينا أن نكون واضحين؛ فالمغرب ليس مبدئيا ضد تقرير المصير، لكنه ضد فكرة تقرير المصير التي تربط هذه المسالة ميكانيكيا بالانفصال. فتقرير المصير مفهوم دينامي ينبغي أن يقرأ اليوم في ظل معطيات متعددة من بينها: تقرير المصير لا يمكن أن ينظر إليه بصيغة قانونية محضة. فهو في العمق مفهوم سياسي ذو حمولة مركبة، ينبغي أن يكون تتويجا لمسار سياسي يستهدف الوصول إلى تسويات سياسية معقولة ومتوازنة. النزعة نحو الانفصال لا ينبغي أن تحجب متطلبا لا يقل حيوية وأهمية؛ وهو المحافظة على الوحدة الترابية للدول، وذلك ما يؤكد عليه القرار 1514 للجمعية العامة الذي يعتبر مؤسسا قانونيا لتقرير المصير. تقرير المصير لا ينبغي أن يكون مولدا للقلاقل والاضطرابات وخلق مزيد من الانشطار والتمزق بالنسبة للدول، كما تبين ذلك حالات الدول التي نشأت مؤخرا نتيجة استفتاءات غير معقلنة، كما هو الأمر، مثلا، في جنوب السودان. يمكن أن يكون تقرير المصير متضمنا في صيغة تمكن السكان من التمتع بشكل واسع وفعلي بحقوق الإنسان، والاستفادة من الثروات بشكل عادل عبر نظام للحكامة يضمن، بالأساس، الاستقرار والتمنية والعدالة الاجتماعية عبر محاربة كل أشكال الريع. وهذا التصور هو الذي تضمنته مبادرة الحكم الذاتي التي تمثل تركيبة ذكية لمبدئي الاستقلال واحترام الوحدة الترابية التي تتضمن في صلبها استفتاء للسكان يكون بمثابة تتويج لمسلسل تفاوضي مقبول من الأطراف. في هذا السياق، أعتقد أن مجلس الأمن ينبغي أن يطور موقفه من مبادرة الحكم الذاتي. فبعد قرابة عشر سنوات من تقديم هذه المبادرة، سيكون مفيدا، ولصالح البحث عن تسوية نهائية، أن يتضمن قرار مجلس الأمن المقبل إشارة إلى اعتبار هذه المبادرة أرضية للتفاوض حتى يلزم الخصوم بالدخول في صلبها، والانخراط في سياقاتها والآفاق التي تطرحها. يمثل تقييم وضعية المينورسو الحلقة الخلافية والشائكة في التقرير. ففي عز الأزمة مع الأمين العام، أقدم المغرب على طرد المكون المدني للبعثة الأممية اعتبارا لأنه لم تعد حاجة إليه بفعل انتفاء تنظيم الاستفتاء في الصحراء لاعتبارات موضوعية. تقرير الأمين العام لا يشاطر هذا الطرح لما يتضمن، بحسب رأيه، من تداعيات على الاستقرار وعلى المخاطر التي قد تنجم عن تعثر البعثة عن القيام بكافة مهامها، وخاصة ما يتعلق بتنامي الحركات المتطرفة. من المؤكد أن الأمين العام، وهو يوصي مجلس الأمن بالتمديد لبعثة المينورسو لمدة سنة، يشير، ضمنيا، إلى ضرورة عودة المكون المدني. وهو أمر يرفضه المغرب، إلى حد الساعة، ارتكازا على منطقه الذي يؤمن بلا جدوى وجود هذا المكون ضمن البعثة. ولا شك أن هذه النقطة ستثير الجدل بين مكونات مجلس الأمن، وخاصة أصدقاء الصحراء. وفي حالة ما إذا تشبثت الدبلوماسية المغربية بموقفها، فعليها أن تناضل بقوة من أجل الإقناع بصواب هذا الموقف، ومن ثم يبقى السؤال معلقا حول الكيفية التي سيقارب بها مجلس الأمن هذه النقطة خلال مناقشته للقرار الذي سيقيم تقرير الأمين العام وسيمدد لبعثة المينورسو، ولكن بأية صيغة ؟ فسيكون انتصارا واضحا لو أن مجلس الأمن ساير المنطق المغربي حول هذه المسالة. المسألة الأخيرة تتعلق بإحصاء اللاجئين، أو من نعتبرهم نحن محتجزين في تندوف. فعلى هذا المستوى، لم يرد الأمين العام إحراج الجزائر؛ إذ اكتفى بالإشارة إلى تسجيل، وليس إحصاء، ساكنة تندوف. وبالنسبة لنا، فإن مجلس الأمن، أمام المأساة التي يعيشها الصحراويون في المخيمات والتجاوزات والانتهاكات التي سجلت في ما يتعلق باستعمال المساعدات والارتباطات المشبوهة بالحركات الإرهابية، عليه أن يكون أكثر حسما بالمطالبة بضرورة إحصاء السكان الصحراويين في المخيمات في صلب القرار، وليس فقط ضمن الحيثيات كما فعل إلى حد الساعة. بصفة عامة، وبصرف النظر عن الميولات الشخصية والانحيازية للأمين العام الذي سيصبح في خبر كان في نهاية السنة، فإن هذا التقرير لا يمكن اعتباره معاديا كليا لمصالح المغرب. فهو يتضمن إشارات وتقييمات لا تلائم تصورنا لقضية الصحراء على الدبلوماسية المغربية أن ستسعى إلى تصحيحها من خلال إقناع مجلس الأمن الذي يقع عليه عبء تقييم استنتاجات وخلاصات تقرير الأمين العام، وبالتالي إصدار قرار جديد يحدد التوجهات الأساسية في هذا الملف، خاصة ما يتعلق بوضعية المينورسو التي ستمدد مهمتها لسنة إضافية، ولكن بأية صيغة؟