تعددت وتنوعت الأشكال الاحتجاجية التي خاضها شباب الفيسبوك والهدف واحد مواجهة قرار منع خدمة VOIP الذي اتخذه الثلاثي المحتكر للاتصالات بالمغرب دون سابق إنذار ودون أي احترام للمستهلك. وصلت هذه الاحتجاجات إلى حد المطالبة بمقاطعة الشركات المذكورة واتخاذ إجراءات تصعيدية للضغط عليها لوقف الحجب الذي بررته الوكالة الوطنية لتقنين المواصلات بقرار عدد (04-04) الذي كانت قد اصدرته سنة 2004 . لن اتطرق إلى تفاصيل قانونية القرار من عدمه، وأترك الأمر لأهل الاختصاص، إلا أنه لا يمكن التغاضي عن التناقض الصارخ الذي سقطت فيه هذه الشركات والمؤسسة العمومية التي تساير سرعة التقدم والتطور التكنولوجي بأثر رجعي بفارق زمني لا يقل عن عقد من الزمن، حيث تم اعتماد قانون كانت الشركات الثلاثة هي السباقة لخرقه مع سبق الإصرار و الترصد طيلة 12 سنة مضت، عندما كانت تبدع في أشكال متنوعة من الإعلانات بهدف جلب أكبر عدد من الزبناء، أعطي مثالا هنا بدون تعليق لأحدى الوصلات الإشهارية المغرية التي طالما تكررت على مسامعنا عبر الإذاعة والتلفزيون "مع انترنيت عيط وهدر بلا ما تحسب". لا شك أن للفاعلين الثلاثة في قطاع الاتصالات بالمغرب دورا مهما من الناحية الاقتصادية، إذ يمكن اعتبار هذا الأخير من أبرز القطاعات الداعمة لموارد الدولة من جهة، حيث بلغت إيراداتها فقط من اتصالات المغرب التي تملك نسبة 30% من أسهمها، بين 2001 و2015 ما مجموعه 163 مليار درهم (32 مليار كأرباح، 40,4 مليار كعائدات الخوصصة، و90,6 مليار من الضرائب) والاقتصاد الوطني من جهة أخرى حيث يساهم بنسبة 2,4% في الناتج المحلي الإجمالي ويشكل مصدرا مهما للتشغيل المباشر وغير المباشر. بالإضافة إلى الدور الجيو-اقتصادي التي تلعبه اتصالات المغرب بحضورها بتسع دول إفريقية في إطار سياسة التعاون جنوب- جنوب التي تنهجها المملكة بإفريقيا. لكن أن يتم استغلال هذا الموقع للضغط على الدولة كلما اقتضت مصلحتهم ذلك، ضاربين بعرض الحائط مصلحة المستهلك والمصلحة العامة فهذا أمر غير مقبول وينبغي التصدي له. إذ أنه لو اقتصر الأمر فقط على تضرر المستخدمين لهذه الخدمة وحرمانهم من اﻻستفادة من حرية الويب كما هي متعارف عليها في اﻷمم الديمقراطية المتقدمة لكنا كمواطنين ومجتمع مدني لجأنا إلى القضاء لاسترجاع حقوقنا، لكنه يتجاوز ذلك إلى ما هو أخطر: لأن تقييد الحرية في استعمال تكنولوجيا الاتصال والمعلومات هو تقييد للعقل وقتل لروح الابداع والابتكار اللذان يعتبران من اهم مقومات التنمية ولاسيما تلك التي تتعلق بالاقتصاد الرقم يفيظ لعالم شديد المنافسة. لذا فإنني - بصفتي متتبعا للشأن الاقتصادي - فإنني أود - من خلال هذا المقال - أن أنبه إلى خطورة الموضوع، موجها ندائي إلى الشرفاء من الفاعلين السياسيين، الذين لا خوف عليهم من أن تشترى ذممهم من لدن لوبي الاتصالات، وإنما من أن ينخدعوا بالتقارير والتبريرات التي تقدمها هذه الشركات للدفاع عن قرارها بمعطيات وأرقام مهما بلغت أهميتها فإنها لا تعدو أن تكون مجرد ذر الرماد في عيون من يهمهم الأمر لإخفاء عجزها عن مسايرة التطورات التي يعرفها السوق، الشيء الذي نجحت فيه نظيراتها في إسبانيا (Telefonica) وفرنسا (Orange) بابتكارها تطبيقات منافسة لتلك الخدمات عوض حظرها. في الوقت الذي تستعد فيه الدول المتقدمة للاستفادة من الثورة الصناعية الرابعة Industry 4.0 التي بدأت علاماتها تلوح في الافق) إنترنت الأشياء، الذكاء الاصطناعي، البيانات الضخمة، تكنولوجيا النانو، المدن الذكية، الإنسان الآلي (... لا زلنا نحن في المغرب وفي بعض الدول العربية نناقش موضوع منع تطبيقات” الواتساب” و”فايبر” و”سكايب ” من طرف شركات الاتصال التي من المفروض أن تلعب دورا محوريا في هذا التحول نحو اقتصاد جديد ونهضةمعلوماتية غير مسبوقة. نعم مرت ثلاث ثورات صناعية غيرت العالم على مدى القرون الثلاثة الأخيرة، ولم يكن في وسع المغرب ولا الدول العربية عموما الاستفادة منها اقتصاديا واجتماعيا، الآن ونحن على مشارف ثورة صناعية جديدة قائمة على الاقتصاد الرقمي Digital Economy والمعرفة يجب علينا استغلال الفرصة وتجنب السقوط في فخ التبعية ولو جزئيا هذه المرة، خصوصا وأننا أمام نموذج اقتصادي يتجاوز في حجمه ونوعيته وآثاره ما سبقته من نماذج، نموذج لا يتطلب لا موارد طبيعية ولا رؤوس أموال ولا محسوبية ولا زبونية ولا أي عامل من العوامل المعيقة للاستثمار والانتاج في المغرب، انما هو نموذج تشكل المعرفة جوهره والقوة المحركة الرئيسية له، تكون الأفكار المبدعة منتجاته والمعلومة مواده الأولية والعقل البشري أداته. لبلدنا إمكانيات ولشبابنا مؤهلات (جيل الانترنت)، يجب علينا تشجيعها واستثمارها عبر وضع رؤية واضحة واستراتيجية وطنية تجمع بين خطة لتشجيع الإبداع والابتكار من جهة، وخطة لتسريع التحول الرقمي من جهة أخرى، لبناء نموذج اقتصادي تنموي يمكننا من الخروج من أزمة الركود والارتهان إلى المطر وتحويلات المغاربة المقيمين بالخارج، وأسعار النفط، والإعانات الخليجية، وعدد السياح… الاقتصاد الرقمي هو فرصتنا الوحيدة -وربما الأخيرة رجاءً لا تحرمونا اياها !