في قضايا الهجرة إلى الخارج، تختلف قصص النصب والاحتيال على المغاربة من طرف شبكات، أفرادها شخصيات معروفة من طرف الضحايا، لكنها مجهولة أمام القانون، ﻷنها لا تترك وراءها أي دليل. وفي غياب أي قانون يجرم بشكل مباشر النصب بإسم "الزواج الأبيض" والذي يعتبر نوعاً من جرائم الاتجار بالبشر، حسب محامٍ مغربي، وعدم توفر أي دراسة ترصد بالأرقام والمواقع الجغرافية حركية هذه الشبكات، يستمر نزيف الضحايا دون توقف. نصب واحتيال فاطمة مشكور، ابنة فاس وإحدى ضحايا شبكات النصب في مدينة سلا، تحكي روايتها لهسبريس، التي بدأت بزواجها الأول والعادي برجل لبناني، مضيفة: "رغم أن لي معه ثلاثة أبناء إلا أننا ظرفا قاهرة خاصة دفعتنا أجبرتنا على الاتفاق بالفراق لمصلحتهم بعدما هاجروا من لبنان إلى كندا، لأعود بعدها أنا إلى المغرب، وهنا بدأت حلقات مسلسل مثير لم ينته بعد ولم أكن أتوقعه". وتضيف فاطمة أن روح الأمومة ورؤيتها لأبناءها وهم يتسلقون درجات النجاح في الدراسة دفعتها إلى التفكير في الالتحاق بهم هناك في كندا. "للأسف كان لا بد من طريقة لدخول البلد، الذي يعتمد قوانين صارمة من أجل ذلك، فكان الحل الوحيد هو زواج أبيض لأدخل التراب الأوربي، ثم الحصول على بطاقة إقامة، وبعدها الجنسية الأوروبية التي تساعدني على الإقامة في كندا بسهولة"، تقول فاطمة. في 2009، بعد التعرف على مهاجر مغربي مقيم في مدينة "فيرفيي" البلجيكية، تضيف فاطمة، "اتفقنا على منح والدته القاطنة بسلا مبلغ 15 مليون سنتيم، على دفعتَين، بهدف الزواج بابنها الثاني الذي يقيم أيضا في بلجيكا، فتم عقد الزواج بحضوره وترجمة الوثائق ثم عاد إلى أوروبا لتحصيل الفيزا، قبل أن أفاجأ برفض طلبه بمبرر أنه عاطل عن العمل"، تقول الضحية. مخطط الأسرة في النصب، حسب فاطمة، سيستمر بطلب إرسال بقية المبلغ المتفق عليه.."أقنعوني بأن المبلغ سيتيح كراء منزل في بلجيكا لتسهيل إعادة طلب الفيزا"، تقول فاطمة، فيما أوردت أنها فوجئت للمرة الثانية بعودة "الزوج الأبيض" إلى المغرب، قائلة: "هناك بدأت خطّتهم الثانية، إذ طلبت مني الأم تفعيل زواج حقيقي مع ابنها للذهاب إلى بلجيكا، فتم ذلك بحسن نية، لأن هدفي كان هو الوصول إلى أبنائي في كندا"، مضيفة أنها تعرضت للاستغلال وهي في بيت الزوجية، وقالت: "الزوج لم يكن يعمل وأنا التي تكلفت بمصاريف المنزل". "اكتشفت بعد ذلك استحالة عودة الزوج المغربي إلى بلجيكا ﻷنه مطلوب للعدالة بحكم أن الشركة التي كان يحوزها رفقة أخيه أفلست وبلغت ديونها 200 ألف أورو"، تتابع فاطمة حديثها لهسبريس، مضيفة: "وجدت نفسي محاطة بنصب واحتيال وأن حلمي تبخر، فمبلغ 15 مليون سنتيم وحلم الهجرة إلى أوروبا باتا من الماضي، زد على ذلك أني كنت في فترة حمل من الزوج الأبيض، إذ أنجبت ابنة هي الآن في سنتها الرابعة". وتستكمل قصة النصب والاحتيال مع فاطمة شكور حين طلبت منها والدة "زوجها الأبيض" يوماً مبلغ 35 مليون سنتيم، "بداعي أن ابنها الثاني في بلجيكا يحتاجه لسداد ديونه مقابل عدم اعتقاله" ف"أعطيتهم المبلغ بحسن نية ودون أن أراجع نفسي مقابل شيك، لأصدم بأنه مزور، وما إن قررت متابعتهم قضائيا حتى طلبت مني الأم التنازل مقابل تسهيل الحصول على الفيزا واسترداد مبلغ 35 مليون في دفعات شهرية"، تقول فاطمة. وتطول قصة الاحتيال على فاطمة، التي قالت إنها تنازلت عن المتابعة القضائية في حق العائلة ذاتها مقابل وضعها طلب الفيزا في السفارة، والذي رفض بعدها، لتقول: "عدت إلى بيت عائلتي بعدما تبخر كل شيء، الفيزا و50 مليونا وحلم الالتحاق بأبنائي في كندا.. طلبت الطلاق وقررت المحكمة النفقة لصالحي وابنتي.. وبعد أن فتحتُ مشروعا للعمل أصبحت الهجرة إلى كندا يسيرة بالنسبة إليّ، لكن العقبة هي الحصول على موافقة "الزوج الأبيض" المطلق لاصطحاب ابنتي، إذ رفض الطلب وابتزني بالتنازل عن النفقة ومنحه 6 ملايين سنتيم". وفيما استقرت قصة فاطمة، هذه الأيام، على هذا السيناريو الذي لا تحمل معه سوى دليل واحد هو الشيك المزور، قالت فاطمة: "أناشد المسؤولين في المغرب، وعلى رأسهم جلالة الملك، لإنصافي من عائلة تحتال وتنصب على المغاربة أمام أنظار الجميع". فراغ قانوني حسن حلحول، المحامي في هيئة الرباط، اعتبر أن النصب والاحتيال في قضايا الهجرة باستغلال المغربيات في "الزواج الأبيض" مندرج ضمن جرائم الاتجار بالبشر، مشددا على أن من وصفها ب"العصابات" "لا تقتصر فقط على نصابين مغاربة، بل أيضا في أوروبا، يتحصلون على مبالغ مالية باهظة، لتكتشف الضحية أنه جرى النصب عليها ما يجعلها عرضة للاستغلال أو الطرد من البلد الأوربي بعد عبورها إليه". ويضيف حلحول: "في حالة كون المرأة هي الضحية، فإن مبررات رغبتها في الهجرة تبقى الحصول على العمل لتحسين وضعيتها المادية، أو لشأن عائلي مختلف"، مضيفا أن "سذاجة بعض النساء تدفعهن إلى دفع مبالغ مالية باهظة يتم جلبها في الغالب عبر بيع الممتلكات الشخصية"، فيما أكد أن حالات النصب والتزوير تتنوع بين من يتم تركها في المغرب تنتظر أو يتم إلحاقها بأوروبا واستغلالها ثم تجبر على العودة. وعلى المستوى القانوني، رصد حلحول، في تصريح لهسبريس، فراغا حاصلا في هذه الحالات، قائلا: "هناك فراغ في القانون المغربي، وعلى مستوى الاتفاقيات الدولية التي تجمعه مع الدول الأوربية والغربية عامة"، مسجلا أيضا "غياب أي دراسة حول الظاهرة"، ومعتبرا أن صرامة القوانين الغربية في الهجرة هي التي تدفع مغاربة إلى التفكير في طرق غير شرعية. واقترح المحامي المغربي فتح مكاتب للتواصل والمراقبة الاجتماعية والقانونية في المغرب والدول الغربية، قائلا: "يجب الاستماع إلى هؤلاء المغربيات وجمع المعلومات حتى يتم التوصل إلى شبكات النصب والاحتيال التي تنشط في كل مكان، جالبة أموالا طائلة"؛ فيما دعا إلى اجتهاد المشرع المغربي في وضع قوانين تقف أمام عصابات الاحتيال على المغاربة في قضايا الهجرة غير الشرعية.