صدر عن مطبعة النجاح الجديدة بالدار البيضاء، وبدعم من جمعية هواة الموسيقى الأندلسية بالمغرب، مصنف جديد للأستاذ يونس الشامي حول "نوبة الحجاز الكبير" مدونة وفق رواية المرحوم الشيخ مولاي أحمد الوكيلي، وذلك في إطار سلسلة مصنفاته حول "النوبات الأندلسية المدونة بالكتابة الموسيقية". ويشكل هذا المصنف الذي يحتوي بين دفتيه الأدوار اللحنية ومستعملات طبع الحجاز الكبير مساهمة جديدة في حفظ هذا التراث المغربي الأصيل وصونه والتعريف به ونشره. ويروم الشامي، من خلال هذا المصنف، وهو الثامن له في إطار عمله المتواصل لتدوين مجموع التراث الموسيقي الأندلسي بالكتابة الموسيقية بعد تدوينه لنوبات رصد الذيل ورمل الماية والعشاق والرصد والاصبهان والماية والحجاز المشرقي، توثيق هذا التراث التليد وجمعه وتناول مباحثه العامة، إدراكا منه لأهمية المحافظة على ما تختزنه صدور الشيوخ والرواة من نوادر صنائع وتوشيات هذا الفن. وضم هذا الكتاب، في ثناياه، قسمين، تضمن أولهما نبذة عن حياة الفنان الراحل مولاي أحمد الوكيلي، ونبذة عن مسار المنشد الحاج محمد باجذوب، الذي وثق ضمن هذا المدون إنشادات النوبة وفق أدائه، وكذا تعريفا بطبع الحجاز الكبير والطبوع الأخرى المدرجة ضمنه، فيما تضمن القسم الثاني مستعملات وتوشيات نوبة الحجاز الكبير. وقد خصص الأستاذ يونس الشامي، ضمن هذا المصنف، دراسة تحليلية لنوبة الحجاز الكبير، التي تعتبر من أكبر النوبات المستعملة في الموسيقى الأندلسية المغربية حيث يربو عدد صنائعها عن 110 مستعملة تضاف إليها البغية وتوشيات الميازين والصنائع، والإنشادات، مبينا أن هذه النوبة تتضمن ثلاثة طبوع هي طبع الحجاز الكبير المرتكز الأساسي للنوبة، وطبعان ثانويان ألحقا به هما طبعا المشرقي الصغير ومجنب الذيل. وأوضح الشامي أن مصنفه تضمن بعض الصنائع والأدوار اللحنية عن بعض الفنانين والشيوخ غير مولاي أحمد الوكيلي نظرا لأنه (الوكيلي) لم يترك تسجيلات صوتية لبعض الصنائع ومن ضمنها صنعتا "هبت سحرا .. فهيجت أشجاني" و"الجسم ينحل مذ فارقتكم أسفا". وأكد الأستاذ يونس الشامي، في تقديمه لهذا المدون، أن ما حفزه على هذا العمل هو استشعاره لما قد يتهدد الموسيقى الأندلسية المغربية، كغيرها من أنواع الموسيقى التقليدية غير المكتوبة في كل بقاع المعمور، من خطر الضياع والاندثار، لاسيما وأن موسيقى الآلة وصلت إلى الجيل الحالي عبر عصور متعاقبة وأجيال متلاحقة اعتمادا على الذاكرة والرواية الشفوية فقط، فتعرض بسبب ذلك إلى مقدار غير قليل من الضياع والتحريف وهو ما عرض متنها وأدوارها اللحنية إلى كثير من الشوائب والتلاشي. ومن هذا المنطلق، فإن تدوين موسيقى الآلة تدوينا علميا يكفل انتقالها إلى الأجيال القادمة على الحالة التي انحدرت منها من الأجداد دون أن يعتريها نقصان فوق ما اعتراها وشابها من قبل. وأضاف الشامي، عضو المجمع العربي للموسيقى، أنه خشية على مستقبل هذه الموسيقى أصبح الواجب الوطني يحتم على المهتمين تسخير جميع الوسائل الممكنة للحفاظ عليها ووقايتها من المخاطر المحدقة بها، مبرزا أن تدوينها بالكتابة الموسيقية، إضافة إلى تسجيلها الصوتي، هو خير هذه الوسائل وأنجعها، فهو لا يقيها فقط من الضياع والتحريف المحتملين إذا ظلت تعتمد على الرواية الشفوية في تناقلها بل يساعد أيضا على فهمها وتذوقها. وقدم لهذا المصنف الجديد، الذي جاء في 256 صفحة المرحوم عبد الهادي التازي، عضو أكاديمية المملكة المغربية، الذي أكد أن أهمية هذا العمل التوثيقي المتواصل للأستاذ يونس الشامي تتمثل في كونه مبادرة إلى تدوين موسيقى الآلة بالكتابة الموسيقية العلمية لفك عزلتها وتمهيد السبيل لها لولوج عوالم أخرى، إذ لا يمكن أن يظل التراث الموسيقي الأندلسي الذي يشكل أحد الروافد الأساسية للهوية المغربية فنا يعتمد كليا على الرواية الشفوية في تعلمه وممارسته وتناقله بين الأجيال. وقال التازي، إنه بهذا العمل التوثيقي "نكون قد كسبنا ميدانا جديدا من ميادين الدبلوماسية الموازية، تمكننا من تعريف الشعوب الأخرى بمباهج هذه الموسيقى : بألحانها الفتانة وكلماتها الأخاذة وطقوسها الفنية المتميزة، وتاريخها الطويل الزاخر بأخبار هذا الفن ورجاله". وفي كلمة باسم جمعية هواة الموسيقى الأندلسية بالمغرب، أكد عبد الحميد السباعي، كاتب عام الجمعية، أن التدوين أصبح اليوم ضرورة تقتضيها روح العصر، مثمنا الجهود التي يقوم بها الأستاذ يونس الشامي من أجل تدوين التراث الموسيقي الأندلسي بالكتابة الموسيقية، مؤكدا أن الجمعية تضع نصب عينيها وفي صدارة أولوياتها توثيق هذا التراث بهذه الكتابة التي أثبتت قدرتها العالية على تدوين رقى وأعقد ما أبدعته الإنسانية في الميدان الموسيقي. وأضاف أن توثيق الموسيقى الأندلسية بالكتابة العلمية سوف لن يسهم فقط في الحفاظ عليها من التحريف والضياع، وإنما سيسهم أيضا في تسهيل تعلمها وتعليمها على أسس علمية، كما أنه سيسهل عملية البحث والتعريف بها خارج حدود الوطن. ويونس الشامي واحد من أهم الباحثين في علم الموسيقى بالمغرب، كرس حياته العملية لخدمة الموسيقى والتربية الموسيقية، وشغل الأستاذ يونس الشامي عدة مهام تربوية وإدارية بوزارتي التربية الوطنية والشؤون الثقافية. وهو حائز على وسام الاستحقاق الوطني من الدرجة الممتازة ووسام العرش من درجة فارس، ووسام السعف الأكاديمية برتبة فارس من الجمهورية الفرنسية، وشارك في كثير من الندوات والمؤتمرات الموسيقية داخل المغرب وخارجه. وألف الشامي العديد من الكتب المدرسية في التاريخ والتربية الموسيقية إضافة إلى تدوينه للتراث الموسيقي الأندلسي بالكتابة الموسيقية الذي نشر منه حتى اليوم ثمان نوبات.