ما من مغربي إلا وعانى الأمرين من وثيقة «عقد الازدياد»، التي صارت «وثيقة عُقدة» في علاقة المواطن المغربي بالإدارة المغربية. فهذه الوثيقة، التي وجدت لتوثيق الاسم وتاريخ ومحل ازدياد الفرد، تحولت في ظل البيروقراطية المغربية إلى مصدر عدد لا حصر له من المتاعب، وصارت عبءا يستنزف وقت المواطن وأعصابه وماله. فكيف يعقل أن تنتهي صلاحية هذه الوثيقة بعد ثلاثة أشهر من إصدارها؟! وهل يحتاج المرء إلى أن يثبت ولادته كل ثلاثة أشهر؟! وما هي الدلالة القانونية وحتى الأخلاقية لهذه الوثيقة التي صارت فاقدة المعنى والقيمة، وتحولت إلى رعب حقيقي. ويزداد الأمر تعقيدا حين يتعلق الأمر بالمهاجرين المغاربة المقيمين في الخارج. إذ إن سباقهم مع الزمن المحدد لصلاحية هذه الوثيقة يجعلهم يتجشمون عناء السفر ومصاريف الإرسال عبر الشركات الخاصة بالإرساليات، ثم التنقل إلى أقرب قنصلية للحصول على بطاقة التعريف الوطنية أو جواز السفر. إن جل الدول المتحضرة تجاوزت هذه المسألة وتكتفي بشهادة الولادة التي تسلم يوم الازدياد. فنحن في الولاياتالمتحدةالأمريكية، وإن كنا مهاجرين، لا نحتاج إلى وثائق السكن والازدياد كل مرة، بحيث يكفي أن يطلع الموظف في إحدى الإدارات العمومية على بطاقة الإقامة أو رخصة السياقة لتغنيه عن طلب أي وثيقة أخرى لإثبات السكن أو تاريخ الازدياد. وهنا تجب الإشارة إلى مسألة بالغة الخطورة، وهي أن الإنسان في الغرب، وفي المجتمعات المتقدمة، يولد مرة واحدة ووحيدة ويكتسب وجوده وكينونته وشخصيته وحريته، وإن الدولة بمؤسساتها ومصالحها مسؤولة عن ضمان حريته وكينونته وكرامته، كما أنها مسؤولة عن توفير كل الشروط التي تكفل له تحقيق فرادته وفردانيته بما يمكنه أن يضيفه إلى هذا المجتمع الذي ينتمي إليه، في حين أن بلدنا (المغرب) فهو يتنكر لوجودنا منذ اللحظة الأولى، إذ نظل بحاجة إلى أن نثبت ولادتنا وحياتنا، في غياب تام للاعتراف بالفرد كطاقة خلاقة وفرادة وتميز وخصوصية داخل الجماعة. إننا في بلادنا لا نكتسب وجودنا إلا من حيث نحن ”لافرد“ ومن حيث نحن جماعة داخل الفرد، لافردا داخل الجماعة. إننا لا نحقق حتى الاعتراف بالولادة فكيف يمكننا أن نحقق حريتنا كأفراد... ونظل طوال حياتنا في حاجة إلى أن نثبت أننا ولدنا وأننا أصحاب ذلك الاسم المقيد في الحالة المدنية التي هي بدورها تصبح بحاجة إلى أن تثبت صلاحيتها. *مُهاجر مغربي في بوسطن