من الطبيعي أن يعجّل مُربّو الأبقار والأغنام وخيول الفروسية التقليدية والعصرية بنقل المريضة منها إلى أقرب عيادة بيطرية من أجل إسعافها وتطبيبها، دون تلكّؤ أو تردّد لحظة تسديد تكاليف العلاج، مهما بلغ الثمن المسجّل في الفاتورة، إلا أن فئة الخيول المستعملة في جر العربات، ومعها الحمير والبغال، تحظى باهتمام مالكيها ما دامت قادرة على أداء المهام الموكولة إليها، وما إن تصاب ب"حادثة شغل"، أو وعكة صحية، حتى يتم التخلص منها بأسرع وسيلة متوفّرة، واستبدالها بأخرى في أقرب وقت ممكن. وحتى يتم القطع مع تلك الممارسات في حق "الخيليّات" بمنطقة دكالة، نجحت "جمعية الرفق بالحيوان والمحافظة على الطبيعة"، المعروفة اختصارا بSPANA، في إنشاء مركز جهوي لها بأولاد افرج، بإقليم الجديدة، يضع ضمن أولى اهتماماته تقديم الإسعافات الأولية، والفحوصات البيطرية، والمراقبة الصحية، للحيوانات المذكورة، دون أن يسدّد مالكوها ولو درهما واحدا مقابل تلك الخدمات، في الوقت الذي لا تحصل الجمعية على الدعم من المجالس الجماعية والإقليمية، على غرار باقي الجمعيات بالمنطقة. وتبدأ مهام الفريق الطبي، المكون من طبيب بيطري، وتقنيّ، ومساعديْن اثنيْن، بتدوين المعلومات الخاصة بالحيوانات الوافدة على المرفق، وتسجيل هوية مُرافقها، قبل أن يشرع الطاقم ذاته في فحص الحيوان، وتحديد نوعية المرض الذي ألمّ به، واتخاذ القرار المناسب تجاهه، سواء بتقديم العلاجات فقط، أو القيام بأولى التدخلات البيطرية، مع الاحتفاظ بالحيوان لبضعة أيام داخل المركز. وتتنوّع الخدمات البيطرية داخل المركز حسب نوع الحيوان وطبيعة المرض، وتشمل العمليات الجراحية بجميع أشكالها، وإزالة الأورام، ومعالجة التقرحات، وتسوية الأسنان، وتقطيب الجروح، وتزويد الحيوانات بالأدوية الخاصة بالأمراض الباطنية، وهي الخدمات التي منحت المركز لقبي "سبيطار الخيْل"، و"مستشفى الخيليات المجاني" بأولاد افرج، والذي يقصده سكان مختلف المدن والقرى بمنطقة دكالة. ويقوم الطاقم البيطري بتقديم خدمات أخرى، كتقليم أظافر الكلاب والقطط وحوافر "الخيليات"، وتلقيح الحيوانات بهدف حمايتها من الطفيليات والأمراض الجلدية، والاحتفاظ بالمتخلى عنها، مع البحث عمن يتبناها ويحسن معاملتها. كما تهتم "جمعية الرفق بالحيوان والمحافظة على الطبيعة" بتقديم النصائح لقاصدي المركز، من أجل حثهم على الرفق بحيواناتهم، وتصحيح سلوكاتهم تجاهها. وتوزّع الجمعية على قاصديها معدات وتجهيزات مجانية، تساعدهم على حسن استغلال الحيوان في قضاء المآرب اليومية دون أن يتعرض للأذى، إذ تعمل على استبدال القلادات والقيود واللُّجُم القديمة والمؤذية بأخرى جديدة. كما يُقدّم الطاقم البيطري للجمعية الإسعافات الأولية للكلاب والقطط، إما بهدف وقايتها، أو علاجها من الأمراض، خاصة إذا كانت ضالة أو متخلى عنها. بهيدة بنعامر، الطبيب البيطري المسؤول بالمركز الجهوي للجمعية في أولاد افرج، أوضح في تصريح لهسبريس أن الجمعية غير حكومية، وتمويلها يعتمد بالأساس على مساهمات الخواصّ من دول أجنبية، وتحاول، بكل ما أوتيت من موارد مالية وبشرية، الاهتمام بصحة الحيوانات المملوكة من طرف المعوزين، وتأطير قاصدي المركز، وتقديم دروس تحسيسية لفئة الأطفال، من أجل تعزيز الجوانب التربوية للجمعية. وأكّد بنعامر أن الجمعية تستقبل، سنويا، طلبة من معهد الحسن الثاني للزراعة والبيطرة، لقضاء ثلاثة أشهر من التدريب الميداني بمركز أولاد افرج، ومتطوعين ومتدربين آخرين من معاهد ومدارس من مختلف الدول، بحيث يخضعون لتكوين في تخصصاتهم المرتبطة بخدمات الجمعية، إضافة إلى استقبال زوّار أجانب، بهدف تبادل الخبرات معهم، وتعزيز سبل التعاون بين SPANA وباقي الشركاء، وذوي الاهتمام المشترك. كبّور أبو المهاجر، تقني ومنسّق الخدّمات الصحية والتربوية بالجمعية، أشار إلى أن المقر الجهوي لِSPANA بأولاد افرج يتوفر على عدد من المرابض المخصصة للاحتفاظ بالحيوانات المصابة بأمراض متقدمة، إذ تخضع، طيلة فترة مكوثها في المركز، للفحص اليومي، والتطبيب المرحلي، والمراقبة والتتبع الدقيقين، مع توفير حاجياتها الأساسية من مأكل ومشرب ورعاية وتنظيف، ثم يتم إرجاعها إلى مالكها فور تجاوزها مرحلة الخطر، أو بعد شفائها بشكل تام. وأضاف المتحدث، في تصريح لهسبريس، أنه نظرا لحاجة الفلاحين إلى "الخيليات" في أعمالهم اليومية، فقد جعلت الجمعية "بغلا" تحت تصرف كل شخص تقرّر الاحتفاظ بدابته بالمركز الجهوي قصد العلاج، إذ يُسمح له بالاستعانة بخدمات "البغل الاحتياطي" في قضاء أغراضه طيلة فترة الاستشفاء، شريطة رعايته، والحرص على سلامته، حتى يُستعان بخدماته من طرف شخص آخر، لا يملك لدابته المريضة بديلا. وإلى جانب الخدمات البيطرية، وقّعت SPANA شراكة مع وزارة التربية الوطنية، تسمح باستقبال تلاميذ المؤسسات التعليمية بالمرفق، وتقديم حصص تحسيسية وتربوية لفائدتهم، وتنظيم جولات تعريفية بالمركز وخدماته، وذلك بهدف تحفيزهم على تحسين سلوكاتهم تجاه الحيوانات، وإشاعة ثقافة الرفق بها في حياتهم اليومية، ونقل معارفهم الجديدة إلى أهلهم وأصدقائهم وباقي مكونات المجتمع. وفي السياق ذاته، أشار عبد المجيد باحدو، الطبيب البيطري المسؤول عن تفعيل برنامج الأنشطة التربوية بالمركز، إلى أن SPANA دعّمت أهدافها الطبية النبيلة ببرنامج تربوي يهدف إلى نشر ثقافة الرفق بالحيوانات، وتغيير النظرة النمطية السلبية السائدة في المجتمع تجاه تلك الكائنات الحية، مستهدفة ببرنامجها الأطفال المتراوحة أعمارهم بين 7 و12 سنة، نظرا لقابليتهم رفع مشعل الوعي بأهمية الرفق بالحيوانات. وأضاف باحدو أن البرنامج يعتمد على وسائط معلوماتية، وقصص، وبرامج وثائقية مصورة، وأشرطة تلفزية، من أجل تقديم المعلومات المهمة حول عدد من الحيوانات، وطرق التعامل معها في الحياة اليومية، وكيفية توفير حاجياتها الأساسية، حتى تعيش كريمة من جهة، وتؤدي دورها في الحياة بشكل مقبول من جهة ثانية، مشيرا إلى أن الحصة التحسيسية تنتهي بقيام التلاميذ بجولة ميدانية داخل المركز للتعرف أكثر على خدماته. جدير بالذكر أن لِ"جمعية الرفق بالحيوان والمحافظة على الطبيعة" مراكز جهوية مماثلة بكل من الدارالبيضاء، ومراكش، والخميسات، والشماعية، إضافة إلى المركز الوطني للتربية البيئية بسيدي بوغابة، في الوقت الذي اضطرت إلى نقل مراكز الرباط وطنجة وخنيفرة وميدلت إلى جمعيات أخرى، تعمل في مجال حماية الحيوان والطبيعة، نظرا للصعوبات المالية التي تواجهها الجمعية الأمّ منذ سنوات.