ما يقع حاليا في سوريا ينهي كل وهم يستهين بآثار الموجة الديموقراطية الرابعة، ويؤكد أن التفاعل الحقيقي مع حركة المد الديموقراطي يمر حتما عبر مراجعة شاملة لسياسات التحكم والإقصاء وإعادة الاعتبار بشكل جذري للمواطن، في إطار بناء علاقة جديدة بين الدولة ومواطنيها تقوم على التشارك، وأن حركة التاريخ تضغط بقوة لإرساء نظام سياسي ديموقراطي جديد. ما تؤكده الأحداث الراهنة هو أن المنطقة تمر بمرحلة مفصلية مفتوحة على احتمالات متعددة، وذلك بفعل آلية المتتالية الاحتجاجية الديموقراطية الحاكمة حاليا في العالم العربي، والتي لا تترك من خيار سوى التقدم نحو مراجعة أنظمة الحكم وفق المعايير العالمية للحكم الديموقراطي، وأنه هذه المراجعة إما أن تتم بكل إرادي استباقي يحفظ المكتسبات ويحقق الديممقراطية بأقل كلفة. لقد انتبه المغرب لهذا التحول، إلا أن هذا الانتباه بقي جزئيا ومقتصرا بشكل كلي على إطلاق دينامية الإصلاح الدستوري، دون أن تواكبه إجراءات ثقة فعلية تضمن انخراط كافة القوى الحية وبدون استثناء أو إقصاء في سيرورة الإصلاح، ولقد كان من المتوقع أن يلي الإعلان عن مسار الإصلاح الدستوري خطوات عملية، تهم أساسا الإفراج على المعتقلين السياسيين وضحايا تطبيق قانون الإرهاب، وإنهاء سياسات التحكم التي اعتمدت وما تزال مستمرة في عدد من القطاعات، وخاصة مجالات الاقتصاد والإعلام والثقافة. ليس هناك من شك في وجود إرادة إصلاحية سياسية، تقابلها حركية احتجاجية شبابية متنامية، ومناورات إجهاض مستترة تخرج للعلن في بعض الحالات، مثل ما وقع في التفكيك العنيف للاعتصام الأخير لحاملي الدكتوراه من رجال التعليم، وهو ما يضع المغرب أمام ثلاث مسارات، الأول مسار الإصلاح التصاعدي والشمولي، والثاني مسار التغيير الجذري المجهول المآل، والثالث مسار الاحتواء والإجهاض، والوضعية الراهنة هي أن احتمالات المسار الأول راجحة إلا أنها مستهدفة بتحديات المسارين الثاني والثالث، ولاسيما يف ظل الترقب المجتمعي القائم على انتظار آثار المسار الأول، والمطلوب في هذه المرحلة الدقيقة هو تعزيز قوة المسار الأول بمسلسل إصلاحات موازية تستلهم وتجسد مقتضيات الخطاب الملكي ل9 مارس 2011، وتوسع من دائرة المنخرطين فيه بما يحول دون تحول الترقب المجتمعي إلى عنصر دعم للمسار الثاني. من المقرر أن تنطلق اليوم أعمال لجنة تعديل الدستور في استماعها لرؤى الأحزاب للدستور المعدل، وهو ما سيعكس الوجه الآخر من مسؤولية القوى الحزبية بما ستقدمه من مشاريع في تعزيز قوة المسار الأول، خصوصا وأن هناك حالة ارتباك عند غالبية القوى الحزبية في التفاعل مع استحقاقات المد الديموقراطي العربي، وهي الحالة التي لا يمكن تجاوزها بدون استعادة القوى الحزبية للمبادرة في المسار الإصلاحي التصاعدي والشمولي. *افتتاحية جريدة التجديد 28 مارس 2011