:"لكل المطالب الشعبية صداها في المؤسسات التمثيلية" في ظل تخبط الأداء الحكومي المفتقد لإستراتيجية إصلاحية واضحة، وفي ظل تعليق حاجات وانتظارات الكتلة الناخبة، وفي ظل عودة خيار ضرب قدرة المواطنين الشرائية، أصبحنا أمام صعوبة تخمين حدود التأثير المتوقع للردود الشعبية الرافضة لإجراءات وقوانين ومشاريع حكومية، وهو ما يعتبر تهديدا للديمقراطية التمثيلية. فالنظام التمثيلي، لا ينبغي التعامل معه بعد التعديل الدستوري بعيدا عن لعب الأدوار المنوطة به، وفي منأى عن ممارسة الصلاحيات التشريعية والرقابية، بما يضمن نوعا من الحماية الاجتماعية لمختلف الفئات داخل المجتمع. وبدل أن يسير البرلمان المغربي في اتجاه تعميق الهوة بينه وبين منتخبيه، وإضعاف أدائه التمثيلي، وابتعاده عن الاهتمام بظروف عيش المواطنات والمواطنين، وبدل ترك الفرصة للحكومة للاستمرار في تجاهل حاجات الشعب ومشاكله، اختار مجلس المستشارين في صيغته الجديدة تخليد اليوم العالمي للعدالة الاجتماعية الذي يصادف 20 فبراير، وذلك بتنظيم "المنتدى البرلماني للعدالة الاجتماعية"، لينصب النقاش على: المساواة في الحقوق وتكافؤ الفرص وتكافؤ الظروف المعيشية لجميع الأفراد كمبادئ توجيهية ثلاثة لتحقيق العدالة الاجتماعية؛ المساواة والإنصاف وحقوق الإنسان والمشاركة كأركان أربعة للعدالة الاجتماعية؛ قيم الإنصاف والمساواة واحترام التنوع وتيسير فرص الاستفادة من الحماية الاجتماعية وإعمال حقوق الإنسان في كافة مجالات الحياة بما فيها مكان العمل كمرتكزات أساسية لمفهوم العدالة الاجتماعية المهيكل للسياسات العمومية؛ ضمان تكافؤ الفرص أمام الأفراد لتنمية قدراتهم الذاتية كوسيلة لتمكين الأفراد من خلال المشاركة الاجتماعية، بحيث لا يؤثر الانتماء إلى أي فئة أو طبقة اجتماعية على خياراتهم. وإذا كانت قوى الصف الديمقراطي والتقدمي قد ناضلت وضحت، من أجل نظام سياسي ديمقراطي يكفل شروط عيش مشترك وكريم لكافة المواطنات والمواطنين، عبر تقوية القدرة الشرائية والاستفادة من الخدمات الاجتماعية للجميع، وتفادي الانغماس في الفساد والغش والرشوة والتهرب الضريبي.. وتجنب الارتماء في أحضان الاحتقان الاجتماعي والإحساس بالإهانة والدونية.. وعدم الانزلاق في براثين القمع وتكميم الأفواه ومصادرة الحريات.. وإذا كان الوعي السياسي قد نضج بما يكفي لطي صفحة ما قبل أواخر التسعينيات من القرن العشرين، وحمل كل مكونات الساحة السياسية إلى تقدير المرحلة والدخول في توافقات لتوفير مناخ سياسي قادر على خلق شروط تنمية قائمة على أولوية الاهتمام بالإنسان في التسيير والتدبير. وإذا كانت حركة 20 فبراير قد دعت في بيانها الصادر يوم 14 فبراير 2011 عموم الأحرار بمغربنا العزيز للمساهمة ودعم هذه المبادرة والمشاركة بكثافة في إنجاحها وجعل يوم 20 فبراير يوما وطنيا سلميا للكرامة، والالتزام بالعمل مع الجميع لتوحيد الجهود من أجل الكرامة والعدالة والمواطنة. وإذا كان الفاعلون السياسيون قد استوعبوا المرحلة بكافة شروطها وملابساتها، سواء ما تعلق بالوقائع والأحداث التي جرت في المدار الإقليمي والجهوي والدولي، أو ما كان مرتبطا بما يعتمل في الساحة الوطنية، وأدركوا أن الهدف الأساسي يكمن في تقوية النموذج المغربي عبر تسريع وتيرة الإصلاح نحو تغيير هادئ، لقطع الطريق على كل ابتزاز متطرف متربص في هوامش المجتمع أو متسرب من الخارج. وإذا كان دستور ما بعد خطاب التاسع من مارس يعد قفزة نوعية في اتجاه توطين مفاهيم الحكامة الجيدة وتعزيز مجال الحريات والحقوق وإعطاء المعارضة البرلمانية موقعا متميزا لممارسة الرقابة على عمل الحكومة، حتى يتمكن المواطن المغربي من إعادة ثقته في الساسة وتفاعله الإيجابي مع السياسة. وإذا كانت المهمة الموالية تكمن أهميتها القصوى والدقيقة في تعميق مفاهيم الحوار والديمقراطية والحرية وتشجيع المشاركة السياسية والتضامن من خلال المبادرات المجتمعية وتوطين ثقافة حقوقية متقدمة وتقوية المجتمع المدني. فإن تنظيم مجلس المستشارين ل "المنتدى البرلماني للعدالة الاجتماعية" يعد شكلا متطورا من أشكال تخليد ذكرى 20 فبراير، وهو اليوم العالمي للعدالة الاجتماعية، ونوعا من أنواع التجسيد العملي لشعار "لكل المطالب الشعبية صداها في المؤسسات التمثيلية"، خاصة وأن موضوع المنتدى ينصب على التداول في شأن منظومة الأممالمتحدة للعدالة الاجتماعية وآلياتها الدولية وبحث شروط ومسؤوليات الالتزام بها في السياسات والعلاقات الدولية، والعدالة الاجتماعية في المنظومة المعيارية الوطنية، ومهام ومسؤوليات العمل البرلماني في تمكين العدالة الاجتماعية وآلياتها، وكذا تدارس إمكانية إبداع نموذج مغربي للعدالة الاجتماعية سواء من حيث المرتكزات أو الأدوار أو المسؤوليات أو الآليات. فيوما بعد يوم يترسخ مفهوم الكرامة الإنسانية في عقلية وذهنية الفاعلات والفاعلين السياسيين ببلادنا، بكل ما تحمله من معاني التقدير والاحترام للإنسان، وبكل ما تحيل عليه من دلالات حمل الفرد داخل مجتمعه على الاعتزاز بنفسه والاعتداد بها أمام الآخرين، وكذا بكل ما تزخر به من شحنات وطاقات تجعل الفرد غير قابل لجميع أشكال وأنواع الإهانة، ولو في حدودها الدنيا. فالصراع السياسي الحاد، الذي كان دائرا داخل مجتمعنا في فترة من الفترات التاريخية غير البعيدة عن يومنا هذا، والذي لم يكن موضوعه الأساسي سوى الدفاع عن الإنسان وحفظ كرامته وضمان حريته ومساواته مع الآخرين، بما يكفل نوعا من تعزيز الشروط والظروف لتوفير مقومات وخصائص العيش المشترك داخل وطن آمن ومستقر يسوده نوع من التضامن والتسامح، ها هي ذي معالم تراجعه وانسحابه بادية لفائدة التنافس على أفكار ووجهات نظر ومواقف بين مكونات سياسية متنوعة المشارب الاجتماعية والفكرية والثقافية، بشكل سلمي وبآليات مدنية، كفيلة بالتعبير عن نوع من الأجواء الديمقراطية، التي تكفل للجميع حق تسييد مواقفه عبر آليات التأطير والتوجيه والتنظيم في صفوف المواطنات والمواطنين. وها هي ذي الساحة السياسية اليوم، عبر مختلف مكوناتها الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والسياسية، تتجه نحو التخلي التدريجي عن أسلوب البحث عن سبل شد الحبل وتعميق التناقضات، لفائدة التفكير والاجتهاد والإبداع من أجل إعطاء السياسات العمومية نفسا حيويا يمتح من معين قيم حقوق الإنسان وثقافة المواطنة ومواصفات التحديث المطلوب واللازم لظروف عيش المواطنة والمواطن. وها هي ذي بلادنا، تتلمس خطواتها نحو التفكير والتخطيط والتوجيه والبرمجة والتنفيذ، من أجل إقرار سياسات عمومية لتكون في خدمة كل الفئات والشرائح الاجتماعية، خاصة المتضررة منها بفعل أشكال التفقير والتهميش التي طالتها لأمد ليس بالقصير، ومن أجل تجاوز كل أساليب القمع التي سادت في مرحلة من المراحل كتعبير عن عدم التجاوب مع المطالب المشروعة، وكتعبير عن سياسة تكميم الأفواه، وكتجسيد للموقف الرافض للتعامل مع النخب المنتقدة لكل أنواع الانحرافات التي يمكن أن تعرفها عمليات تسيير وتدبير الشأن العام من موقع مؤسسات الدولة. فتحية صادقة للأطر والكفاءات المشرفة على تنظيم هذا المنتدى داخل مجلس المستشارين، وتحية خاصة لرئاسة المجلس على هذا النوع من التعبير عن الإرادة الفعلية في ممارسة السياسة بشكل مغاير. وتقديرنا التام للمجهود المبذول من أجل إشراك مؤسسات وهيآت ومنظمات دولية وجهوية ووطنية، من أجل التداول والتحاور والبحث عن السبل الكفيلة بإيجاد صيغ عملية لأجرأة مفهوم العدالة الاجتماعية وتفعيل مبادئه التوجيهية ومرتكزاته على أرض الواقع، عبر سياسات عمومية ذات أبعاد إنسانية واجتماعية.