لا يمكن وصف حفلة أحيتها المطربة المغربية كريمة الصقلي، مساء الخميس ببيروت، إلا كونها ليلة من ليالي الزمن الجميل، أعادت للعاصمة اللبنانية وهج الأمسيات الطربية وبريقها. روت الصقلي بصوتها الشفاف، مصحوبة بأمهر العازفين ب"الأوركسترا الوطنية اللبنانية الشرق عربية" ظمأ اللبنانيين الى الطرب، محلقة بهم في عوالم الحب والصفاء، وشيئا من عشق الصوفية وأورادهم الذي زادهم عشقا بصوتها فبادلوها الوله ولها. وكما عرفوها في سنتي 2008 و 2011 شامخة، عاد اللبنانيون وبكثافة منقطعة النظير، والى نفس الخشبة، منصة ال"يونسكو" وسط بيروت، ليعاودوا النهل من رحيق صوت الصقلي، التي اعتلت هذه الخشبة، التي وقفت فيها أم كلثوم، ذات ليلة، فأبت إلا أن توجه لكوكب الشرق من عاصمة الأرز تحية بذكرى رحيلها بأداء رائعة أحمد رامي "يللي هواك". افتتحت الصقلي الأمسية، التي حلت فيها ضيفة على الأوركيسرتا بقيادة المايسترو، أندري الحاج، ب"يا ليل طل" من الأجواء الأندلسية المخملية الساحرة، وبألحان مغربية للراحل عبد القادر الراشدي، لتتنقل، ومعها الجمهور الذي تماهى مع ليالي الأنس، بإحساس مرهف بين روائع الكلام للأخطل الصغير في "اسقنيها"، وبيرم التونسي ضمن "الورد جميل". وبسلاسة متناهية، وهي تتنقل من مقام لمقام، أدخلت الصقلي الجمهور الى العوالم الصوفية الربانية، لينعم الحضور بأعذب الأناشيد "يا نسيم الريح" للحلاج ، و "آمنت بالله" من الشعر القديم، ثم "زدني بفرط الحب " لابن الفارض، التي أبدع الملحن المغربي رشيد زروال في سبر أغوارها لحنا شجيا. ولا يمكن لأمسية مثل أمسية الصقلي أن تمر دون أن يكون للمايستور "الدكتاتور الموسيقي"، كما يلقب في الأوساط الفنية اللبنانية، رأي فيها ، إذ اعتبر في تصريح صحفي أن سهرة المطربة المغربيّة "ساحرة بكل معاني السحر"، فالصقلي محترفة، وتتمتع بنفس موسيقي انعكس إيجابا على عزف العازفين .. وتشبه الصقلي صوتها، يقول الحاج، كما تتمتع بكاريزما موسيقية ما يجعل صوتها وأداءها يخاطب القلوب مباشرة. وبعد أن أشار الى أنه على اطلاع على الإيقاعات الموسيقية المغربية إجمالا، عبر الحاج عن أمله في أن "يخلق تواصل بينه وبين الملحنين المغاربة، خاصة العازفين على العود من أمثال الحاج يونس وسعيد الشرايبي، وربما يكون نواة عمل موسيقي مشترك". أما الصقلي فعلقت، في تصريح مماثل، على أمسيتها بالقول إن بيروت مدينة الحب والجمال، ومن الطبيعي، خاصة وأنه سبق لها أن تعرفت على الأجواء البيروتية سنتي 2008 و 2011 ، أن يقصر صوتها المسافات بين المغرب والشرق، وأن تعرف بالامكانات الفنية المغربية بالعاصمة اللبنانية. وفي هذا السياق أبرزت دور المهرجانات الضخمة التي تنظم في المغرب في التعريف المتبادل مشرقا ومغربا بالفن، خاصة وأن الأغنية المغربية بدأت تحقق لها مكانة هامة بالأوساط المشرقية. وفي لفتة رائعة أبت وزارة الثقافة اللبنانية إلا أن تكرم الصقلي فمنحتها "درع الوزارة"، كما منحها المعهد الوطني الموسيقي اللبناني درعا مماثلا. بينما غنت كريمة الصقلي قصائد لعدد من الشعراء الكبار، منهم الشاعر عمر الخيام ودينون المصري، وللمتصوف محيي الدين ابن عربي .. كما اشتهرت بأداء الطرب الأندلسي والملحون العريقين. * و.م.ع