يعتبر "الحزب الاشتراكي العمالي" الاسباني، الذي تأسس سنة 1879 على يد بابلو ايغليزيس، من أقدم الأحزاب الاشتراكية العمالية في أوروبا، مسبوقا فقط بالحزب الاشتراكي الديمقراطي الألماني، وطول هذه الفترة مر الحزب بتحولات عميقة وبفترات صعبة؛ لعل أهمها الانقسامات التي عرفها إبان الثورة الروسية 1917 ونشأة الأممية الشيوعية، غير أن فترة حكم فرانكو (1939-1975)، تعد الفترة الأصعب، حيث تم حل الحزب وأجبر الكثير من أعضائه على الهجرة والعيش في المنفى أو البقاء والعمل في السر. في المقابل، فإن الحزب مر بأوج توهجه خلال العديد من المحطات؛ لعل من أبرزها فترة قيادة الحزب من طرف فيلب كونزالس (1978-1997) والتي قاد فيها حكومات اشتراكية ما بين 1982 و1996. وخلال أواخر ولاية رئيس الحكومة السابق، لويس زاباتيرو (2004-2011)، وبفعل الأزمة الاقتصادية الخانقة وسياسات الحزب الاشتراكي، سيبدأ في الاندحار الانتخابي وسيحصل على أسوء نتائجه في العقود الأخيرة، لكنه وبخلاف نتائج الانتخابات العامة 2011، والتي حصل بموجبها الحزب على 110 مقاعد، بفارق كبير عن الحزب الشعبي الفائز، فإن نتائج الانتخابات العامة الأخيرة تشكل تهديدا حقيقيا لكينونة الحزب لسبب رئيسي هو أنه في السابق وفي حقبة الثنائية الحزبية كان هناك حزب حاكم وآخر معارض، أما اليوم، فإن الوضعية الداخلية للحزب والخيارات المتاحة أمامه تبدو صعبة، وأي خيار خطأ ستكون مآلاته غير محمودة. وإذا كانت فرضية "انتحار الحزب الاشتراكي"، التي يصوغها بعض الصحافيين والساسة من أحزاب منافسة من أمثال خوانما مورينو، زعيم الحزب الشعبي في جهة الأندلس، الذي حذر من تلك النتيجة في حالة أي تحالف بين "الحزب الاشتراكي" و"حزب بوديموس" والأحزاب القومية، (إذا كانت) تبدو مستبعدة على اعتبار أن "الحزب الشعبي" ليس له من ملجئ لتشكيل الحكومة المقبلة إلا دعم "الحزب الاشتراكي"، وبالتالي فانه يضغط ويناور من أجل ذلك ويدعو جهارا ومرارا إلى دعم وتحالف كبير يشارك فيه كذلك "حزب المواطنون"، فإن طلبه هذا يجابه، إلى حدود الساعة، بالرفض من طرف "الحزب الاشتراكي"، الذي أبدى أمينه العام، بيدرو سانشيز، رغبته في تشكيل حكومة بديلة بتحالف مع الأحزاب اليسارية التقدمية. ولعل بعض الإجراءات التي اتخذها الحزب أصبحت تفسر في هذا الباب، من قبيل تنازله بأربعة أعضاء في "مجلس الشيوخ" لصالح حزبين كاتالانيين حتى يستطيع كل واحد منهما تشكيل فريقه البرلماني، وهو الإجراء الذي جر على الحزب وابلا من الانتقادات والاتهامات بدعم وإعطاء صوت للأحزاب الانفصالية. ولعل التحدي الأكبر الذي يواجهه سيناريو تحالف يساري بقيادة الاشتراكيين، يكمن، من جهة، في التوفيق بين الخطوط الحمراء التي وضعتها اللجنة الفيدرالية للحزب الاشتراكي بقيادة "بارونات" الحزب؛ أي قياداته الجهوية وعلى رأسها سوزانا دياز، زعيمة الحزب الاشتراكي في أندلسيا، والذين اشترطوا تنازل "حزب بوديموس" عن مطلب الاستفتاء في كاتالونيا قبل البدء بأي مفاوضات لتشكيل حكومة يسارية، ومن جهة أخرى، قدرة ورغبة تلك الأحزاب اليسارية في تقديم تنازلات في الاتجاه ذاته. إنجاح هذا السيناريو من شأنه تجنيب بيدرو سانشيز، الأمين العام للحزب الاشتراكي، الإقالة أو الاستقالة، لأن قيادته للحزب أصبحت موضوع مساءلة. بالموازاة، فإن المشاورات التي يجريها العاهل الاسباني طوال هذا الأسبوع مع ممثلي حوالي 15 حزبا ممثلا في البرلمان، دفعت بالملك إلى الإيحاء إلى إمكانية دعوتهم للتشاور مرة أخرى، في إشارة إلى فشل مرتقب للحزب الشعبي في تشكيل الحكومة المقبلة، وهو ما سيمكن الاشتراكيين من الإمساك بزمام المبادرة. ويبقى خيار انتخابات عامة سابقة لأوانها الخيار الأسوأ بالنسبة "للحزب الاشتراكي"، وهو معطى أكدته نتائج استطلاع للرأي قامت به مؤسسة "Metroscopia"، وأظهر أن الحزب سيفقد مزيدا من المقاعد وسيحل ثالثا بعد "حزب بوديموس" الذي سيقفز إلى المرتبة الثانية بعد "الحزب الشعبي"، وأبرز كذلك أن 61 في المائة من الإسبان يفضلون توافق الأحزاب من أجل تشكيل الحكومة، على إعادة الانتخابات. والخلاصة أن الأحزاب الاسبانية في مسلسل تشكيل الحكومة، كل يناور ويزايد من موقعه، لكن من المؤكد أن لا أحد سيغامر بإعادة الانتخابات وهو يعرف سلفا أنه سيخسر أكثر مما قد خسر. * دكتوراه الدولة في القانون الدستوري، جامعة فالنسيا - مهتم بالشأن الإسباني