في أوَّل مبادرة رسميّة، أخرج مجلس المستشارين ملفّ تقاعد البرلمانيين، الذي تفجّر قبل أسابيع على صفحات مواقع التواصل الاجتماعي ووسائل الإعلام، وطرحٓه على طاولة النقاش في الغرفة التشريعية الثانية، في يوم دراسي، قال رئيس مجلس المستشارين، حكيم بنشماش، إنه يرمي إلى مناقشة الموضوع "بدون مزايدات وبدون شعبوية، بل لنقول الحقيقة عاليا دون الإحساس بأي مركّب نقص". بنشماش افتتح اليوم الدراسي المخصص لمناقشة معاشات المستشارين البرلمانيين، بالتأكيد على أن ما دفع المجلس إلى فتح هذا الملف هو "التفاعل مع نبض المجتمع وتفاعلاته وديناميته"، في إشارة إلى المطالب المتنامية بإلغاء معاشات البرلمانيين؛ وعلى الرغم من هذا التفاعل، إلا أن بنشماش تساءل ما إذا كان النقاش الدائر حاليا محض صدفة، قبل أن يجيب "أستبعد ذلك". وموازاة مع استمرار مطالب إسقاط تقاعد البرلمانيين على مواقع التوصل الاجتماعي، قال رئيس مجلس المستشارين إن الإطار الذي يُناقش فيه هذا الموضوع حاليا، "ينتج فيه بعض الكلام غير الدقيق، وفيه نوع من المبالغة"، مضيفا أن نظام معاشات البرلمانيين معمول به في جلّ برلمانات العالم، مع وجود اختلافات حول مساهمات البرلمان، ومدة الانتداب الموجبة للاستفادة من المعاش، وكذلك السنّ القانونية. بنشماش قال إن منظومة معاشات المستشارين البرلمانيين المعتمدة في المغرب، والتي تقضي باستفادة المستشار البرلماني من معاش في حدود ألف درهم عن كل سنة بالنسبة لمن قضّى سنتين فما فوق، تبدو بسيطة، لكنها من الناحية التدبيرية "فيها نوع من التعقيد، بسبب تنوع منحدرات المستشارين"، ومحدودية المنظومة الوطنية للمعاشات الخاصة بهم، فإذا كان المستشارون الذين يشتغلون في الوظيفة العمومية، يقول المتحدث، يستفيدون من معاشين بعد انتهاء مدة الانتداب، فإن المستشارين المزاولين في القطاع الحر لا يستفيدون سوى من معاش واحد. ولم يكشف بنشماش عن موقف واضح إزاء مطلب إلغاء تقاعد البرلمانيين، والذي قال إنه مطلبُ "جزءٍ من الرأي العام الوطني"، وحاول إمساك العصا من الوسط، ففي حين قال إن أصل الإشكال المطروح نابع من الفهم الخاطئ لتقاعد البرلمانيين، والخلط بين الصندوق المغربي للتقاعد والصندوق الذي يتولى معاشات البرلمانيين، إلا أنه اعترف بوجود أزمة في معاشات البرلمانيين، لاحت بوادرها في الأفق منذ تعديل الدستور سنة 2011، حيث جرى خفض عدد المستشارين إلى 120، وهو ما أدى إلى خلل على مستوى الاشتراكات والمعاشات المصروفة. وفي الوقت الذي أعلن فيه بعض البرلمانيين عن تنازلهم عن معاشاتهم طوعا، قال رئيس مجلس المستشارين إنّ "هذا الكلام غير دقيق"، وذهب أبعد من ذلك باتهامه لهؤلاء البرلمانيين ب"الضحك على ذقون المغاربة"، موضحا أن المعاشات مقررة بمقتضى قانون له طابع إلزامي ولا يمكن لأحد أن يتنازل عنه بالطريقة التي يجري تسويقها من طرف بعض البرلمانيين، "وللأسف فمثل هذا الكلام المتسم بكثير من التسطيح يحظى بالإعجاب من طرف الرأي العام"، يقول المتحدث. وتوزعت مواقف المستشارين البرلمانيين الذين ناقشوا موضوع إلغاء المعاشات، بين من رأى أن نظام المعاشات المتعلق بهم ينبغي أ يراجع، وبين من رأى أن النقاش المثار حول هذا الموضوع يرمي إلى إلهاء الرأي العام الوطني عن "الريع الحقيقي"، كما قال أحد المستشارين، الذي أضاف: "هناك توجه خلال الأربع سنوات الأخيرة لإضعاف المؤسسات المنتخبة، وإفراغها من الداخل"، وأردفت برلمانية أخرى: "هناك أياد خفيّة تعمل على إضعاف المؤسسات". وحاول برلمانيون آخرون نزع صفة "الريع" عن المعاشات التي يستفيدون منها، والتي أثارت جدلا واسعا خلال الأسابيع الأخيرة، "إشكالية الريع مطروحة، والجميع يعرف أين يوجد الريع الحقيقي"، يقول أحد المستشارين البرلمانيين، مضيفا: "هذا النقاش سيمكننا من تسليط الضوء على الريع الحقيقي، وإذا كان المغاربة يَرَوْن أن مليونا وأربعمائة ألف درهم سنويا، التي تشكل حجم معاشاتنا هي الريع الحقيقي الذي ينبغي محاربته، حْنا مْستعدّدين لتعديل القانون ونحيّدو كاع هاد التقاعد".