كم يحز في النفس أن تبزغ سفسطة الكلام وتبلغ مبلغها الغائر،وتأخذ لها موقع الريادة في الخطاب السياسي ،وهي تحمل في متونها كم هائل من الهرطقات ،ووابل من اللامنطق ،أو اعتماد المنطق التبريري المقلوب ،وتشتد سريرة الحكومة،وتتعاضد في الإيقاع بالمواطن تحت أتون القهر و الهدر ،وفي هذا الخضم يستفزنا ويستنطقنا دائما السؤال /اللازمة ،هل تسير الحكومة فعلا وبثبات في المنحى الصحيح نحو الإصلاح،أم أن الأمر لا يعدو أن يكون سوى خطوات ووثبات بئيسة تضفي الكدر والهم والغم وتجلب النقم وتطرد النعم،ففي عمق حالة الضياع القابضة بمعمار الأمل ،تنفضح الأوهام وتتشبث برجحانيتها الصادمة،وتتفسخ الآمال والطموحات وينعقد لها مجلس العزاء،وتعيدنا إلى نقطة الصفر في مساءلة الحلم في حد ذاته إن بقي هناك مجال للحلم فعلا،فكل العناوين الكبرى للإصلاح انكسرت على واقع عبث الكلام وعوز الفعل، وحتى أوسمة الدستور التي تفاخرنا بها سقطت كأوراق الخريف وبشكل متتال لم يمهلها حتى ربيع الشعوب المنهار . فهل الإصلاح هو إطلاق العنان "للسان الفلتان" ليدب في نسق الخطابة ويعكر صفو المخيال والعقل والتفكير ،ويمضي في ثبات نحو اغتصاب الكلام المعقول دون حسيب ورقيب،مع أن التهمة بائنة بينونة كبرى،ولا تحتاج إلى الكثير من العناء للبحث والتحقيق ،فهي بمثابة جرم لفظي مسموع ومشهود يحتقر حتى من مكنه من منصة تدبير مصالح العباد. فهاهي الازدواجية تنضح بأساليب التضليل والتبرير وترسم صورة سوداء على واقع الحال،الذي ينهل من عقل سياسي يكتنز لب وجوهر المتناقضات والمتضادات، ويثوي العقم في التفكير والعمق في التبرير، ومن كبائر اللوغوس الكلامي الحكومي السقوط في الزلات الماكرة التي تمس الحس الشعبي وتستفزه، وتقلب الطاولة على منطق الأشياء السارية ،وعندما يقعد الاستهزاء في محفل السياسة،ويشتد عضده في النيل من الكرامة،وتهلل له الكتائب المباركة والمبايعة،وتسوقه كمنتوج صالح وطاهر،تلكم هي المعضلة الكبرى التي تهز المشاعر ،وتنخر أي بصيص في أمل الإنعتاق من ربقة السلطوية القاهرة التي تتجمل بصورة مزيفة تدعي الكلام باسم الشعب ،كيفما كانت هويتها وإيديولوجيتها النافذة الماكرة،مع أن فقه الواقع والممارسة ينتصر لإيدولوجيا المصالح الحزبية الضيقة،خاصة عندما تتم عملية الارتماء في أحضان التماسيح والعفاريت،ويتم التزاوج مع مصالحها ،وتتحول الأحزاب الماسكة بأمور التسيير والتدبير إلى كائنات أداتية تتقن فن إخماد الأصوات المبحوحة من وطأة القهر والإجهاز عليها،وحتى التمكن من شيطنتها إن لم تستسلم لفروض ربان الريع الجدد الذين نكثوا العهد ،واقسموا إلا أن يكونوا في مواجهة الضعفاء والمهمشين. فرب زلة لسان نافعة وصالحة على الأقل أنها بينت حجم الهوة بين لغة وبلاغة المسؤولين الذين تستهويهم أجود عطور باريس ،وبلاغة ولغة المهمشين المقهورين ،فاللوغوس الحكومي أضحى يبث السموم في نفوس المستضعفين من خلال بث نوع من الالتباسية والابهامية والتضليلية،ومن خلال غرس الوهم في النفوس والأذهان واستمالتها واستلابها،فما معنى أن نبحث عن إنصاف المفسدين الذين أفرغوا خزائن المؤسسات العمومية من جيوب المواطنين البسطاء ،فنمكن "السيد المسؤول" من العيش في بحبوحة بينما المهمش نزيد في فقره وهوانه،وما معنى أن ندافع على تسمين رواتب كبار المسؤولين،ونقوم بالمقابل بهتك عرض الرواتب الهزيلة تحت دعوى الإصلاح ،انه بكل تأكيد منطق مقلوب وازدواجية مقيتة مواربة ومخادعة. لقد صدق "جوزيف ميسينجر "حين قال "أن أنوف جميع الكذابين تصبح أكثر طولا عندما يكذبون ما عدا أنوف رجال السياسة ".