تقرير تركيبي أنجزته "جمعية عدالة من أجل الحق في محاكمة عادلة"، حول تقييم عمل المحاكم المالية بالمغرب، وقدمت خلاصاته صباح اليوم بالرباط، كشف أن التقارير التي يعدها قضاة المجلس الأعلى للحسابات، حول اختلالات المالية العمومية، لا تُثمر نتائج مُرضية، بسبب توقف التقارير عند إحالتها على وزير العدل. وعلى الرغم من أن الدستور ينص، في فصله 47، على أن المجلس الأعلى للحسابات يتخذ، عند الاقتضاء، عقوبات عن كل إخلال بالقواعد السارية على العمليات المتعلقة بمداخيل ومصاريف الأجهزة الخاضعة لمراقبته، إلا أن جمعية "عدالة" ترى أن عمل المجلس لن يفضي إلى النتائج المنشودة، ما دام أنه لا يتمتع بسلطة قضائية. الجمعية الحقوقية اعتبرت أن المؤسسات الساهرة على حماية المال العام (المجلس الأعلى والمجالس الجهوية للحسابات)، بقيت "غامضة، بسبب التنصيص على إحداثها كهيئات للرقابة العليا على المالية العمومية"، مشيرة إلى أن ذلك "يخرجها، عمليا، من مجال القضاء، بصريح النص الدستوري، رغم الاختصاصات المخولة لهذه المجالس". "عدالة" ترى أنَّ الاكتفاء بفرض غرامة مالية ضد من ثبتت في حقه مسؤولية، أو الحكم بإرجاع المبالغ، أو الإنذار، إضافة إلى ما نصت عليه المادة 111 من مدونة المحاكم المالية، من كون العقوبة المالية لا تعفي المعنيّ بالأمر من المتابعة التأديبية والجنائية إذا اقتضى الأمر، "غير كاف لحماية المال العام". وعزت الجمعية ذلك إلى كون العقوبة قد تتوقف عند الغرامة المالية فقط، في حال عدم توفر شروط تفعيل المادة 111 من مدونة المحاكم المالية، مقترحة في هذا السياق ثلاثة خيارات، أوّلها الإحالة على الوكيل العام للملك مباشرة، مع تمتيعه بالحق في المتابعة الجنائية، سواء بناء على إحالة المجلس الأعلى للحسابات، أو من تلقاء نفسه. أما المقترحان الآخران، فيتعلقان بالإحالة على أقسام الجرائم المالية مباشرة، وتوسيع مجال اختصاصها، عبر إحداث غرف جنائية بها؛ واستندت جمعية "عدالة" إلى الأرقام المتضمنة في تقرير صادر عن وزارة العدل والحريات برسم منجزات الوزارة في السنة الجارية، والذي كشف أنّ القضاء لم يحسم بشكل نهائي سوى في 10 قضايا فقط من مجموع القضايا ال83 التي أحالها "مجلس جطو" على وزارة العدل، لتؤكد أنّ التعاطي مع ملفات المجلس ما زال ضعيفا. وفيما يتعلق بالتصريح بالممتلكات، قالت الجمعية إنّه كان إجراء جوهريا من أجل تخليق الحياة العامة، ولكنه "يعرف قصورا، باعتراف المجلس الأعلى للحسابات نفسه"، بحسب تعبير عضو الجمعية، يونس وحاولو، الذي قدّم التقرير، لافتا إلى أنّ حجم التصاريح، التي بلغت 100 ألف، يجعل المحاكم تجدُ صعوبة في تدقيقها، بسبب غياب الموارد البشرية الكافية، "وبالتالي يتحوّل المجلس إلى مجرد أرشيف لتلقي التصاريح"، يقول المتحدث. وبخصوص مراقبة مالية الأحزاب السياسية، والتي سبق لتقاريرَ أعدّها المجلس الأعلى للحسابات أن كشفت عن الاختلالات التي تعتريها، قال عضو جمعية "عدالة"، إنّ ما ترصده المحاكم المالية من إجراءات غير كاف لضبط الاختلالات التي يعرفها الدعم العمومية الموجه للأحزاب السياسية. وعزا المتحدث ذلك إلى غياب آليات دقيقة تمكن المحاكم المالية من مراقبة طرق صرف هذا الدعم، إضافة إلى أن العقوبات لا تتجاوز سقف توجيه إنذار بالمنع من الاستفادة، أو نزع صفة النائب البرلماني عن المرشحين الفائزين بالانتخابات، معتبرا أن "هذا لا يوازي حجم الاختلالات المالية في الدعم العمومي المخصص للأحزاب". من جهته قال عضو جمعية "عدالة"، محمد بوزلافة، إنّ عدد القضايا التي تُحال على وزير العدل والحريات، وعلى المحاكم، قليلة جدا مقارنة مع ضخامة الأرقام المتعلقة بحجم الفساد، مضيفا: "لا بد من تصحيح هذا المسار"، وأشار المتحدث إلى مسألة تقادم القضايا، قائلا: "التقادم مَنفذ للإفلات من العقاب، ولا يخدم مسألة المساواة أمام القانون، لذلك لا ينبغي أن يكون في قضايا المال العام تقادم ولو مضى عليها عشرون عاما". على صعيد آخر، قال عسو منصور، نائب عميد كلية الحقوق بفاس، إنّ الإحالة، في ما يتعلق بقضايا المالية العمومية، لا يجب أن تكون مقتصرة على الجهات الواردة في مدونة المحاكم المالية، بل يجب أن تفتح أمام الجمعيات المتخصصة في الرقابة المالية، في إطار الديمقراطية التشاركية التي جاء بها دستور 2011. وأضاف المتحدث أنّ رقابة المجلس الأعلى للحسابات يجب أن تشمل رئيسَ الحكومة وباقي الوزراء، معتبرا أنه "لا يعقل أن يعفى رئيس الحكومة والوزراء من مراقبة المجلس الأعلى للحسابات، لأنّ الدستور لم يستثنِ أحدا، ويجب أن يخضع الجميع للمراقبة"، مضيفا: "الخطير في هذا الإعفاء هو أنه بإمكان الوزير أن يمنح تصريحا لمرؤوسيه يوفر لهم حماية وحصانة أمام المحاكم المالية، لأن الرئيس يحل محل المرؤوس، وما دام الرئيسُ مَعفى من المتابعة يصير المرؤوس بدوره معفى من المتابعة"، يورد نائب عميد كلية الحقوق بفاس.