أولا :معطيات وقراءة وثائقية : جهة الإصدار والمرسل إليه: أصدرت وزارة التربية الوطنية بتاريخ 11 دجنبر 2015 مذكرة تحت رقم 134/15 موضوعها فتح باب الترشح لمهام الأستاذ المصاحب بالمدارس الابتدائية اعتمدا على المذكرة الإطار رقم 099/15 بتاريخ 12 أكتوبر 2015 في شأن التنزيل الأولي للرؤية الاستراتيجية 2015/2030 من خلال تفعيل التدابير ذات الأولوية. وتتوجه المذكرة عبر تراتبية إدارية إلى إدارات الأكاديميات الجهوية للتربية والتكوين والمراكز الجهوية لمهن التربية والتكوين، و إلى النواب الإقليمين للوزارة، و إلى مفتشي ومفتشات التعليم الابتدائي، وإلى ومديري ومديرات المؤسسات الابتدائية، وإلى أساتذة وأستاذات التعليم الابتدائي. السياق والأهداف والتنزيل: تحدد المذكرة لنفسها سياقات وأهدافا وطريقة تنزيل، أما السياقات فتتجلى في تفعيل أوراش الإصلاح، وتنزيل التدابير ذات الأولوية، و أجرأة المصاحبة والتكوين عبر الممارسة. أما الأهداف فتبرز في تجويد الممارسة الفصلية وتحسين الأداء المهني اعتمادا على عدة للمصاحبة ومن دون استحضار أي تراتبية على مستوى العلاقة الإدارية. أما طريقة التنزيل فتظهر في اعتماد التجريب والتدرج قبل عملية التعميم. المواصفات والمهام: وضعت المذكرة مواصفات لاختيار الأستاذ المصاحب من خلال المعايير التالية: الخبرة في التدريس؛ القدرة على التواصل والانصات؛ الجدية؛ المبادرة. ثم حددت بعد ذلك المهام التي ستناط بهذا الأستاذ المصاحب من خلال مداخل ثلاث: مداخل تشخيصية: تسهم في تحديد طبيعة المشاكل التي يواجهها الأساتذة أثناء الأداء المهني؛ مداخل علاجية ترمي إيجاد الحلول والمقاربات المناسبة لتجاوز تلك المشاكل ؛ مداخل تطويرية تحديثية تريد استدماج وتفعيل المستجدات في الممارسة المهنية. و عن هذه المداخل الجامعة تبرز الوظائف التالية: المصاحبة المهنية في المجالات التربوية قصد تجويد الممارسة الصفية ودعم التعلمات؛ المواكبة للمتخرجين الجدد لتسهيل اندماجهم في الحياة المدرسية؛ المساعدة في تشخيص صعوبات التدريس وتأطير المتعثرين؛ اقتراح مواضيع التكوين؛ تقاسم الممارسات الجيدة؛ التشجيع والتحفيز على التجديد والانفتاح والتعاون. شروط الترشيح ومعايير الاختيار: وضعت المذكرة أربعة شروط للترشيح هي: الاستفادة من التكوين بأحد مراكز التكوين التابعة للوزارة؛ الممارسة الفعلية لمهنة التدريس لمدة ست سنوات؛ الحصول على نقطة الامتياز في التفتيش؛ خلو الملف الإداري من العقوبات التأديبية. وبعد إعداد ملف الترشيح يخضع المترشحون لمسطرة للانتقاء عبر مقابلة يقيم فيها المترشحون بناء على معايير ستة هي : الاستعداد النفسي و الحافزية؛ أهمية المشروع المقترح؛ التمكن من مواد التخصص؛ التمكن من الكفايات اللغوية والتواصلية؛ التمكن من كفايات الإشعاع والتجديد؛ الإلمام بالمستجدات عامة والتدابير ذات الأولوية خصوصا. إجراءات إدارية تنظيمية: نجمل هذه الإجراءات الإدارية التنظيمية التي أوردتها المذكرة في : قيام النيابة بتكليف المترشح المنتقى بمهام الأستاذ المصاحب؛ اعتماد مخاطب وحيد ممثل في مسؤول مصلحة الشؤون التربوية وتدبير الحياة المدرسية؛ اعتماد برنامج عمل سنوي مصادق عليه من طرف النائب؛ الاشتغال وفق نظام نصف الحصة ؛ الاستفادة من تعويضات التنقل واحتساب المهمة في الترقية الوظيفية وتطوير المسار المهني؛ الاستفادة من دورات تكوينية؛ الخضوع لتقويم بناء على برنامج العمل وعلى استقراء آراء المستفيدين من المصاحبة وعلى نتائج المتعلمين. يتم إنهاء المهام بناء على طلب المكلف او بسبب الإخلال بالمهام بعد تقرير لجنة المتابعة. ثانيا ملاحظات وتساؤلات : لقد كان غرضنا من تقديم المعطيات أعلاه وضع يد القارئ على المضامين العامة لمحتويات المذكرة باعتماد نوع من التصنيف وإعادة البناء، وهي مقدمة ننطلق منها لإبداء ملاحظات وطرح تساؤلات جوهرية حول الموضوع: سؤال منهجية الاعتماد والتنزيل: لم يجف مداد هذا الركام الوثائقي الضخم الصادر عن مؤسستين مختلفتين في المهام والوظائف(المجلس الأعلى والوزارة الوصية)، ولم يتم بعد الاطلاع بله الاستيعاب لمضامين و إجراءات هذه الوثائق، حتى يتم إصدار مذكرات أجرأة لكثير مما تم اعتماده في تلكم الوثائق بعيدا عن أي مشاورات حقيقية مع مختلف المتدخلين والفاعلين التربويين المعنيين مباشرة. وهو يركز الطوابع الارتجالية والاستعجالية لمختلف القرارات المتخذة في تاريخ المنظومة منذ ما سمي بالميثاق على نحو يجعل هذه الإجراءات تواجه بالشك وبالمقاومة وبالتفاعل الضعيف. سؤال المرجعية المؤطرة: استندت المذكرة في بناء مستندها المرجعي على المذكرة المؤطرة للتنزيل الأولي للرؤية الاستراتيجية 2015-2030، وطبعا الكل يعلم الطريقة التي تم بها اعتماد الرؤية الاستراتيجية على الرغم من لبوس الطوابع الاستشارية التي أريد لها أن تلبسها نظرا لارتهانها للمنهجية العتيقة تاريخيا في فرض إصلاحات المنظومة بعيدا عن منهجية تشاركية ديموقراطية شعبية حقيقية. كذا نرى هذا الإصرار على اعتبار التدابير ذات الأولوية استمرارية منسجمة للرؤية الاستراتيجية و الحقيقة أن الوزارة وهي التي سيجت بأسيجة التنفيذ والتدبير إنما أردت إقحام نفسها وسط مؤسسة متمتعة بالرعاية والسيادة. إضافة إلى ذلك إن هذه الرؤية المنتقاة الصادرة عن مؤسسة استشارية تحولت بقدرة قادر إلى مؤسسة منظرة مدبرة بانية إنما صنعت على أعين الماسكين الحقيقيين بخيوط سياسة المنظومة من دون أن تخضع للنقاش المجتمعي ولا للتصويت البرلماني مما يضيع هويتها القانونية والدستورية. غموض الوضع القانوني والإداري: لا تجيب المذكرة إجابة واضحة عن الوضع القانوني الاعتباري للأستاذ المصاحب، باعتبار أن النظام الأساسي الخاص بموظفي وزارة التربية الوطنية لا يتحدث عن "أستاذ مصاحب". هل يتعلق الأمر باستحداث إطار جديد أو بالتمهيد لاستحداثه؟ وعلى الرغم من إشارة المذكرة إلى أن الأمر يتعلق بمجرد تكليف بمهام و أنه لا تراتبية في هذا التكليف يفهم منه وجود علاقة نظامية ما ، فإن غموض هذا الوضع سيخلق إشكالات حقيقية بطبيعة التكليف وحدوده، والسلطة التقديرية للأستاذ المصاحب، والعلاقات المختلفة مع مختلف المتدخلين. ثم إن الشروط المطلوبة للترشيح لهذه المهمة تتحدث عن شرط ست سنوات في الممارسة وهي مدة لا يعتقد أنها كافية لاكتساب مراس طويل بمهمة التدريس، وتضع شرطا لا يفهم منه سوى إقصاء فئة الذين تم توظيفهم على نحو مباشر دون المرور بمراكز التكوين والكل يعلم أن طريقة التكوين ومواضيعه ومناهجه لا تسهم إسهاما حقيقيا في بناء كفايات مهنية مساعدة على أداء مهني ملائم. وإذا كانت مسألة الانتساب الإداري مهمة في وضوح الوضع القانوني والعلاقة الإدارية فإن ربط الأستاذ الباحث بمخاطب وحيد هو مسؤول مصلحة الشؤون التربوية يزيد من تعقيد وضعية مسؤولي هذه المصالح لتعدد مهامهم ذات الطابع الإداري أساسا التي ستمنعهم من متابعة حقيقية للأداء الوظيفي لهذا الأستاذ المصاحب. هذا إلى جانب أن هذا الارتباط لا يتم توضيحه هل هو انتساب إداري تراتبي أو هو مجرد علاقة تتبع وتقويم أو غير ذلك وكيف سيتم تنظيمها وترتيبها؟. لا تطرح المذكرة العلاقة النظامية مع مكونات مهمة في المنظومة ، مع مديري المؤسسات التعليمية؛ مع المفتشين التربويين، مع الأساتذة المصاحبين أنفسهم... لا تحدد المذكرة عدد مرات تجديد التكليف، ولا يدرى لم كان النائب هو المخول الوحيد للمصادقة على برنامج العمل السنوي؟ وبناء على أية معايير ستتم هذه المصادقة؟ و كيف ستعتمد نتائج المتعلمين لتقويم عمل الأستاذ المصاحب؟ ولا معطيات عن عدة المصاحبة المذكورة ولا عن طرائق التكوين والمكلفين بها، ناهيك عن الاحترازات البينة في بعض المواضع من بينها مسالة التعويضات الخاصة بالتنقل التي ربطت بالضرورة ، وحضور إطار من مراكز التكوين في لجنة المتابعة. ضخامة المهام وسؤال ظروف الأداء: طبعا يلحظ القارئ المتمعن للمذكرة خلطا بين المواصفات المطلوبة في المترشح والمهام المنوطة به، وسيلحظ على نحو أدق ضخامة المهام الموكلة للأستاذ المصاحب التي يتداخل فيها التشخيص مع المعالجة مع التطوير والتحديث. ودون هذه المهام إشكالات عويصة من قبيل كيفية تدبير زمن الممارسة المهنية وظروفها في ظل مشاكل التنظيم التربوي وفي ظل خصاص أطر التدريس؟ كيفيات التنفيذ الإجرائي للمذكرة هل سيتم اختيار أستاذ واحد في كل مؤسسة أو سيكتفى بأستاذ واحد لمؤسسات متعددة مع ما يعنيه ذلك من تعدد العلاقات وكثرة المؤطرين وصعوبات التنقل؟ والموازنة بين الأداء المهني الخاص وأداء وظائف المصاحبة وغير ذلك من المشاكل التي يعرفها ميدان التأطير التربوي منذ عقود. ثم هل يمتلك هذا الأستاذ المصاحب من الكفايات المنهجية والتواصلية والعلمية ما يمكنه من أداء هذه المهام العويصة حتى على ممارسين متمرسين في ميدان الفعل التربوي لسنين عديدة. إطار المفتش التربوي والطريق إلى الانقراض: تكفي القراءة السطحية للمذكرة ليكتشف هذا المكر الهادئ الكامن الذي يضع وظائف إطار قانوني وإداري موضع التساؤل. لم يذكر السادة المفتشون التربويون إلا في مواضع باهتة محدودة هي : عند ذكر جهة المرسل إليهم، وعند الحديث عن شروط الترشيح في نقطة التفتيش ، وعند إبداء الرأي في المترشح، وفي إطار لجنة المقابلة ولجنة المتابعة وتسهيل ممارسة المهام. وكلها مواطن لا يحضر فيها المفتش إلا في وضعية المسهل الممهد لاختيار المترشح من دون أن تحدد المذكرة علاقة الأستاذ المصاحب بالمفتش التربوي ولا وظائف المفتش في متابعة وتقويم والمصادقة على عمل هذا الأستاذ. ما الذي تبقى للمفتشين التربويين من مهام بعد إجراءات تنزيل مهام الأستاذ المصاحب؟ ما العلاقة النظامية التي تربط الأستاذ الباحث بالمفتش التربوي؟ هل الأستاذ المصاحب هو الحل الاستراتيجي أو المؤقت للخصاص المهول في هيئة التأطير والمراقبة التربوية؟ ما حدود اختصاصات كل طرف؟ ما هي إمكانات التداخل والتضارب أو الالتقائية في هذه الاختصاصات؟ ما وظيفة التفتيش التربوي في تأطير ومصاحبة الأستاذ المصاحب؟ هل تشي هذه الخطوات الإجرائية بتطور في منظور التفتيش التربوي لدى القائمين على الأمر يقصر وظائفهم على جوانب تقييم وتقويم الممارسة الفصلية وافتحاص نتائج العمل بمعزل عن وظائف التأطير والتكوين؟ أسئلة تدخل في دوائر المسكوت عنه في منطوق المذكرة بصمتها عن التطرق إليها أو الإلماع إليها. على سبيل الختم: هل هذه هي بعض من بركات استجابة الوزراة لما تطرحه هيئة التأطير التربوي من إشكالات مرتبطة بالوضع الاعتباري للهيئة وبوظائفها في دعم جهود ما يعتبره البعض إصلاحا وبانتسابها الإداري واستقلالها الوظيفي؟ هل اختلط على وزارتنا الأمر ففهمت معنى الاستقلالية الوظيفية بمفهوم الإقالة من المهام فنابت عن الهيئة في حل مشاكلها عن طريق التمهيد لوضع إطار المفتش التربوي موضع الانقراض من باب كم من حاجة قضيناها بتركها والأمر ما ترى لا ما تسمع ؟