-فوز اليمين المتطرف بفرنسا نموذجا- المُلاحظ من لدُن مُتتبعي المشهدِ السياسي الدولي، أنّ الأحداث الإرهابية التي ضربت العاصمة الباريسية ذاك الشهر ساهمت في فوز اليمين المتطرفِ هذا الشهر، في إنتخابات المناطق) الدور الأول( ، ولربّما لا نبالغ إن قلنا أنها ستكون كارثة متعددة الأوجه إن تمكّن هؤلاء العنصريّون / الإقصائيون من الفوز بالانتخابات البرلمانية السنة القادمة، (والقول بأنهم عنصريون إقصائيون ليس افتراء وإنما وصف موضوعي) حيث لاشك أننا سنشهد أكثر الإجراءات تشددا وتطرفا بل وعنفا في تاريخ الجمهورية الحديث، تستهدف فئات على رأسها فئة المهاجرين القاطنين بالديار الفرنسية خصوصا الجالية المسلمة بمختلف جنسياتها ومن جاليتنا المغربية، هنا يمكن أن نطرح السؤال التالي: مالذي أدى لفوز حزب لا يملك شعبية ؟ إذا أردنا أن نحوّل هذه الملاحظة إلى معادلة رياضية تعتمد منطق الإستلزام والتكافؤ "L'implication"، فلعل من الممكن القول أنه: " لولا هجمات الإرهاب لما تَمّ الفوز بالانتخاب " هنا أصبح الإرهاب في المعادلة شرطا لفوز الجبهة الوطنية بانتخابات ما كانت لتحلم بها لولا هذا الطارئ، وبتعبير آخر الجميع يعلم أن اليمين المتطرف الفرنسي ليست لديه قاعدة شعبية مهمة ولا يعبر عن الأغلبية، والجمهور الفرنسي لا تستميله خطاباته الرنانة ولا إيديولوجيته البائدة، ولن يصل سدة الحكم مهما بقي الشعب الفرنسي مؤمنا بشعار الجمهورية " حرية، مساواة، إخاء" هذا بشكل عام، لكن ماذا لو وقع استثناء تتحول فيه مكونات المعادلة عندما يدخل الخوف كعامل له أهميته داخل اللعبة السياسية؟ لا أحد يستطيع أن ينكر أن سلوك الإنسان يتأثر بمجموعة من المؤثرات داخلية كانت أم خارجية، ومن بين تلك المؤثرات: الخوف كعامل سيكولوجي يؤثر في الأمد القريب والبعيد في طريقة تفكير الفرد والجماعة ومن تم في السلوك السياسي ومنه السلوك الانتخابي، ولو أردنا التحدث عن ظاهرة استغلال الخوف لأغراض سياسية لما صارت مقالة واحدة تكفي بل لربما سنضطر لتأليف كتاب حول " الخوف كوسيلة لتسيير الشأن العام- مقاربة سيكولوجية وسوسيولوجية للسلوك السياسي – " وربما يخرج هذا المؤلف للوجود إن توفقنا في ذلك، وهنا لابأس بأن نشير إلى وجود عدة مقالات تطرقت للخوف سواء داخل مجال علم النفس السياسي وعلم الإجتماع السياسي أو غيرها من التخصصات ومن بين الكتابات: كتاب "La politique de la peur" وكتاب "La peur: histoire d'une idée politique " ومقال"Gouverner par la peur en démocratie" وكتاب "Peur et soumission politique"وأيضا مقال "De la peur comme moyen de gouverner" وغيرها مما ينحو في هذا الإتجاه. وبالعودة لعلاقة الإرهاب بالانتخاب، لربما يبدو جليا أن ذاك الخوف Phobieالذي ولدته الهجمات الإرهابية دفع مجموعة من الناخبين إلى التوجه إلى أقصى اليمين وفي ذلك إشارتين، الأولى تعبير عن سخط دافعي الضرائب من سياسات الحزب الاشتراكي الحاكم، والإشارة الثانية جر لأذن الحزبين الأكثر شعبية (اليمين واليسار) وتنبيه مفاده أن المواطن الفرنسي يستطيع أيضا التخلي عن اليمين واليسار والإستعاضة عنهما بالتوجه نحو أقصى اليمين حيث تنتظرهم جبهة "لوبين" بالكثير من الوعود و حسن تدبير مجموعة من الانتقادات التي توجه للحزبين الأكثر شهرة. أكيد أن الإرهاب كان له أثر على انتخاب اليمين المتطرف خلال الدور الأول، لكن ليس ذلك هو المفاجئ في الأمر، بل كانت المفاجئة حسب كل المتخصصين في الشأن السياسي الفرنسي هي سقوطه في الدور الثاني، أي أن ذاك التأثير كان مجرد تأثير لحظي ولم يتمكن من المكوث طويلا، حيث سرعان ما تلاشى خلال الجولة الثانية التي شبهها بعض المحللين السياسيين "بالإنتخاب الانتقامي" حيث ما كادت "الجبهة الوطنية" تنتشي بطعم الفوز حتى انتزع منها انتزاعا إبان الدور الثاني فخرجت بخفي حنين، وفي ذلك عبرة لكل الفاعلين السياسيين في الساحة السياسية الفرنسية و رسالات أهمها أن الفرنسيين لازالوا متخوفين من اليمين المتطرف أكثر من تخوفهم من الإرهاب نفسه.