"هذه التماسيح التي ترون، تعيش في منزلي، ولقد انتشلتها من خطر الموت الذي يتهدّدها من أولئك الذين يلتهمون لحومها خلال الحرب الأهلية".. بهذا التعبير استهلّ ألبرت نغونديرا حديثه ، ويداه تداعبان رأس تمساح صغير من وراء القضبان الحديدية السميكة، وهو "منقذ التماسيح" في بوروندي، و"حاميها" كما يحلو للكثير من السكان تسميته. في مكان شبيه بحديقة حيوانات مصغرة، واقع في ضاحية "موتمبوزي" بالعاصمة بوجمبورا، على الحدود مع الكونغو الديمقراطية، تمدّدت 8 تماسيح ضخمة، بينها 4 من الذكور، في مياه 4 برك أعدّها ألبرت، بعناية فائقة، وأحاطها بسياج شائك محكم الإيصاد. وبنبرة امتزج فيها الفخر بالأسى عاد ألبرت إلى بداياته في هذا التعاطي.. وقال: "أطلقت مشروعي عام 1994، في ذروة الحرب الأهلية التي دامت من 1993 حتى 2006، وتحديدا عقب اغتيال الرئيس ملكيور نداداي. لقد كان الناس يتقاتلون على الحيوانات، والتماسيح لم تكن محمية، بل كانت تقتل من أجل استهلاك لحومها، في ظل المجاعة المنتشرة وقتها". "أذكر أيضا"، يتابع بذات الصوت المشحون بالغضب، أنه "خلال تنصيب نيلسون مانديلا، في 10 ماي 1994، رئيسا لجنوب إفريقيا، ذبح بالمناسبة تمساح، ولقد شاهدت كيف أنّ كبار الشخصيات في البلاد شاركت في أكل لحمه، وحينها فقط أدركت أن للتمساح قيمة وهيبة وأهمّية كبرى، وهذا ما يستدعي حمايته". ومنذ ذلك التاريخ، دخل مشروع "المنقذ البوروندي" حيز التنفيذ.. "ابتعت 12 تمساحا من عند الصيادين، بأسعار تراوحت بين 18 و37 دولارا لكل تمساح"، يقول: "لرعايتهم، قدّمت لهم قطع لحم وأسماكا الصغيرة، لكن، للأسف، مات 4 منهم". هي خسارة دفعت الرجل إلى استثمار كامل جهوده في المحافظة على ما تبقّى له من تماسيح. "إنه مشروع شديد التطلّب"، بهذه العبارة وصف مربي التماسيح النفقات المرتفعة لمشروعه الطموح، فهو ينفق ما يناهز 400 دولارا أسبوعيا على ما يعتبرهم "أبناءه". وهي تكلفة تعتبر ضخمة، غير أنها لم تثنِه عن تحقيق حلمه المستقبلي بإنشاء "حديقة للحيوانات"، على غرار تلك الموجودة في بلدان شرق إفريقيا، والتي حظي بفرصة زيارتها، مشيرا إلى أن "حديقة الحيوانات بكامبالا، بأوغندا، تضمّ ما يفوق 5 ألاف تمساح، في حين تأوي نظيرتها في نيروبي الكينيّة نحو 10 ألاف، إضافة إلى حديقة الحيوانات بدار السلام في تنزانيا، والتي تضم تماسيح وقعت تربيتها من قبل مواطنين عاديين".. جملة من المعطيات بعثت في نفس ألبرت نغونديرا الكثير من الأمل، وحفّزته على المضي قدما بمسعاه، متجاوزا جميع الصعوبات التي اعترضت طريقه .. "هذا ما حفّزني على إنشاء مشروعي أكثر من أي وقت مضى"، يضيف ألبرت بتصميم ترجمته نظراته الواثقة، قبل أن يتابع: "تلك التماسيح بمثابة أبنائي، ولذلك أبذل قصارى جهدي من أجل أن أتمكّن من إطعامها والعناية بها".. بينما هذا الشغف يتقاسمه مع زوجته، والتي لم تتردّد في التعقيب على كلامه، قائلة: "قد يسعنا في يوم من الأيام الحصول على ثمار هذه الجهود التي نبذلها أنا وزوجي". طموح مشروع، غير أنه محفوف بالصعوبات والعقبات، خصوصا وأنّ المياه الراكدة في البرك، التي تأوي التماسيح، لا تحفز على تناسلها بحسب ألبرت، ويشير الناشط إلى أنّ "بيض التماسيح غير منتج، ولقد خسرنا أكثر من 200 بيضة، وهو ما دفعني إلى إبتياع حاضنة بيض من الصين ب 625 دولارا"، هي مصاريف مكلفة أرهقت كاهل الرجل الساعي إلى إنشاء حديقة حيوانات تأوي أكثر من 200 تمساح "وسط توفّر الظروف الملائمة لذلك"، على حدّ تعبيره. ويكتفي مربّي التماسيح بالدولارات القليلة التي يجنيها من الزائرين، بمعدل دولار واحد للبورونديين و6 دولارات للأجانب، فإنه عاقد العزم على التشبّث بحلم إنشاء فضاء أوسع، يتّسع للكثير من الحيوانات، مثل القردة والثعابين والسلاحف، مشدّدا على أنّه سيناضل من أجل الحصول على مساحة كافية وملائمة، وأنه لن يستسلم وإن تجاوزت النفقات الإيرادات. عقبات بالجملة تنضاف إلى أخرى ذات طابع قانوني، بما أنّ ألبرت محروم من الدعم المالي لوزارة البيئة البوروندية، بمقتضى الاتفاقية الدولية لتجارة الحيوانات والنباتات المهددة بالانقراض، والتي تحظر على المواطنين تربية الحيوانات على غرار التماسيح، ففي بوروندي، حيث يهدد خطر الانقراض التماسيح، توجد 4 عيّنات فقط في متحف الأحياء، وهي بالعاصمة بوجمبورا، كما يعيش 5 تماسيح بالمحمية الطبيعية في "لا روزيزي"، التي هي أنهار تصب في "بحيرة كيفو"، مقابل أكثر من 50 تمساحا بحسب أرقام مسؤولين بالمحمية المذكورة. * وكالة انباء الأناضول