خصص القيادي في الحزب الاشتراكي الموحد والأستاذ في جامعة محمد الخامس بالرباط، محمد الساسي، مداخلته خلال ندوة حول الدين والقانون، للحديث عن أوجه الاختلاف بين التيارات الحداثية والإسلامية. الساسي، الذي شارك في اليوم الثاني من الندوة الفكرية التي نظمتها حركة ضمير، اليوم السبت، قال إن العلاقة بين الدين والقانون لها منظور مختلف من قبل الطرف الإسلامي والطرف الحداثي في المغرب، ذلك أن "موقف الطرفين من قضية العلاقة بين الدين والقانون يتحدد على ضوء موقفيهما من الديمقراطية ومدى تبنيهما لها". وتبعا ذلك، يوضح الساسي أن موقف الحركة الإسلامية من هذه العلاقة هو نتيجة لموقفها العام من الديمقراطية، بحيث إن "هناك حركات جهادية ترفض الديمقراطية جملة وتفصيلا كحركة الصراط المستقيم، وحركة أنصار المهدي، وحركة المرابطون الجدد، وحركة المجاهدين، وحزب التحرير الإسلامي، وجماعة التوحيد والجهاد وغيرها". في مقابل ذلك، يضيف القيادي في الاشتراكي الموحد، هناك حركات إسلامية غير جهادية موجودة خارج المؤسسات؛ مثل العدل والإحسان، وهي "تطرح مقابل الديمقراطية شعار الشورى، إذ تعتبر الشورى أشمل وفي إطارها تأخذ ببعض مبادئ الديمقراطية، لكنها تحترس وتعتبر الشورى مختلفة جذريا عن الديمقراطية"، في الوقت الذي يوجد فيه نوع ثالث، هو الحركات الإسلامية المقربة من اليسار؛ كحركة البديل والأمة، والتي رفعت تحفظاتها عن الديمقراطية على العموم وفي الإجماع. أما النوع الرابع، يضيف المتحدث ذاته، هو الحركات العاملة داخل المؤسسات؛ وأهمها حزب العدالة والتنمية والنهضة والفضيلة، ذلك أن "هذه الحركات لا تعترض على الديمقراطية وتعتبر نفسها جزءا منها، بل تطالب بالتحالف مع مكونات تتبنى الديمقراطية لإنجاح مشروع الإصلاح". وبالحديث عن هذا الصنف الرابع، شدد الساسي على أن هذه الحركات تأخذ بخصوصياتها الدينية والتاريخية، ومن الصعب أن ترفض الديمقراطية علانية، كما تقدم بعض التحفظات عليها لكنها لا ترفضها، "تلك التحفظات تؤدي بها أحيانا إلى تغيرات في الهندسة الديمقراطية، لكن ذلك التغيير يؤدي إلى نسف بناء الديمقراطية". وأبرز الأستاذ في جامعة محمد الخامس بالرباط، عددا من هذه التحفظات، كرفع الشعار القائل بقبول الديمقراطية كآليات ورفضها كفلسفة، وقبولها كشكل ورفضها كمضمون، وتجزئة الديمقراطية وحقوق الإنسان وعدم قبولها كلها، في ما يتم قبولها فقط حينما لا تتعارض مع الشريعة؛ بمعنى أن هناك مساحة لحقوق الإنسان تلتقي مع الشريعة وأخرى تتعارض معها". وبخصوص التحفظ الثالث، بحسب المتحدث ذاته، نجد "الهجوم الشرس على الحريات الفردية، والحجة الأساسية لهذا الهجوم هي أن الحقوق والحريات الفردية تؤدي إلى الاعتداء على الحريات الجماعية"، فيما يتم استعمال بعض قواعد الديمقراطية لضرب قواعد أخرى، "كالقبول بالسيادة الشعبية، كأداة لإهدار قواعد أخرى، واستفتاء الشعب لحلول قضايا معينة من أجل مصادرة الحقوق، فيما إن الأصل في الأشياء هو أن السيادة الشعبية تحفظ الحقوق"، على حد تعبير محمد الساسي. وشدد القيادي اليساري على أن عددا من الحركات الإسلامية تقوم بتكفير الخصوم وتهييج الجماهير ضدهم بطريقة تعرض حياتهم وسلامتهم إلى الخطر من أجل مصالح انتخابية أو غير انتخابية، و"هذا الأمر يترك المجتمع ينغمس في تخلفه من أجل مقاعد انتخابية". الساسي عرّج على البرنامج الانتخابي لحرب العدالة والتنمية، مؤكدا أنه استنتج منه أن القضايا التي لها علاقة بالإسلام في القانون، في المجالات كلها، والتي يمكن أن تأخذ حلولا إسلامية، لا تتجاوز 2.6 في المائة. واسترسل المتحدث ذاته في انتقاد حزب العدالة والتنمية، وطالب بمنح القضاء الدستوري حق الملاءمة مع الشريعة الإسلامية، متسائلا: "كيف ستتم هذه الملائمة وكيف للمحكمة الدستورية أن تنظر بعد إصدار القوانين هل هي إسلامية أم لا؟"، معتبرا أن هذا الأمر "يؤدي إلى التنقيص من الحقوق التقليدية التي يتمتع بها ممثلو الشعب بالبرلمان الذين يمثلون الإرادة العامة". الساسي زاد أن "العدالة والتنمية تدَخَّل لحذف حرية المعتقد من الدستور وأدخلها في أطروحة مؤتمر الحزب، وقال حينذاك نخاف أن تستغل هذه الحرية للمس بالإسلام والإضرار بالأمن الروحي المغاربة، وهذا الأمر ينطلق من نظرية أن الحرية خطر على الإسلام"، مشددا على أن "الخطير في حذف حرية المعتقد هو الازدواجية، فعندما يخاطبون الغرب يواجهونه بمبادئه، لكن في خطابهم داخل المغرب فالأمر لا يتحقق". وشدد القيادي اليساري على أن "حزب العدالة والتنمية ليس حزبا عاديا، بل إنه يدافع عن مصالح فئة العلماء وغالبية مشاريعه أخذها من الشريعة والدين"، كما أنه طالب، بحسب الساسي، ب"توسيع صلاحيات وزارة الأوقاف وتخويلها حق التدخل في جميع الوزارات الأخرى"، مستنتجا "أننا إذن أمام الدعوة إلى تحويل وزارة الأوقاف إلى أم الوزارات".