يتميز المغرب عن باقي دول الجوار بوجود نظام سياسي يستند لعدة مشروعيات تتوزع بين ما هو ديني و تاريخي و اجتماعي و دستوري يوجد على رأسه المؤسسة الملكية التي تعتبر عنصر إجماع لدى كل المغاربة وقد مثلت عبر ثلاث قرون من الحكم السياسي ما يقوي شرعيتها و يجعلها عامل قوة في تحقيق الاستقرار السياسي و الحفاظ على الأمن العام داخل المجتمع على الرغم من اختلاف عاداته و تقاليده وثقافته الاجتماعية،فعلاقة ساكنة الصحراء بالسلطان لم تكن وليدة لحظة تاريخية تحكمها مصالح سياسية محددة، بل إرتبطت بما يسميه الفقهاء " بعقد البيعة السياسية" التي ترتب إلتزامات متبادلة بين الحاكم و المحكوم و كنتيجة لذلك حظي الصحرايون بمكانة خاصة لدى الملك تجسدها كل الخطابات الملكية عبر التاريخ. إن المتتبع لكل الخطابات الملكية بمناسبة عيد المسيرة الخضراء و مناسبة عيد العرش الملكي سيلحظ أن ساكنة الصحراء تحظى برعاية ملكية خاصة و ذلك من خلال الاعلان عن مبادرات سياسية كبرى نذكر منها : مبادرة الحكم الذاتي في سنة 2007 و الاعلان عن ورش الجهوية المتقدمة في 2010 و النموذج التنموي للأقاليم الجنوبية سنة 2013 وهي كلها مبادرات تنتظر التنزيل حتى يتعزز الرباط الوثيق بين مؤسسات الدولة و ساكنة الصحراء و يتقوى جدار الثقة بين الحاكم والمحكوم،فكثيرة هي القرارات المعبرة عن الارادة السياسية العليا للدولة، لكن يبقى الخلل و النقص على مستوى الانجاز و مدى إستفادة ساكنة الصحراء من مختلف المشاريع المقترحة. إن سؤال الحكامة الجيدة و ربط المسؤولية بالمحاسبة أصبح يشكل أولوية في سلم تدبير الشأن الجهوي المرتبط بالصحراء، فالمقاربة المعتمدة على ولاء الشيوخ والأعيان لم تعد كافية في زمن سياسي أصبحت الديموقراطية و التنمية أحد المفاتيح الآساسية لمباشرة عملية الاصلاح من الجنوب إلى الشمال، و هنا لابد لنخبة الصحراء و مثقفيها من إثارة قضايا تدبير الشأن المحلي في عمق النقاش السياسي في مختلف الفضاءات و اللقاءات الفكرية و الاكاديمية لتنوير الرأي العام المحلي وهي خطوة مهمة لكي نتجاوز لغة الخشب و المفاهيم ذات البعد التقليدي التي تكرس هيمنة و تحكم فئة بعينها. إن التحدي الآساسي لكسب الرهان حول القضية الوطنية هو التسويق الجيد لمبادرات الاصلاح و ما يتمتع به بلدنا من إستقرار سياسي و تداول سلمي حول السلطة و ما تجسده قوة و صلابة المؤسسات السياسية للبلاد بدءا بالحكومة وصولا بالبرلمان و انتهاءا بمؤسسة القضاء، فالمتتبع للشأن السياسي المغربي سيخلص إلى نتيجة مفادها أن بلدنا إستطاع أن يجسد نموذج دولة الحق و القانون. إن الزيارة الملكية المرتقبة للصحراء تريد أن تبعث برسالة سياسية مفادها أنه لا يمكن للمغرب أن يرهن موضوع الصحراء بمواقف دول الجوار، و تماشيا مع خطوات الاصلاح التي دشنها بلدنا منذ مصادقته على الدستور الجديد و ما تلا ذلك من استحقاقات انتخابية برلمانية و جماعية لم يطعن أحد في مصداقيتها فإننا نعتبر أن المدخل الأساسي لإنهاء النزاع حول الصحراء هو التشبع بثقافة سياسية قوامها الديمقراطية و جعلها سلوكا و ممارسة يعيشها المواطنون بالصحراء، وكنتيجة لذلك تكريس و تنزيل نموذج تنموي يضمن للساكنة عيشا كريما بعيدا عن أية مساومة أو مزايدة في التعبير عن الانتماء للوطن و الأمة.