برحيل الروائي والكاتب جمال الغيطاني، أمس الأحد، بأحد مستشفيات القاهرة عن عمر ناهز 70 عاما، تكون الساحة الثقافية المصرية قد فقدت أحد كبار رموزها ،كرس حياته للتنقيب في التراث والتاريخ ليقدم للقارىء المصري والعربي أعمالا متميزة جعلت منه أحد أبرز الكتاب والروائيين العرب. واكتسب الغيطاني، الذي أصيب قبل أكثر من شهرين بأزمة قلبية أدخل بسببها للمستشفى وظل في غرفة العناية المركزة حتى وافته المنية، تجربة حياتية متنوعة انعكست في أسلوبه المتميز في الكتابة ، حيث بدأ مشوار الكتابة كمراسل حربي أثناء حرب أكتوبر 1973 مع إسرائيل ، لفائدة صحيفة "الأخبار"، التي ظل يكتب بها حتى أقعدته الأزمة الصحية التي ألمت به، والتي غادر على إثرها الدنيا، تاركا رصيدا هائلا من الإبداعات الروائية ، فضلا عن أبحاث ومقالات حول قضايا سياسية وفكرية واجتماعية وغيرها. بالإضافة إلى إسهاماته الروائية، قام الغيطاني (يمينا في الصورة) في بداية التسعينات بتأسيس أسبوعية "أخبار الأدب" المتخصصة في قضايا الأدب والثقافة المصرية والعربية على السواء، والتي كانت منبرا تعرف من خلالها القراء داخل مصر، وفي أغلب الأقطار العربية، على العديد من الأسماء والمبدعين، وكانت لسنوات منبرا للعديد من الكتاب والنقاد العرب. والغيطاني، إلى جانب مجموعة من المبدعين المصريين منهم الكاتب يوسف القعيد، والممثل الراحل أحمد مظهر والمخرج الراحل توفيق صالح ، كان أحد أعضاء جماعة "الحرافيش"، نسبة لأحد الأعمال بنفس الاسم للأديب المصري الراحل، الحائز على جائزة نوبل للآداب نجيب محفوظ، وهي الجماعة التي كان يلتقي بها هذا الأخير أسبوعيا. واكتسب هذا اللقاء الأسبوعي، الذي كان يتم على متن إحدى البواخر الراسية على ضفاف النيل، أو أحد المقاهي قرب "ساحة التحرير"، شهرة فاقت حدود مصر نظرا لما كان يثيره من قضايا، وخاصة الآراء والأفكار التي كان يطرحها نجيب مفوظ، بعد أن أصبح مقلا في الكتابة على إثر طعنة غادرة تعرض لها في محاولة لاغتياله من قبل أحد المتطرفين في عام1995. وارتبط الغيطاني بالقاهرة العتيقة التي عشقها وكتب عنها الكثير كما عشق كل المدن العريقة من المغرب حتى العراق والشام، وكذا الأدب الصوفي الذي كتب عنه كثيرا ، معتبرا أن الثقافة العربية غنية بماضيها وتاريخها، ويجب التنقيب عن كل ما هو جميل فيها ، وتقديمه للقارئ ليتعرف عليه. وكان الغيطاني يصنف نفسه بأنه كاتب نشأ على مبدأ أن الحياة مواقف ، وعلى فكرة العدالة الاجتماعية التى قادته إلى تبني الإيديولوجية الماركسية التي دخل السجن بسببها ، قبل أن يخرج من عباءتها ويبتعد عن الأحزاب، دون أن يتخل عن فكرة العدالة الاجتماعية والانحياز لقضايا الشعب المصري . وجاءت وفاة الغيطاني مفاجئة بالرغم من أن فترة مرضه طالت، خاصة بعد أن قال الأطباء في البداية إن قلبه توقف لربع ساعة ثم عاد للخفقان، وهو ما اعتبروه أملا في شفاء لم يتم. * و.م.ع