يعتبر تيودور مونود-2000.1902- وهو العالم الفرنسي الطبيعي، المستكشف، المفكر والفيلسوف الإنساني، أكبر متخصص عالمي في الصحراء، على مدى القرن العشرين، كما تعتبر منشوراته التي تجاوزت الألف ومائتين (1200) أعمالا مرجعية في العديد من التخصصات. وأنا أتصفح بعض الوثائق ذات التعلق بالصحراء المغربية بالأرشيف الرقمي للمكتبة الوطنية الفرنسية، عثرت على دراسة وثائقية، من 25 صفحة، تحت عنوان:Notes documentaires sur les relations historique du Maroc avec la sahara occidental. يستهلها هذا العالم، الرحالة، الذي "تعرف الصحراء وطأته" بقوله: تهدف هذه الخلاصات بكل بساطة وتواضع- إلى تجميع عدد من المعلومات والاقتباسات، من خلال قراءات حديثة. وهي تخص مسألة مهمة: الحدود الصحراوية للمغرب. هذه المسألة تهم، بالدرجة الأولى، المؤرخين، الجغرافيين، وحتى البيولوجيين. لقد بدا لي أن هذه الصفحات يمكن أن تقدم اليوم بعض الإفادات للذين يبحثون ليس عن تغليب أطروحة- بل عن الحقيقة. تندوف في الأرشيف العسكري الفرنسي: يقول مونود: إن الذي يصل إلى تندوف، من جهة الجنوب، انطلاقا من تارودانت، عبر الحنك- على ظهر الجمل، تحصل لديه قناعة مفادها أنه لامس تندوف حينما وصل إلى أول قصر صحراوي في الجنوب المغربي. إن المعمار واللباس، وحدهما كافيان لترسيخ هذه القناعة. يمكن أن تكون هذه الملاحظة بدون قيمة، لو لم تكن مؤكدة من طرف أولائك الفرنسيين الذين وصلوا إلى تندوف، لأول مرة، سنة 1925، ضمن تجريدة عسكرية. يصرح الملازم "دولاباريير" في دراسته الميدانية عن تندوف وتدجكنت، بعين المكان، في يوليوز 1926، قائلا في الصفحة 320: "لا وجود، في كل قصر من القصور الثلاثة للمنزل البئيس، المعتاد، لساكنة الواحات. هنا نلاحظ، على العكس، انتظاما في المعمار وأناقة، وبحثا واعيا عن الراحة؛ مما لا نلاحظه إلا في المدن المغربية في التل الشمال إفريقي". ويضيف ،بعد وصف للبنايات: إن تندوف ، في الواقع،نموذج مصغر للمدينة المغربية.. الملازم "بيجو"، الذي كان ضمن البعثة، لا يخالف هذا الرأي. يقول: "لقد سبق أن تحدثنا عن اندهاش البعثة حينما اكتشفت في تندوف؛ ليس قصرا صحراويا، بل ثلاث مدن مغربية بمنازل جيدة البناء، تعلوها صوامع أنيقة"، هيسبريس العدد 10/1930.ص:185 لاحقا سيؤسس القبطان "ريسوت"، على هذه المعاينات الاثنوغرافية الخلاصات السياسية؛ ففي دراسته تحت عنوان: "منطقة الصحراء الغربية الخلافية"، يرى أن المنطقة المعنية يحدها غربا المحيط الأطلسي، وشمالا سفوح الأطلسين الصغير والكبير، وشرقا خط5 درجات غ، وجنوبا خط 22 درجة ش: فبالنسبة له-سواء من الناحية التاريخية أو السياسية- فإن هذه الصحاري الشاسعة، حيث التنوع الكبير للأعراق، ترتبط بالمغرب. ص323 ثم يشرح: "إن تجمعات الرحل، التي تنتشر من الجنوب المغربي إلى موريتانيا، أولاد بوسبع، آيت أوسة/عيسى، الركيبات، أولاد دليم رغم بعض الألفة التي تجمعهم بالموريتانيين- فإنهم يحتفظون بروابط قوية مع المغرب؛ حيث جذبتهم على الدوام ضرورة المبادلات التجارية، كما انخرطوا، في مختلف العصور، في الحملات ذات الطابع الديني، المناهضة للدول القائمة، أو المواجهة للغزو الخارجي، تحت إمرة رجال دين نافذين". وهذه خلاصة القبطان "ريسوت"، كما أوردها الكومندار "جيليي" في (الدخول إلى موريتانيا): "لا يجب أن تكون تيندوف محتلة من طرف الجزائر، البعيدة جدا (1750 كلم. المترجم)؛ بل يجب أن تربط بمرفق درعة، وبناء على هذا فهي تابعة للمغرب". نترك معاينات الضابط لنقارب معاينات الجغرافي؛ ففي سنة 1930، خلال المؤتمر السابع للدراسات العليا المغربية؛ وقد ضُمنت أشغاله في العدد11 من مجلة هيسبريس1930/1931، يقول"سيليريي": "إن الوظيفة الخالصة للمغرب، المستمدة من أصالته، هي أن يكون صلة الوصل بين أوروبا المتوسطية وإفريقيا الاستوائية. إذا تجاهلنا، سواء ما جاءه عبر الصحراء، أو إشعاعه عبرها، فإننا نشوهه؛ ونحكم على أنفسنا بأننا سنظل نجهله". ص:8 يواصل: "ينتهي المغرب، جنوبا بمجال صحراوي متفاوت من حيث التشكل، من الانخفاض غربا، حيث يتماهى مع الساحل الأطلسي إلى الشرق، حيث تسود خصائص الجنوب الجزائري" ص:11،12. "من خلال هذا المجال الذي يوسع، جنوبا، المغرب الخالص، تجد المجموعات البشرية لإفريقيا الشمالية نفسها قريبة من المجموعات البشرية لإفريقيا الاستوائية. يجب أن نستحضر في أذهاننا على الدوام أن تيندوف التي يذكر الملازم "دولابريير" منازلها الأنيقة الجديرة الانتماء لفاس، موازية تقريبا لعين صالح... في هذا المجال الصحراوي المغربي تصادمت وامتزجت شعوب الأبيض المتوسط، والصحراويون، والسودانيون. هذا ما يفسر ما يظهر، حتى في الريف، من رسوم ذات أصل سوداني ...وهذا ما يجعل الموسيقى الزنجية ذات وقع على الوجدان المغربي أكثر من وقع الفن الإسباني المغربي. انتهى الاقتباس عن مونود. تندوف الحالية، في أرقام: تعتبرها الجزائر ولاية تابعة لها، وهي بمساحة: 168000 كلم مربع، تقطنها ساكنة تقارب 60000 نسمة، حسب إحصاء 2010. مساحة تندوف المدينة: 70009 كلم مربع، بساكنة تقدر ب:54666 نسمة. تتوفر تندوف على جامعة تسع 1000 مقعد بيداغوجي، وإقامة ب:500 سرير. وتتشكل روافدها من 8 ثانويات، 13 مدرسة أساسية، 19 مدرسة للطور الأول والثاني.. (مصدر الإحصائيات: ويكيبيديا) الانقلاب الجزائري على اتفاقية 5 يونيو 1972: كما هو معلوم، حتى لدى الأممالمتحدة، رسمت هذه الاتفاقية الحدود بين المغرب والجزائر، بكيفية أتت على حقوق ترابية، وبشرية، ثابتة للمغرب، في تندوف، بشار، حاسي بيضة والقنادسة. ومهما يكن من أمر هذه الاتفاقية- أو القسمة الضيزى- فإنها لا تتضمن، إطلاقا، إباحة استقبال انفصاليين مغاربة في تندوف، وأكثر من هذا اتخاذهم ناقة، غبية ومعصوبة العينين، لعرقلة استعادة المغرب لصحرائه من الاستعمار الإسباني. ولكم واسع النظر: في نصرة التاريخ، الجغرافية، أبحاث العلماء وتقارير العسكريين الفرنسيين؛ واستحضار الموقع الجيوسياسي للمملكة المغربية بالنسبة للاتحاد الأوروبي؛ خصوصا في ما يتعلق بالقضايا الشائكة للهجرة، وبلورة نموذج عالمي متكامل لتجفيف منابع الإرهاب؛ أو الانتصار لانفصاليين بمطالب عقارية ليس إلا. انفصاليون أكدت مؤشرات عدة أنهم لا يرغبون في أي حل مغربي أو أممي، لأنهم يرون أن الارتزاق بالمشكل المفتعل أكثر ربحا من حله. وتستغل الجزائر هذا الجشع، فيهم، لتخدم أجندتها، الموروثة عن الحرب الباردة.