تعتبر الانتخابات تجلي من تجليات الديمقراطية والية من آليات تنفيذها وتنزيلها، كما تواكب عملية الانتخابات على المستوى النظري مجموعة من المفاهيم مثل "السلوك الانتخابي" و"الممارسة السياسية" و"الانفعال السياسي" وغيرها من المصطلحات. في هذا السياق عرف المغرب تنظيم مجموعة من المحطات الانتخابية كان أخرها انتخابات 4 شتنبر 2015، وقد عرفت الانتخابات المغربية تطورات مهمة وتحسنا، غير أنها كذلك مازالت تعرف تعثرات وثغرات عديدة يمكن أن نسميها البؤر الانتخابية. وهذا شيء طبيعي مادام المغرب لم ينهي ويستكمل بناءه الديمقراطي الذي ككل التجارب يعرف صراعات وتناقضات واستقطابات، فهناك من يحاول أن يتقدم بالعملية السياسية للأمام وإصلاحها وتطويرها وهناك جانب يحاول أن يجرها للخلف وللجمود. عموما، إن ما يحصل في واقعنا السياسي عامة والانتخابي خاصة هو تجلي لتراكمات تاريخية من تأجيل الإصلاحات الجوهرية التي تمس عقلية الإنسان وبنيته الفكرية والسلوكية، وما الانتخابات والسلوكات و الممارسات التي تحيط بها إلا انعكاس واضح لنوعية العقلية التفكيرية والبنية السيكو-ثقافية التي تحدد أفعال الإنسان المغربي. فحينما نلاحظ تعدد المؤسسات والإدارات التي تنتمي إلى منطق الحداثة السياسية فإننا نرى بأن هناك تحول حقيقي قد حصل في العملية السياسية وطرق تدبيرها غير أنها ظلت ناقصة وغير كافية، إذ مع تمحيص دقيق وجولة تأملية في العلاقات الباطنية لهاته المؤسسات فإننا نرى ونستنتج وجود شبكة من العلاقات التقليدانية تتحكم وتحدد مجريات الأحداث ومسارات القرارات لوجهات غير ديمقراطية وبعيدة كل البعد عن منطق وسياق الحداثة السياسية، إنه صراع الشكل والجوهر أو بالأحرى عملية جراحية هجينة غير مكتملة . في ظل هذه البنية الاجتماعية والسياسية يتموقع السلوك الانتخابي المغربي كانعكاس لها، إذ نلاحظ وجود سلوك انتخابي انفعالي يتجلى كرد فعل على نوعية العرض والمنتوج السياسي المقدم من طرف الأحزاب أثناء الحملات والدعايات الانتخابية، فهناك سلوك انفعالي واعي وناضج يتجاوب مع نوعية البرامج ومصداقية الشخص ... وهناك سلوك انفعالي انتهازي ولحظي يفكر فقط في الاستفادة المادية. وتزداد الأمور استشكالا وتعقيدا حينما تجد عدد كبير من المواطنين يسيدون نوعا من التفكير والفعل الذي ينطلق من الأنا المصلحية الضيقة، بمعنى أن المترشح الجيد والصالح هو الذي أسدى لي خدمة شخصية في يوم ما... ولكن حينما تعمق النظر جيدا ترى بأن الأمور لم تأتي من فراغ بل هي نتاج سيرورة من الإخفاقات على المستوى التعليمي الذي أخرج لنا أشكال إنسانية بدون روح وقيم المواطنة، إذا ندور وندور ثم نعود إلى مشكل التعليم الذي مازال يتخبط فيه المغرب تخبطا سيؤدي إلى كارثة لا تحمد نتائجها. المشكل غير مرتبط فقط بالدولة أو المترشحين للانتخابات والمسؤولين المحليين بل هناك مشكل في عقلية مجموعة من السكان أيضا، فأكثر الناس حينما تحدثها عن الانتخابات ودور رئيس البلدية لا يهمها من ذاك شيئا بل يقول لك أنا سأصوت على فلان لأنه حقق لي منفعة شخصية أو سهل لي أمرا معينا أو أعانني في مناسبة ما ... وفي أغلبها تكون بشكل غير قانوني أو تكون خارجة عن مهام وأدوار رئيس البلدية أو المستشار الجماعي، يلتقي في هذا التفكير الأمي والمتعلم. الانتخابات بينت فضاحة وهشاشة تفكير أغلب "المواطنين". إذا يمكن أن نلخص البؤر الانتخابية، وإن كانت عديدة؛ في ستة بؤر ما زالت تعرقل النجاح القوي للانتخابات: - انتشار كبير للجهل وليس فقط الأمية، إذ نجد العديد من الأطر العليا وخريجي الجامعات ... ليس لهم وعي سياسي ولا وعي بالشأن العام وقضاياه وإشكالاته؛ - الحضور الملحوظ للأعيان و"أصحاب الشكارة" وسيادة منطق القبيلة والقرابة خصوصا في العالم القروي. الشيء الذي يفقد الثقة لدى المواطنين في العملية السياسية الانتخابية؛ - استمرار جدل المشاركة والمقاطعة، الأمر الذي يدل على وجود إشكالات عديدة ما زالت عالقة فيما يخص الثقة في البنية السياسية المغربية، فالعمل مازال طويلا لإقناع فئات ليس بالهينة للمشاركة سواء المقاطعين عن وعي أو المقاطعين بسبب عدم الاهتمام؛ - استمرار وجود عوائق قانونية تحد من نجاعة وفعالية الانتخابات، وتتجلى أساس في عملية التحالفات التي تعرقل استكمال ونجاح الديمقراطية المحلية والجهوية، - الترحال السياسي الذي يسبق عملية الانتخابات والذي يشوه المصداقية السياسية للأحزاب، وتشابه البرامج والمشاريع وبالتالي غياب تكتلات على أساس التشابه الفكري والسياسي وحضور تحالفات يحضر فيها منطق المال والقوة؛ - أسلوب الحملات الانتخابية الذي مازال يتأسس على طرائق تقليدية متخلفة والتي لا تحتوي على أي إبداع وتجديد، وبالتالي ينفر ولا يشجع على الإقبال على صناديق الاقتراع.