لمْ يُجْدِ انفتاحُ الأحزاب السياسية المغربيّة على التواصل مع الناخبين خلال الحملة الانتخابية للانتخابات الجماعية والجهوية، من خلال وسائل التواصل الحديثة، في التخلّي عن التواصل بالوسائل "التقليديّة"، وعلى رأسها توزيعُ الأوراق الدعائيّة على المواطنين، ورمْيها في الشوارع والأزقّة، دُونَ أدْنى مُراعاة لاحترام البيئة، أوْ لجمالية الفضاء العامّ. وإذا كانت الأحزاب السياسية تَرى في الأوراق الدعائيّة الحاملة لمضمون برامجها ورموزها وسيلة ذاتَ أهمّية كبيرة للتواصل مع الناخبين، وإقناعهم بالتصويت لها، فإنَّ الأوراق الدعائيّة التي يوزّعها أنصار الأحزاب السياسية يمينا وشمالا، بشكل مبالغ فيه، أضحتْ تُثيرُ حنْقَ المواطنين المغاربة، وصارَ الناسُ يُطالون الأحزاب بالكفّ عن تلويث الفضاء العامّ. تقولُ سارة من خلال صفحتها على موقع التواصل الاجتماعي "الفيسبوك"، مُعبّرة عن غضبها من استفحالِ رمْي الأوراق الدعائية في كل مكان: "كانَ أحدُهم يرمي الأوراق الدعائية لمرشّح حزب (...)، مَدّ لي ورقة... قلتلو والله ما نصوت عليكم غير على هاد الحالة لي درتو فالشارع بالاوراق"، أمّا نعمان فاختارَ أن ينشر على صفحته "سيلفي" مع عامل نظافة، مُحيّيا إياه على الجهد الذي يبذله لتنقية الشوارع من الأوراق الدعائية للأحزاب. وإضافةً إلى تلويث الفضاء العامّ، تُضاعف الأحزاب السياسية معاناة عُمّال النظافة خلال مُدّة الحملة الانتخابية، خاصّة في اليوم الأخير، حيثُ يتمّ التخلّص ممّا تبقّى من الأوراق الدعائية. ولُوحظَ في مُختلفِ شوارع مدينة الرباط صباح اليوم الجمعة أكياسٌ بلاستيكيّة كبيرةٌ جُمّعتْ فيها الأوراق الدعائية، بعْد تطهير الشوارع والأزقّة منها. ويظهرُ أنّ بعْضَ الأحزاب السياسية أضحتْ تُدْركُ أنَّ تلويث الفضاء العامِّ بأوراق الدعاية الانتخابيّة يُثير حفيظة المواطنين. وكانَ حزب التقدم والاشتراكية قدْ أصدر خلال الساعات الأخيرة من الحملة الانتخابيّة نداءً مكتوبا ثانيّا، حثّ فيه مرشحيه ومرشّحاته للانتخابات الجماعية والجهويّة على أنْ يتمَّ توزيع المنشورات الانتخابيّة "بطريقة حضاريّة وأسلوبٍ عقلاني". ودَعا حزب "الكتاب" في النداء الثاني من نوعه، بعد نداءٍ كانَ قدْ أصدره بداية الحملة الانتخابية مرشحاته ومرشحيه إلى عدم مجاراة مرشحي بعض الأحزاب السياسية "الذين يعمدون إلى تشتيت الإعلانات الانتخابيّة ورمْيها في الهواء بشكل عشوائي"، وعبّر الحزب عن استنكاره وتنديده بشدّة بهذا السلوك، بالنظر إلى التشويه الذي يسببه للطرقات والفضاءات العامَّة، والاستياء الكبير الذي يخلفه لدى المواطنات والمواطنين". من جهتهم أعَلن مرشحو ومرشحات حزب التجمّع الوطني للأحرار في مقاطعة عين الشق بمدينة الدارالبيضاء في بلاغٍ صدَر أمس الخميس، عن القيام، ابتداء من الساعة الحادية عشر مساء من اليوم نفسه، بحملة لتنظيف شوارع وأزقّة المُقاطعة من الأوراق التي تضمّ قوائم المرشحين للاستحقاقات الجماعية والجهوية. وإذا كانت الأحزابُ السياسية تسعى إلى كسْب أصوات الناخبين من خلال توسيع المنشورات عليهم، فإنَّ النتيجة قدْ تكونُ عكسيّة، وقدْ تؤدّي هذه المشنوراتُ، التي تثيرُ حنْق المواطنين، ليْسَ فقط إلى إحجامهم عن التصويت في الانتخابات، بلْ إلى عُزوف المواطنين عن الانتخابات وعن السياسية بشكلٍ عامّ، حسب محمد نبيل بنعبد الله، الأمين العامّ لحزب التقدم والاشتراكية. "أمس كانت أوراق الدعاية تُرمى بشكل مفرط من قبل بعض الأحزاب والمرشحين، لتلطيخ أزقة المدن وشوارعها، وهذا يعطي صورة مشوَّهة لما يتعين أن تكون عليه الأحزاب السياسية"، يقول بنعبد الله، مضيفا: "هناك من يعتقد أن هذه الأوراق تؤثّر على الناخبين، لكنَّ العكس هو الذي يحصل، فبقدر ما يرى المواطن هذه الأوراق مرميّة في الفضاء العام بقدر ما يبتعد عن السياسة، والمؤسف في الأمر أنه يبتعد عن السياسة وعن الأحزاب بكاملها، وليس الحزب الذي يرمي الأوراق فقط". وتؤكّدُ ابتسام ما ذهبَ إليه بنعبد الله بقولها إنَّ الهدفَ الأساسيّ من الحملة الانتخابيّة هو الترويج لمرشحي الأحزاب التي لديها برامج انتخابيّة جيّدة، لكنَّ رمْي الأوراق الدعائية على النحو الذي يتمّ في كلّ حملة انتخابيّة –تردف المتحدّثة- "هو عربون ودليل على أنَّ المرشحين الذين يطلبون من المواطنين التصويت لهم لا يحترمون البيئة ولا المواطنين، كما أنهم لا يفكرون في عمال النظافة الذين يعانون طيلة أيام الحملة الانتخابيّة".