حدثنا مفجوع الزمان الجوعاني ، وهو من ضحايا القمع المجاني ، فقال : لما رأيت الخزي من حكامنا إلينا يسري ، وتأملت فيما يدور من حولي ويجري ، علمت دون أن أفقد صبري ، أن حكامنا منا يرتعدونْ ، وفي سبيل قمعنا هم يجتهدونْ ، ولتعاوننا مع الغرب هم يرددونْ ، ولما نردد هم يفندونْ ، فكل صوت منا عندهم نشازْ ، وكل عام في نظرهم " زين " بامتيازْ ، وكل ما قد يعود عليهم برجة أو اهتزازْ ، فمصيره البعث إلى الفردوس بكل فخر واعتزازْ ، ولأن ذلك كذلكْ ، خرجت من داري المطلة على الظلام الحالكْ ، وكل كلي يستعيذ من شر المهالكْ ، وتوجهت بعدما قطعت ما صعب علي من زقاق ومسالكْ ، إلى روضة الأمل المستنيرْ ، وهي روضة غناء للفضول تثيرْ ، أنحاؤها زينت بحلقات للأدب والفن والتفسيرْ ، ووسطها امتلكه ابن أبي الرعايهْ ، صاحب الألف حكاية وحكايهْ ، فأحيا فيه فن المقامة والمثل والروايهْ ، وجعل من فعل " ساس " أساس كل بداية ونهايهْ ، ووصلت إليها على غير العادة متأخرَا ، وقصدت الوسط متأملا متفكرَا ، فوجدت خلي لصفو الحكام العرب معكرَا ، يفضح رئيسا أمام الملأْ ، ويصيب سلطانا بالصدأْ ، وينصح ملكا لمتطلبات شعبه ما قرأْ ، ويهجو رؤساء ليبيا والأردن وسبأْ ، ويقدح في شرعية أبناء عبد الله بن سبأْ ، ينادي بأعلى صوته أن حق الحق التحقيقْ ، وأن حكام العروبة باعونا في سوق الرقيقْ ، وأنهم مزقوا أوطاننا أيما تمزيقْ ، فهالني ما سمعت عنده من كلامْ ، ولأنني أخشى من خفافيش الظلامْ ، قلت له درءا لما قد يلحقني من اتهامْ : يا ابن أبي الرعاية المليحهْ ، أقوالك مصيبة صحيحهْ ، والنصيحة أمام الملإ فضيحهْ ، وحديث العرباض بن سارية واضح وضوح الشمسْ ، والخروج عن ولاة الأمر منهي عنه حماية للدين والنفسْ ، والفتنة نائمة والملعون من أخرجها من الحبسْ ، والله يقول في آية تتحدث عنا وعنهمْ ، وأطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكمْ ، فهم منا ونحن منهمْ ، وليس هذا موقف يعبر عن ذلِّي ، لكن هو الحق يا خلَّي ، فبما ذا تجيب من هو مثلِي ؟؟؟ ففكر وقدّرْ ، ثم فكر وقدّرْ ، وقال بعدما حمد الله على ما تقدر وتيسرْ : (( يا مفجوع الزمانْ ، الفتوى تتغير بتغير الزمان والمكانْ ، و" منكم " تفيد في نحو له ألف عنوان وعنوانْ ، تبعيضا لا كثرهْ ، وهذا القول منك ويا للحسرهْ ، لم يعد يصلح لنا منذ كم من فترة وفترهْ ، وما أنا بفقيه ولا بعالم نحريرْ، ولكنني درست المطلق والمقيد الشهيرْ ، وفهمت أحكام الخاص والعام والمتشابه الكثيرْ ، وطاعة أولي الأمر على العمومْ ، لا تعني طاعة من يذيق المسلمين عذاب السمومْ ، ولا تعني طاعة من في يم بني صهيون يسبح ويعومْ ، ولا تعني طاعة مطلقة لمن قمعونا سنينا وسنينَا ، إذ لا طاعة لمخلوق يعصي الخالق فينا ، ولا طاعة لمن بالظلم والإفساد يغطينَا ، هذا ما قاله العلماء في كل عصرْ ، وهذا ما ذكره الفقهاء في هذا العصرْ ، واسأل دعاة الحق يتضح لك الأمرْ ، واحذر من متفيقهي البلاط والقصرْ ، فمنهم تأتي فتاوى ما أنزل الله بها من سلطانْ ، وردد معي ولو بالمجانْ ، " فلتسقط الجدران ... فلتسقط الجدرانْ " ... حتى إذا فهمت ما قاله الشرع في الحكمْ ، إليك هذا المثل من خيرة القومْ ، وهو مثل عربي أهديه إليك من غير لومْ ، أصله لا أدري فيمن قيلْ ، ومعناه يفهم من غير تفكيك أو تحليلْ ، ومثاله من الواقع أنا به كفيلْ ، فقد قالت العرب على لسان الأجدادْ ، " أعْلق من قرادْ " ، وها قد وقف الأولاد والأحفاد وما لهم من أوتادْ ، على صدق هذا المثل ورجحان كفته في المزادْ ، وأعْلق من قراد لا يباركْ ، الزعيم المفدى المباركْ ، " محمد حسني مباركْ " ، فمن ربع قرن وزد عليه بضعة أعوامْ ، والرئيس الشيخ العليل السقيم الملامْ ، يجثم على أنفاس شعب الحرب والسلامْ ، يشرد الإخوان واليمين واليسار والأحرار والثوار في غياهب السجونْ ، ويبيع ما تحت الأرض وما فوقها وما ينزل من السماء لبني صهيونْ ، ويدمي بتصرفاته وأفعاله القلوب والعيونْ ، طغى طغيان فرعون الأولْ ، فنسخ أفعاله نسخ أحمق أهبلْ ، وما تورع وما اعتبر بما وقع للأولْ ، فاسألوا المعتقلات واسألوا إخوان أبي زعبلْ ،عن المظلومين في عهده ماذا جنوْا ، واسألوا الآباء والأمهات بماذا اكتووْا ، وسلوا الذين عن أمره عتوْا ، وسلوا الذين لأحكامه عصوْا ، لماذا يرددون في هذه الأيامْ ، " الشعب ... الشعب يريد إسقاط النظامْ " ، يجبك شعب أم الدنيا عن كل استفسار واستفهامْ ، لسان حاله يقول بكل اهتمامْ : إسمع فإني وإن كنت الغريب هنا = طلقت عشقا يحاكي الذل إن نطقوا إسم بتشديد مُلْك صار لي لقبا = والمُلْكُ داء به الأقوام تفترق والملك ملكي ولم أملك سوى جسد = خطَّت عليه العصا : " هذا هو الورق " والصوت صوتي وتلك الآه من ألمي = والسوط سوط الألى للصوت قد خنقوا ذاك زعيم نصح فما انتصحْ ، فضِح ومن زمان أمره افتضحْ ، وكل إناء بالذي فيه نضحْ ، ... أشأم منه لم ترى عين أبدَا، ولا أقول هاهنا فندَا ، فسيئاته لا أحصيها عددَا ، ومناقبه لا تجد لها محلا من الإعرابْ ، شأنه في ذلك شأن الحاكمين لدول الأعرابْ ، عرب لكنهم عن وطن العروبة أغرابْ ، حكموا بقوانين الطوارئ والإرهابْ ، واستعبدوا الناس وتفننوا في صنع العذابْ ، نفذوا سياسات أمريكا وإسرائيلْ ، وأحيوا فينا سيرة قابيل وهابيلْ ، وأعادوا بيننا ذكرى الطير الأبابيلْ ، وما " زين العابدين " إلا واحد من زمرتهمْ ، وما " مبارك " إلا مثال لما في جعبتهمْ ، وإليك بعض ما جاء في قصتهمْ ، إنهم بشر ذاقوا حلاوة الملك و نعيم الكراسِي ، فنسوا لحظة الزوال ومرارة المآسِي ، وغرقوا في بحار الغفلة والتناسِي ، فتجبروا على العبادْ ، وأكثروا في الأرض الفسادْ ، وصاروا أمام الكراسي أعلق من قرادْ ، منهم من ورث الكرسي أبا عن جدّْ ، ومنهم من انقلب على حاكم ما وضع لطغيانه حدّْ ، ومنهم من انتخب وانتخب وانتخب بلا حصر أو عدّْ ، ديمقراطيتهم دكتاتوريهْ ، وعدالتهم استبداديهْ ، وسيرتهم ناريهْ ، كل منهم فرعون على شعبه يتفرعنْ ، ويوم الجمع تراه في الخطاب يتمسكنْ ، يلقي باللائمة على غيره حتى يتمكنْ ، متلونون حربائيونْ ، وصوليون انتهازيونْ ، منا لا من الله يخافونْ ، كل واحد منهم ل " ماما " أمريكا يطيعْ ، يقبل رأسها ويسهل لها جناح التجارة والتصنيعْ ، يضيع شعبه وهي لا تضيعْ ، وقد تخونني العبارت فلا أوفي لهم حقّا ، وقد يعجز اللسان عن ذكر وصف بهم لم أستطع له نطقَا ، فهم من أحرقونا حرقَا ، وهم من دفعوا شباننا غربا وشرقََا ، إلى الانتحار والموت دقا وغرقا وشنقا وحرقَا ، وهم من جعلونا نردد بألف حرقة وحرقهْ : أذناب غرب بأمر الكلب هم أمروا = غلمان " بوش " و " ليزا " للخنا لعقوا بغداد من صمتهم ضاعت فوا أسفي = حكامنا دينهمْ المكر والمَلق باعوا التي مجدنا يرقى بقيمتها = قدْس بها مسجد بالجهر يحترق أوطاننا قصعة تدعى لها أمم = أعداؤنا من زمان همْ لها اخترقوا والجهل في أرضنا يهذي بما صنعوا = والفقر يحكي لنا عن فتية غرقوا والبغي أمسى سلاحا للطغاة هنا = والقمع أضحى بجلد العدل يلتصق دع ذكرهم إنهم ليسوا سوى صور = للأسْد ضاقت به الأرجاء والطرق لا طاعة اليوم للغلمان يا أبتي = قم زعزع الذل عن قومي أيا حذق هيء لنا جيل عز يرتدي همما = دستوره سنة بالحق تغتبق يسري بنا نحو علياء لها قمم = للبصق في أوجه الطغيان يستبق يحمي حمانا ويرعى أمر موطننا = والسبي يسبي لنا ما هم له سرقوا إنا يئسنا من الجدران تخنقنا = جدران خوف لها الجرذان قد خلقوا فابني لنا جيل عز يبتغي رشدا = جيلا به النفس والأنفاس قد تثق وإليهم نقول بعدما انجلى خوف كان علينا يقبلْ ، إن الله يمهل الظالم ولا يهملْ ، وإن الشعوب لستار الذل باتت تسدلْ ، فمن عاش بالرصاص مات بالنارْ ، ومن بغى بالظلام يحاسب بالنهارْ ، وما بعد الحكم إلا الفرارْ ، هكذا كانت نهاية " زين العبادْ " ، وهكذا ستكون نهاية فرعون الجلادْ ، وتلك لعمري أكبر موعظة للحكام في كل بلادْ ، ... وقد تسمع لو ناديت حيا يفهم المغزى والمرادْ ، لكن من تنادي استبد بعقولهم الفساد والإفسادْ ، فصاروا أمام ما للكراسي من حدود وأبعادْ ، " أعلق من قرادْ " . http://www.goulha.com