ألمانيا تجدد التأكيد على "الأهمية الكبرى" التي توليها للشراكة بين الاتحاد الأوروبي والمغرب    الرجاء البيضاوي يتفق مع البرتغالي ريكاردو سابينتوظ لتدريب الفريق خلفا لروسمير سفيكو المقال        فلوريدا تستعد لوصول الإعصار ميلتون "الخطير للغاية"    القضاء الفرنسي يحدد 15 أكتوبر موعدا لإصدار قراره حول طلب الإفراج المشروط عن اللبناني جورج عبد الله    شعبوية الرئيس تبون و سقطته الجديدة في قعر التفاهة    وفاة متسابق فرنسي في "رالي المغرب"    اتفاقيات شراكة وتعاون بين جهة مراكش آسفي وكينيا لتعزيز التنمية والتبادل الخبراتي    الدار البيضاء: توقيف 4 أشخاص بتهم سرقة السيارات والتزوير واستعماله والنصب والاحتيال    توماس فينتربيرغ رئيس لجنة تحكيم الدورة ال21 للمهرجان الدولي للفيلم بمراكش    اليونسكو تختار الرباط عاصمة عالمية للكتاب لعام 2026        المنتخب الوطني لأقل من 20 سنة يخوض مبارتين وديتين أمام فرنسا بمركز كليرفونتين    هيئة النزاهة والوقاية من الرشوة تعارض منع الجمعيات من وضع شكايات بشأن نهب المال العام    بوريطة يجري مباحثات مع وفد جنوب إفريقي من المؤتمر الوطني الإفريقي    بورصة الدارالبيضاء تستهل تداولاتها على وقع الارتفاع    وقفة احتجاجية لأرباب المخابز الأسبوع القادم بالرباط    المنتخب الوطني يخوض أول حصة تدريبية استعدادا لملاقاة إفريقيا الوسطى    تنبيه من العصبة الوطنية لكرة القدم الاحترافية    مباريات مشوقة في الجولة الثالثة من منافسات كأس التميز    براهيم دياز يعود لتدريبات ريال مدريد    أخنوش: ارتفاع مداخيل جماعة أكادير بنسبة 50% خلال ثلاث سنوات    المغرب و البرتغال يصدران طابعين بريديين احتفاء بالعلاقات التاريخية    طقس الثلاثاء.. نزول أمطار ضعيفة وسحب ببعض مناطق المملكة    مرتيل: المجلس الجماعي يصادق على الميزانية التعديلية لسنة 2024 في الجلسة الأولى لدورة أكتوبر    الجيش الإسرائيلي يعلن اغتيال أحد قادة حزب الله بغارة دقيقة    ماسك يؤكد تأييد ترامب في الانتخابات الرئاسية الأميركية    نجمة "الغوسبل" سيسي هيوستن تغادر دنيا الناس عن 91 عاما        إدارة سجن العرجات توضح حقيقة تعرض محمد زيان لنوبات قلبية    كيوسك الثلاثاء | المغرب يتفوق على الدول المغاربية في البنية التحتية ويتقدم 6 درجات عالميا    مسيرة حاشدة بمكناس تنديدًا باستمرار حرب الإبادة في غزة والعدوان على لبنان    قطاع الانتقال الطاقي سيحدث أزيد من 400 ألف منصب شغل بحلول سنة 2040    تراجع طفيف لأسعار النفط بعد بلوغها أعلى مستوى في أكثر من شهر    اختراع نبات صناعي يولد الكهرباء لشحن الهاتف    القضاء يلزم "غوغل" بفتح المتجر الإلكتروني أمام المنافسة    أنقرة تتحرك لإجلاء الأتراك من لبنان    النفط يرتفع لأكثر من 80 دولارا للبرميل مدفوعا بالتوترات في الشرق الأوسط    تحليل ثقافي واحتجاج ميداني.. بلقزيز يستشرف قضية فلسطين بعد "طوفان الأقصى"    تطوان تحيي ذكرى 7 أكتوبر بالدعوة إلى التراجع عن تطبيع العلاقات مع إسرائيل    الرئيس التونسي قيس سعيد يخلف نفسه بعد فوزه بأكثر من 90% من الاصوات    الرجاء والجيش الملكي في مجموعة واحدة بدوري أبطال إفريقيا    اسئلة وملاحظات على هامش قرار المحكمة الاوروبية    تعليقاً على قرار محكمة العدل الأوروبية، وما بعده!!    المنتدى العربي للفكر في دورته 11    أهمية التشخيص المبكر لفشل أو قصور وظيفة القلب    جائزة نوبل للطب تختار عالمين أمريكيين هذه السنة    جائزة كتارا تختار الروائي المغربي التهامي الوزاني شخصية العام    بنحدو يصدر ديوانا في شعر الملحون    رواندا تطلق حملة تطعيم واسعة ضد فيروس "ماربورغ" القاتل    معاناة 40 بالمائة من أطفال العالم من قصر النظر بحلول 2050 (دراسة)    دراسة تكشف معاناة 40 % من أطفال العالم من قصر النظر بحلول 2050    تسجيل حالة إصابة جديدة ب"كوفيد-19″    الزاوية الكركرية تواصل مبادراتها الإنسانية تجاه سكان غزة    القاضية مليكة العمري.. هل أخطأت عنوان العدالة..؟    "خزائن الأرض"    موسوعة تفكيك خطاب التطرف.. الإيسيسكو والرابطة المحمدية للعلماء تطلقان الجزئين الثاني والثالث    اَلْمُحَايِدُونَ..!    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



ثورة الفيسبوك
نشر في هسبريس يوم 31 - 01 - 2011

تحضرني الذاكرة اليوم، مع الأحداث التي شهدناها في تونس، عندما عزمت على دراسة الأعلام في بداية السبعينيات من القرن الماضي، في إحدى الجامعات الفرنسية، حيث سعى إلي أحد الأصدقاء مستهزئا – ولم تكن مادة الإعلام معروفة في جامعات العالم العربي آنذاك- بقوله باللهجة السورية إنها مهنة “ عائشة شخلع“، أو بصيغة أخرى، إنها ليست بمهنة. لكني كنت مقتنعا بأن الإعلام هو عالم وعلم.
وربما كان من أهم العلوم، كونه يشرك كل العلوم الاجتماعية والتقنية، وتطوره أسرع من كل العلوم الأخرى طرا، وأنه الكفيل بتغيير أوضاع التخلف العريق الأصول والتجذر لدى عرب اليوم، فسلطان القلم أقوى من كل سلطان.
ألم يقل نابليون أن صرير قلم واحد أشد مضاضة على نفسه من دوي ألف مدفع. فعالم الاعلام ما بات يتطور بأسرع من البصر. لكن هذا التطور السريع لا يلازمه، في العالم العربي على أية حال، انفتاحا لاستيعاب آلياته.
فالصحافة العربية ومنذ ولادتها العسيرة في العام 1828 في مصر – صحيفة الوقائع المصرية التي أنشئت بعد قرنين من صدور أول صحيفة أوربية- لم تعامل يوما معاملة “صاحبة الجلالة” كما يحلو للبعض أن يصفها، فالسلطنة العثمانية التي كانت تخشى الصحافة آنئذ فرضت على الصحافيين” قاموس ممنوعات” – قاموس يحتوي على مجموعة كلمات يحظر استخدامها قطعيا، ككلمة جمهورية، و ثورة، ورئيس جمهورية، وانفجار، وسواها مما يرمي في العقول بذرة التمرد- وكان جزاء كل مخالف عقوبة الفلق، على مرأى كل من خلق.
الاستعمار الغربي، لم يكن أفضل حالا من الباب العالي في قمع الحريات والصحافة والصحافيين. ومع بداية عصر التحرر والاستقلال، كانت الحناجر تهتف للحرية والتقدم، لكن خيبة الأمل كانت كبيرة، بحجم آمال وتطلعات الشعوب التي عانت ما عانت من خسيس عيش، وامتهان كرامة، وكم أفواه. فأنظمة الاستقلال باتت أشد قسوة وضراوة وشراسة من كل سابقيهم.
أما بالنسبة للأحزاب المحظورة، لأن الأنظمة اعتمدت الحزب الواحد أو الحزب القائد.. فلم يعد أمامها سوى اللجوء إلى المنشورات السرية كوسيلة اتصال للتواصل مع جماهيرها وكوادرها رغم وقوف أجهزة المخابرات لها بالمرصاد. وبات الصحافي المهدد في عائلته، ولقمة عيشه، وحياته، موظفا رسميا يردد ما يقولون له لا ينحرف عن حرف واحد مسطور له وإلا..، فقتل من قتل، وسجن من سجن، وهاجر من هاجر.
ولم يعد أمام المواطن من متنفس سوى الجدران يفصح عن غضبه وسخطه على أنظمته بالكتابة عليها، أو النكتة السياسية التي يسخر عبرها من أنظمته المستبدة، والتوجه إلى وسائل الإعلام الخارجية بعد أن دخلت تقنية القنوات الإذاعية والتلفزيونية عبر الأقمار الاصطناعية، ومقاطعة وسائل الإعلام الوطنية التي باتت بوقا يزعق في ربع خال.
في نهاية السبعينيات، مع بطش شاه إيران وجهاز مخابراته السافاك، وجد الإيرانيون في تقنية الكاسيت وسيلة اتصال مثالية يتناقلون عبرها خطابات الخميني وتعليماته. وقد نجحت هذه الوسيلة إلى حد كبير في تأجيج الشارع الإيراني ونجاح الثورة وطرد الطاغية.
مع ظهور القنوات الدولية والنقل المباشر تحقق خرق كبير في الجدار الفاصل بين المواطن العربي والحدث، فالتغطيات المباشرة من موقع الحدث فتحت أعين الناس على الحقيقة أكثر، وجعلتهم يعيشون الحدث.
ولعبت قناة الجزيرة- سواء كنا معها أم ضدها- دورا كبيرا في وضع أول ثقب في بكارة سياسة الصمت المطبق الذي تفرضه الأنظمة العربية على شعوبها، فبتنا نسمع أصواتا معارضة، وألسنة جريئة تفضح الممارسات المشينة لهذه الأنظمة. وقدمت خدمة كبيرة في تغطية الأحداث مباشرة على الهواء كما حصل في حربي العراق وحرب أفغانستان فكانت ثورة حقيقية في عالم الاتصال العربي.
مع ظهور الانترنيت- أطال الله عمر من اخترعها وجزاه خيرا- تعوذت الأنظمة الاستبدادية العربية بالشيطان الرجيم فكيف يمكن السيطرة عليها ومراقبتها، وقامت بمحاولات بائسة، نجحت في بعضها، وأخفقت في أخرى. وظهرت المواقع العديدة وال” البوغور” الذين يفصحون عن آرائهم بحرية لا يخشون رقيبا أو حسيبا، بل بدأت تحمل الصور الفوتوغرافية، والمتحركة، والمفتوحة أمام الجميع دون خشية بطش السلطان.
ولكن الثورة الكبرى في عالم الاتصال اليوم هي ثورة الفيسبوك التي حولت كل مواطن إلى صحفي ميداني لا يمكن لأي رقيب أو حسيب أن يمنعه من تصوير ما يحدث بهاتف محمول وتحميله فورا على الفيسبوك – بارك الله وأمد في عمر من صممه – وأكبر دليل على ذلك، هي التجربة الفريدة التي قام بها شباب تونس الثائرعلى نظامه في الوقت الذي لم يكن باستطاعة أي قناة تلفزيونية أو وكالة أنباء مصورة أن تصل إلى الحدث. فلا يمكن لأقوى القنوات التلفزيونية أن تكون في كل مكان على الأراضي التونسية المشتعلة والتي مارست فيها قوات الأمن القمع وسفك دماء المحتجين. إنها ثورة داخل ثورة.
ثورة الإعلام في خدمة ثورات الشعوب على طغاتها. فمعظم الصور التي وصلت قاعات التحرير في جميع أنحاء العالم كان معظمها من الصور التي التقطت من قبل الشباب التونسي وحملت على الفيسبوك.
ولم يكن أمام النظام القمعي أية وسيلة للسيطرة على هذا السيل الإعلامي الدافق والذي وضع أمام أعين العالم أجمع ما يحدث هناك. فصورة محمد البوعزيزي وهو يحترق والتي سافرت إلى جميع أنحاء العالم، هي صورة التقطتها فتاة تونسية بهاتفها المحمول ووضعت على الفيسبوك. كان لها وقع الصورة التي هزت مشاعر العالم أجمع والتي التقطت لفتاة عارية في فيتنام تهرب أما الجنود الأمريكيين وكان لها تأثير مباشر وأكيد في إنهاء حرب فيتنام ودحر الجيش الأمريكي.
وهذه الصور اليوم التي التقطها الناس دقيقة بدقيقة من الفيسبوك هي التي سيسجلها التاريخ الإعلامي، ويعزو إليها تأجيج هذه الثورة، وبوضع قميص يوسف في أجفان يعقوب ليفتتح عينيه على الحقيقة المرة التي يعيشها الشعب التونسي الذي لا يختلف كثيرا عن باقي الشعوب العربية. والتي لن تبطيء الخطى في لحق ركب المنتفضين في تونس كما يحصل في مصر، ووسيلتهم الاولى في ايصال صوتهم ستكون الفيسبوك – بارك الله بمصممه وجزاه خيرا- فعهد” عائشة شخلع” قد ولى إلى الأبد.
*مدير القسم العربي لأورونيوز
http://arabic.euronews.net


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.