اللباس فيه عُرْفٌ وَشَرْعٌ وحُرِّيَّةٌ واخْتِيَارٌ؛ تجعل الْمُنْشَغِلَ به يتوقف عن الإساءة للناس، ورميهم بشتى النعوت، والأوصاف، والأصل فيه السِّتْرُ. وهو من الفعل لَبِسَ يَلْبَسُ. يقال: لَبِسْتُ الثوب، واللِّبْسُ بالكسر واللِّبَاسُ ما يُلْبَسُ، ويجمع على ملابس. وقد ذكر أبو هلال العسكري في كتابه الوجوه والنظائر، أنه على ثلاثة أوجه: الأول: السكن. قال تعالى: (هُنَّ لِبَاسٌ لَّكُمْ وَأَنتُمْ لِبَاسٌ لَّهُنَّ) البقرة/178. الثاني: الثبات. قال تعالى: (قَدْ أَنزَلْنَا عَلَيْكُمْ لِبَاسًا يُوَارِي سَوْآتِكُمْ) الأعراف/26 الثالث: العمل الصالح. قال تعالى: (وَلِبَاسُ التَّقْوَىٰ) الأعراف/26. وقد ورد المفهوم في القرآن(11 مرة) منها ( 8 مرات) في السور المكية، و( و3 مرات) في السور المدنية. قال تعالى:( أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيَامِ الرَّفَثُ إِلَىٰ نِسَائِكُمْ ۚ هُنَّ لِبَاسٌ لَّكُمْ وَأَنتُمْ لِبَاسٌ لَّهُنَّ ۗ) البقرة/187، وهي استجابة لرغبة جنسية ما بين المغرب والفجر بعدما كانت محظورة، وهذه الصلة بين الزوجين سِتْرٌ وَوِقَايَةٌ لهما، ودلالة اللباس في الآية تفيد هذا المعنى في العلاقات الجنسية. والآية الثانية: قال الله عز وجل: (جَنَّاتُ عَدْنٍ يَدْخُلُونَهَا يُحَلَّوْنَ فِيهَا مِنْ أَسَاوِرَ مِن ذَهَبٍ وَلُؤْلُؤًا ۖ وَلِبَاسُهُمْ فِيهَا حَرِيرٌ ) فاطر/33. وهي تشير إلى أن لباس أهل الجنة الحرير. ولأهمية اللباس في عقيدة المسلم تكرر(11 مرة) في هذا المجال الذي يعتبر الأساس، لذلك قال تعالى مخاطبا الناس عامة: (يَا بَنِي آدَمَ قَدْ أَنزَلْنَا عَلَيْكُمْ لِبَاسًا يُوَارِي سَوْآتِكُمْ وَرِيشًا ۖ وَلِبَاسُ التَّقْوَىٰ ذَٰلِكَ خَيْرٌ ۚ ذَٰلِكَ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ لَعَلَّهُمْ يَذَّكَّرُونَ ) الأعراف/26 واللباس ما يلبسه الإنسان لستر عورته، وقد كنى ب" السوءات" عن العورات. قال الشاعر: خَرَقُوا جَيْبَ فَتَاتِهِمُ * لَمْ يُبَالُوا سَوْءَةَ الرَّجُلَهْ والذي ذهب إليه أبو هلال العسكري في الوجه الثاني أن اللباس بمعنى الثبات بعيد. ولو لم يكن بمعنى اللباس المتعارف عليه لما جاء العطف في الآية ب: (وَرِيشًا)، و يذكر الله نعمته على الانسان بعد مَشَاهِدِ الْعُرِيِّ وتَكَشُّفِ السَّوْءَاتِ التي غطت المجتمع الجاهلي، وطواف الناس بالكعبة بدون سِتْرٍ، وقد يَسَّرَ لهم وعَلَّمَهُمْ اللباس الذي يستر العورات يكون زينة وجمالا، ولهذا ذكر القرآن لباس التقوى من خلال العفاف والعمل الصالح. (وَلِبَاسُ التَّقْوَىٰ ذَٰلِكَ خَيْرٌ)، فهناك إذن تلازم بين اللباس والتقوى، وهذا التلازم هو من شريعة الاسلام وهديه الذي أنزله الله على عباده، وأقدرهم على تنفيذه. ويمكن الربط اليوم بين الحملات الموجهة إلى أخلاق الناس وحيائهم، ودعوتهم إلى الْعُرِيِّ الجسدي، والْمَسِّ بقيم الدين من خلال بعض الأقلام التي تدافع عن الحرية المطلقة في اللباس. والمؤمن لا يرضى إلا بزينة الستر أما غيره فيقدس زينة الْعُرِيِّ. قال سبحانه: (يَا بَنِي آدَمَ لَا يَفْتِنَنَّكُمُ الشَّيْطَانُ كَمَا أَخْرَجَ أَبَوَيْكُم مِّنَ الْجَنَّةِ يَنزِعُ عَنْهُمَا لِبَاسَهُمَا لِيُرِيَهُمَا سَوْآتِهِمَا ۗ) الأعراف/27. وهو نداء تحذيري من فتنة الذين يعملون عمل الشيطان في الأمة بنزع الحياء في اللباس، وإشاعة التعري. وإن الدعوات المتكررة إلى مظاهر العري في المجتمع، والدفاع عنها هي دعوات مُنْبَتَّةٌ لا تستقيم في مجتمع الإيمان، وهؤلاء يذوقون من جنس عملهم، لباس الجوع والخوف، وهذا ظاهر فيهم. قال تعالى: (وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا قَرْيَةً كَانَتْ آمِنَةً مُّطْمَئِنَّةً يَأْتِيهَا رِزْقُهَا رَغَدًا مِّن كُلِّ مَكَانٍ فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ اللَّهِ فَأَذَاقَهَا اللَّهُ لِبَاسَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ بِمَا كَانُوا يَصْنَعُونَ) النحل/112، وهو مَثَلٌ لتقريب الحقيقة الْعَقَدِيَةِ الإيمانية، وحال من يَجْحَدُ نعمة الحياء والأمن والطمأنينة والسلام.