فقدت مكتبة الفقه والتفسير الإسلامية واحدا من أبرز مفكريها وفقهائها، وأحد أبرز العلماء المسلمين في العصر الحديث، وهو العلاّمة السوري الدكتور وهبة الزحيلي الذي أصر على البقاء في سوريا حتى وفاته، نهاية الأسبوع الماضي، رغم كل الظروف الذي مرت على بلاده. ولد الزحيلي في مدينة دير عطية بريف دمشق، عام 1932، وبعد حصوله على شهادة الثانوية الشرعية في سوريا، توجه إلى مصر والتحق بعدة كليات في آن معاً، فنال الشَّهادة العالية في الشَّريعة الإسلامية من كلية الشَّريعة ب"الأزهر" بتقدير ممتاز عام 1956، وإجازة التخصص بالتدريس من كلية اللُّغة العربية ب"الأزهر" عام 1957، وإجازة في الحقوق من جامعة "عين شمس" في العام نفسه. وفي عام 1959 نال درجة الماجستير في الشَّريعة الإسلامية، وبدأ عمله بالتَّدريس الجامعي بعد حصوله على درجة الدكتوراه بمرتبة الشرف الأولى من جامعة دمشق عام 1963، وعُيِّن مدرِّساً في كلية الشَّريعة بجامعة دمشق في نفس العام، ثم رقّي إلى درجة أستاذ مساعد سنة 1969، وإلى أستاذ عام 1975. وتنقَّل بعدها وهبة بين عددٍ من الجامعات العربية بصفة أستاذٍ زائر، وشغل عضويةٌ عددٍ من المجامع العلمية والبحثية الإسلامية، ورأس بعض الهيئات الشَّرعية الإسلامية منها عضويته كخبير في كلٍّ من "مجمع الفقه الإسلامي" بجدة و"المجمع الفقهي" بمكة المكرمة، و"مجمع الفقه الإسلامي" بالهند والسودان وأمريكا. كما كان الزحيلي عضواً في "المجمع الملكي لبحوث الحضارة الإسلامية" في الأردن و"الموسوعة العربية" بدمشق، وأحد أعضاء هيئة التَّحرير في مجلَّة "نهج الإسلام" التي تصدر عن وزارة الأوقاف السورية، ورئيس "هيئة الرَّقابة الشَّرعية لشركة المضاربة والمقاصَّة الإسلامية" في البحرين، وغير ذلك.. كما حصل على جائزة أفضل شخصية إسلامية في حفل استقبال السنة الهجرية الذي أقامته الحكومة الماليزية سنة 2008 في مدينة "بوتراجايا". الزحيلي والاقتتال بسوريا على خلاف عدد من أقرانه الذين أعلنوا موقفهم بشكل علني وواضح وبصوت مسموع، كالشيخ البارز الراحل محمد سعيد رمضان البوطي الذي وقف بجوار نظام بشار الأسد واغتيل في دمشق عام 2013، والشيخ كريّم راجح، شيخ مشايخ قراء الديار الشامية الذي وقف بصف المعارضين والمتظاهرين ضد النظام، لم تعرف للشيخ وهبة الزحيلي تصريحات علنية تكشف موقفه السياسي. لكن تصريحاً نادراً، نقلته عنه وكالة أنباء الشرق الأوسط الرسمية المصرية، عام 2013، يكشف عن حقيقة موقف الرجل الذي التزم الصمت والعزلة معظم الوقت، إذ قال: "إن الشعب السوري منقسم حالياً ما بين مؤيد للنظام الحاكم الذي يكيل العذاب للسوريين، وبين أناس يعانون من الظروف الراهنة ويتعرضون للتنكيل والتشرد والقتل لإصرارهم على موقفهم"، معرباً عن ألمه الشديد لما آلت إليه الأوضاع، ولحالة القتل والتشرد والإبعاد التي يتعرض لها أبناء بلده.. كما نقلت الوكالة عن الزحيلي تأكيده على أنه لن يغادر سوريا، وسيظل يقوم بواجبه العلمي والديني، وعلى ضرورة استمرار دعم علماء الأمة ومفكريها للشعب السوري ومساندته حتى يتحقق له ما يريد وينعم بالحرية. المنجزات العلمية للزحيلي ألّف الزحيلي كتبا تعتبر مراجع أساسية هامة في الشريعة الإسلامية لكل المذاهب الإسلامية. يأتي في مقدمتها "مجموعة التفسير" الذي يضم 30 جزءاً، ويتناول فيه تفسيراً متكاملاً للقرآن الكريم في العقيدة والشريعة والمنهج، والكتاب المرجعي "الفقة الإسلامي وأدلته"، وهو من 11 جزءاً، وترجم إلى عدة لغات. ومن الكتب التي ألّفها الزحيلي تتواجد موسوعة الفقة الإسلامي والقضايا المعاصرة من 14 جزءاً، إلى جوار 8 أجزاء لموسوعة الفقه الإسلامي المعاصر، والتفسير المنير المشكّل من 17 مجلداً، بجوار مؤلف آثار الحرب في الفقه الإسلامي، مقارنة بين المذاهب الثمانية والقانون الدولي، والإسلام دين الشورى والديمقراطية، والإسلام دين الجهاد لا العدوان.. وللفقيد أيضا أكثر من 75 كتاباً ومؤلّفاً آخر ترجمت العديد منها لعدة لغات؛ منها التركية والفارسية والماليزية والإنجليزية. * وكالة أنباء الأناضول