"نحن ممزقون بين حب الحياة الدنيا ومتعها ومغرياتها، وبين الرغبة في الدخول إلى الجنة وتجنب النار..."...نحن لا قدرة لنا على التمثل بأخلاق المسلم المثالي كما هو على الورق..كما في التعاليم..لا قدرة لنا ولكننا كلنا رغبة في تجنب النار أولا، ومحاولة دخول الجنة ثانيا.. على المستوى العلاقاتي بين بعضنا البعض في المجتمع نخضع للمصلحة أولا...مصلحتنا...نحن فاشلون في أخلاق المعاملات وانتم تعلمون هذا الكلام جيدا...أما الذنوب والخطايا فهي أكثر من أن تعد أو تحصى وكلنا نعرفها جميعا وبارعون في ارتكابها حسب الهوى والبيئة والتوجه والظروف...فشلنا في "أخلاق المعاملات" ولكننا نريد أن ندخل إلى الجنة، ولهذا ركزنا في أخلاق العبادات.. أقصد، البعض منا طبعا..لهذا يصلي البعض ولا يفوت صلاة حتى لو اضطر إلى الاغتسال من الجنابة في فجر يوم بارد بالماء البارد قبل أن يهلل المؤذن بقرب موعد الصلاة...المهم أن يعلم الله أننا نعبده ونخلص له العبادة رغم حبنا للدنيا...قد نرتشي ونحافظ على الصلاة، وقد نسرق أو نبيع المخدرات ولكننا نصوم.. وقد نصلي العشاء ثم نقوم لتناول وجبة العشاء وشرب الخمر وفق منطق "بعد العشاء افعل ما تشاء"... هذا حين تقوله للمغاربة وتخبرهم أنه نوع من أنواع "الفصام" يخبرونك وهم يخالون أنفسهم مدافعين عن "الأخلاق الحسنة" أن كل الناس خطاؤون وأن المسلمين غير معصومين وأن العصمة للأنبياء والرسل فقط إلى غير هذا من الكلام..المشكلة ليس في كون الإنسان خطا أم لا لأن الجواب معروف ضمنا وليس في حاجة إلى سفسطة بيزنطية..المشكلة هو في ذلك التقسيم إياه.. "أخلاق المعاملات"، أي الأخلاق التي يجب أن نتحلى بها بين بعضنا البعض...و"أخلاق العبادات" وهي تلك التي تخص العبد بربه، وهنا مربط الفرس أعزائي...نحن مجتمع فشل في ضمان مقعد له في الجنة من خلال سوء أخلاق معاملاته مع الآخرين فقرر أن يعوض عن ذلك بممارسة أخلاق العبادات أو التنظير لها أو المنافحة عنها كلما دعت الضرورة إلى ذلك (ولهذا تجد مثلا تاجر أقراص مهلوسة في نقاش حاد مع شخص لا يصوم رمضان دفاعا عن الإسلام والأخلاق الحسنة رغم أن الذي لا يصوم لا يسبب أذى لأحد مقابل ما يسببه بائع تلك الحبوب)...بعبارة أكثر تدقيقا "لقد أعلينا من قيمة "أخلاق العبادات" على حساب "أخلاق المعاملات" لكي نعوض عن نقصنا الأبدي فيها مادمنا مجرد بشر..والبشر عبارة عن كائنات مصلحية بطبعها شئنا أم أبينا.. ولهذا السبب تحديدا لسنا بالملائكة، ولن نكونها أبدا... ما أقوله هنا يظهر جليا في تعليقات بعض قراء الجزء الثاني من المقال (تعليقان أو ثلاث فيما أعتقد).. أصحاب هذه التعليقات قالوا أن ما أوردته عن "الرعيل الأول" أمر عادي ماداموا بشرا والبشر خطاءون..وفق هذا المنطق يكون الاقتتال بين طائفتين من المسلمين تركت آلاف القتلى والأرامل واليتامى هينا مادام قادة الفرقتين المتقاتلتين كانوا يوما يقاتلون لإعلاء كلمة الله العليا وكانوا الرفقة الحسنة للرسول (ص) وساهموا في نشر الدين... يعني أن القتل (أخلاق المعاملات) ليس بشيء إذا ما قورن بنشر كلمة الله، الإسلام (أخلاق العبادات)...تخيلوا معي أن يكون القتل هينا إلى هذه الدرجة وأن يكون هذا الفعل البغيض محمودا ومغفورا ومجرد "أخطاء"؟...مع العلم أني بحثت طويلا عن "كلمة الله العليا" التي يريد الفريقان إعلاءها وهما على دين واحد..فلم أجد غير المصلحة السياسية... علي ين أبي طالب يريدها أن تبقى له... وعائشة وطلحة والزبير من جهتم يريدونها لهم..الذريعة طبعا هي "قميص عثمان" والذي تحول بقدرة قادر إلى كلمة الله العليا في معارك طاحنة كان الضحية الوحيد فيها هو الإسلام نفسه...ومع ذلك فهي جميعها أخطاء لا غير... عثمان بن عفان يرسل بني أمية لتوليتهم على الأمصار ويجزل العطايا لمروان بن الحكم، بن عمه، ويسمح له بالاقتراض من بيت مال المسلمين، ثم يطالبه عبد الله بن مسعود، أمين بيت مال المسلمين برد الدين المستحق، فيرفض مروان، فيستدعي عثمان (ليس ابن عمه)، بل عبد الله بن مسعود ويوبخه توبيخا شديدا حتى وضع له هذا الأخير "السويرتات" وانصرف، ومع كل هذا فما فعله عثمان مجرد "أخطاء".. لماذا لأن هذا يدخل في المعاملات، في أخلاقها، التي نصنف نحن بدورنا (وفق منطق كلنا بشر) في دائرة الفاشلين فيها...في علاقة الخليفة بالمسلمين والمسلمين بالخليفة وأبناء عمومته به وعلاقتهم بعامة الشعب، أصحاب بيت المال.. إنه أمر هين إذا ما قورن بما بدله عثمان بن عفان من مال وجهاد في سبيل نشر الإسلام..(أخلاق العبادات)... هذه مشكلتنا يا سادة... ومن هنا يجب أن نبدأ...فنصف الحل معرفة أصل المشكلة...حين نفشل في الابتعاد عن الشهوة والمال والنفوذ ندافع عنها بقوة في إطار "الإبقاء على العلاقة جيدة بالخالق"...وكما أوردت في الجزء الأول فمن أجل التكفير عن خطايانا يكون علينا أن ندعم كل من يدعم الدين أو المدينة الفاضلة إياها (انظر الجزء الثاني)....نحن في حاجة إلى دعم صفحات فايسبوكية معينة ونجوم معينين على الأنترنت يروجون لخطاب نريد أن نسمعه ليخفف عنا آلام الذنوب والخطايا ويقربنا لله من "ناحية أخرى" أو "مسلك آخر".. مسلك العبادات.. نحافظ على كل "أخطائنا" ونحافظ على تكرارها، نزني، نشرب، نرتشي، نرشي، نكذب، نموه، نحلف كذبا...ولكننا سندعم كل من يجيد لعن الزنى والخمر والرشوة والكذب والنصب والاحتيال وشهادة الزور....نجاهد أنفسنا لكي نكون كما كان الرعيل الأول الذي نعتقد أنه من الملائكة وأنه مثال حقيقي لإمكانية التمثل بكافة تعاليم الدين الحنيف...لسنا مستعدين لنسمع من يقول لنا الحقيقة لأنه سينتزعنا من الحلم، من الوهم.. نحن نفضل أن نسمع من يردد على مسامعنا كلاما يفرج عنا حجم كربتنا ومعاناتنا مع ضميرنا... نحن نعلم أنه من المستحيل أن نتحول إلى كائنات ملائكية ونستمتع كثيرا بالموسيقى والسينما والأفلام الإباحية أيضا (تذكروا أن البلدان الإسلامية تتصدر أرقام البحث عن كلمة جنس في غوغل)..نفعل كل الموبقات والمغريات لأننا بشر...ولكننا في نفس الوقت وفي "الساعة التي نكرسها للرب" (ساعة لقلبك وساعة لربك) نحب أن نشاهد أو نقرأ أو نسمع "الدين"...ومن أجل هذه الأسباب تحديدا يعتبر أكبر التجار نجاحا هم أنفسهم تجار الجسد والمخدرات والخمر والفن والسياسة والدين... في مجتمعاتنا لا مكان للفكر أو العلم ولهذا سلعته بائرة... في مجتمعاتنا ينجح فقط من يجيد دغدغة الأحاسيس معا.. أحاسيس الشهوة والمتعة بكل تجلياتها، وأحاسيس العودة إلى الله وأحاديث الآخرة ...لهذه الأسباب مجتمعة نجح بعض "محترفي الشعبوية".. (وبالشعبوية هنا أقصد "قول ما يود العامة سماعه".)..ولأن هؤلاء يغلفون الشعبوية بالخطاب الديني فإن الخليط هنا يصبح حقا وصفة ناجحة للغاية...إنها ما يمكن أن نسميه هنا ب"الشعبوية الدينية"...وهم تحديدا القسم الثاني من أصحاب "التيار الديني"...إنهم "محترفو الشعبوية" الذين يرددون كلام الدهاقنة من خلال صفحات الفايسبوك وأشرطة اليوتوب...إنهم أولئك الذين يتحولون إلى نجوم ليس لأنهم يعرفون "ما أسفل الطاولة" كما هو الحال مع القسم الاول (الدهاقنة)، بل لأنهم وجدوا اللعبة جيدة جدا من ناحية ولأنهم من ناحية أخرى مقتنعون حقا بما يقولونه...أما السبب فتجدونه في لازمة "أمة إقرأ التي لا تقرأ"...إنها الأزمة الثقافية المعرفية...ذلك أنه من عادة الشعبويين أنهم لا يقرؤون في الاتجاه المعاكس كثيرا... دعوني أكون صريحا، أو بالأحرى قاسيا، نوعا ما وأنا أقول أننا أمة فقيرة معرفيا... نعم هذه هي الحقيقة التي تعرفونها ولست في حاجة لإعطاء أرقام وإحصاءات..نحن أمة لا تقرأ، وإن قرأت قرأت "أهوال القلوب" عوض أن تقرأ "أفعال العقول" و"العلوم".. حتى ونحن نقرأ نحاول أن نقترب من الله أكثر تعويضا عن فشلنا الأخلاقي "معاملاتيا"...أغلبنا لا يمتلك الجرأة على قراءة فرج فوذة قبل سبه ولعنه أولا..وإن قرأنا قرأنا ونحن تحت تأثير "أفيون التدين المزيف".. هذه الأمية المعرفية هي رأسمال "الشعبوية" تكرسها، وتقتات منها.. لا تطرح علما.. تطرح أحكام قيمة فقط...تطرح مسلمات لا غير..لا تطرح الفكرة بالحجة والمنطق.. بل تكرر الكلام خارج كل منطق...هذه الشعبوية الدينية لها نجومها ومن صفحة أشهرهم اخترت لكم فقرات معينة...وهي سيدة نكن لشخصها كل الاحترام... 1) "لو كان بيد منصور أن يدعم ملف الصحراء المغربية.. لزوجه المخزن بدل الواحدة بأربعة: وحدة شرعي ووحدة عرفي ووحدة مسيار ووحدة متعة! ولضمن له شهر العسل في مراكش جنب منتجع ساركوزي، بحماية أمنية كما يحمي الأمن ڤلل إكراميات الخليجيين ويوفر للمستثمرين الأرنبات وداكشي"! 2) "العدالة والتنمية ما حشمتوا ما ستحييتوا؟ تزوجون مناضلات حزبكم بالصداق والشهود بدل أن تقيموا بهن القصاير في الملاهي والبيران كما يفعل النظام لإكرام لاعبي الكرة الأجانب ومستثمريه الخليجيين، وكما يفعل بعض الصوحافيين الحداثيين في فنادق المهرجانات مع الأرنبات نصرة لكرامة المرأة!! هذا هو الإسلام أيها الفاسدون؟ إخص.. ما صدقتوش!! سيروا تعلموا من سيادكم الذين يدخلون بالنساء بمباركة ياكوش ويصوروهن باسم الفن كعيوش وهن يمارسن الفنكوش لغاية نبيلة ألا وهي محاربة الفساد.. الجواج أقلالين العفة الجواج؟" 3) "شوفوا أعباد الله مجلة "ماغوك إيبدو" التي تربط صورة للمغاربة وهم ساجدون يصلون التراويح بعبارة: الإسلام المتطرف! أنظروا كيف حولوا شعبا بأسره إلى متطرفين إرهابيين دواعش فقط لأننا نطالب باحترام قيم الشارع العام.. أنظروا أعباد الله كيف يحاولون مساومتنا إما أننا دواعش/ مع الإخوان ضد وطننا إما أن نستسلم لأجندات البنك الدولي ونخضع لزبالة قوانينهم الوضعية المستوردة لتحكم زواجنا وطلاقنا و نستسلم لتقنين الشذوذ والعهر!! إن كنا جميعا دواعش وإخوان.. نطالب النيابة العامة باعتقال الشعب"! 4) "لو أرادت جماعة العدل والإحسان أو بعض السلفيين التكتل للتآمر على النظام لاستغلوا العام بطوله بين منازلهم ومقراتهم والجامعات والمقاهي ومكاتب العمل.. ولن ينتظروا العشر الأوخر من رمضان ليتفقوا على الثورة عبر الاعتكاف في المساجد!!! الموضوع نعيد الخوض فيه كل عام وعلينا ذلك.. فلا يعقل أن نصمت أمام هذا الأحمد التوفيق الذي يراعي بالمال والنفس والنفيس التكتل داخل الزوايا لممارسة البدع ويمنع عبادة مذكورة في القرآن الكريم: "والعاكفين والركع والسجود" / "ولا تباشروهن وأنتم عاكفون في المساجد" هناك حل بسيط: يمكن أن يرسل سي الحموشي مخبرين للاعتكاف وسط أعضاء الجماعة ورفع التقارير عن أي محادثات خارج الذكر! كثرة الهم تضحك" 5) "كيف فرضت السعودية التبعية على المغرب حتى في محاربة الإخوان........ إن كان المخزن هو الذي يخوض اليوم حرب الأعراض هذه على حزب "الإخوان" المغربي إرضاء للسعودية وترويضا للإسلاميين، فكم يكف المخزن من التنازلات حتى يصير الحزب مدجنا (تقصد مدعنا) مروضا أليفا..وإن كان المخزن بريئا من هذه الحروب، وكانت ليست إلا حملات قبل الانتخابات الجهوية.. كم قبض هؤلاء الصحافيون من الأصالة والمعاصرة حتى يمرغوا أنوفهم في هذا الوحل المزكم؟" هذه الفقرات من صفحة أشهر "مدافعة عن الهوية والدين" على الفايسبوك وربما تكون الأشهر على الإطلاق بعدد متتبعين يقارب الربع مليون نسمة فايسبوكية..دعونا نجرد من خلال الفقرات أعلاه ومن خلال فقرات أخرى نوع الخطاب الذي يساهم في الإبقاء على الوضعية الثقافية كما هي وتكريس وهم التيار الديني في البلاد..الفقرة رقم واحد أتركها لخاتمة المقال ومن الثانية والثالثة نبدأ..هنا الخطاب موجه للأتباع وغيرهم دفاعا (كما العادة) على الأخلاق الحسنة.. في الأولى (الفقرة الثانية) دفاع عن الزواج الشرعي (حتى لو كان عرفيا، المهم أن في التركيبة كلمة "زواج")، بقالب هزلي وذم "الكونكوبيناج" أو التصاحيب (مع العلم أن الزواج العرفي الذي تدافع عنه صاحبة الصفحة هو عبارة عن "كونكوبيناج غير شرعي أساسا)...لن ندخل في هذا الجدال الفرعي، ونكتفي بالتذكير أن الحديث هنا عن الأخلاق الحسنة"، وهذا يحب كثيرا أن يقرأه ويسمعه المعجبون والساعون إلى التكفير عن خطاياهم..لا أحد يزني..زالمهم أن يدعموا هذا المنشور لأنه "يذكر بالدين"...إنه الكلام الذي يشتهون سماعه...في الفقرة الثانية هناك منافحة عن الدين المعتدل وعن الهوية... هكذا كلام عام.. مسلمات عامة..إنهم الكفار الآبقون وهم ينشرون صورة مصلين متقين يتقربون إلى الله (بمناسبة حلول "ساعته" وشهر مغفرته)، إنها صورة "ماروك إيبدو"، تلك المجلة العلمانية التي تعادي الإسلام والمسلمين.. (أشم هنا مرة أخرى وبلا بينة رائحة تأليب وتشويه لصورة العلمانية ) فيما بعض أتباعها في كامل الاستماع لها حيث أنها ومادامت تبكي من أجل الدين ضد شيء ما فلا بد أن يكون هذا "الشيء الما" تجسيدا للشر المطلق..أليس "الضد بالدين" يعرف؟... هنا نمر إلى الفقرة الرابعة..إنها مهمة جدا..تعبر عن أشياء كثيرة.. هنا التباكي على الدين أولا وعلى الحريات الفردية ثانيا ودغدغة من يحبون الإسلاميين ويعتبرون النظام المغربي عدوا له(م)...أولا يجب التباكي عن حرمان العدل والإحسان من الاعتكاف برسم العشر الأواخر من رمضان في مساجد المملكة..(وهو الأمر الذي نددت به حركات علمانية وفق مبدأ حرية ممارسة العقيدة ولكن تلك الحركات اختارت لغة أخرى غير لغة التباكي..اختارت لغة الحقوق)...ثانيا يجب اللجوء إلى سلاح العدو (العلمانيين الكفرة بالله) أي الحرية الفردية لممارسة الضغط...وهنا تكون "الحرية الفردية" (التي هي جزء من فلسفة العلمانية وليس التيار الديني لأن التيار الديني لا يؤمن بالحريات الفردية أساسا) أمرا جيدا ورائعا ويمكن استغلاله، تماما كاستغلال صناديق الاقتراع الديمقراطية من أجل الوصول إلى الحكم، ثم نسف الديمقراطية والاحتكام إلى الرأي الواحد... رأي المشايخ وتجار الدين...تماما كالتباكي على حرية التعبير قبل الحصول عليها ومن ثم استغلالها لنسف حرية التعبير لدى الآخر عبر تكفيره وتأليب الناس عليه واتهامه بالعمالة للغرب الكافر الزنديق الذي يتآمر علينا...التباكي على هذه الحقوق واستغلالها يبقى أمرا جيدا حتى لو كنا أول الكافرين بها.. وهذا يدخل في إطار علاقتنا الفصامية المعقدة مع "الغرب الكافر" ومنتوجاته.. نحبه ونكرهه في نفس الوقت.. نتهم أهله بالفسق والفجور ونقف بالطوابير أمام سفاراته، نلعنه ونحن نستعمل مخترعاته، ندعو للإسلام في بلده مستغلين العلمانية التي تسمح للجميع بممارسة شعائرهم الدينية والدعوة لها ولكننا في نفس الوقت نوجه له أقدع السباب والشتم ونتهمه بتنصير شبابنا المسلم وندعو لسجن من ضبط وهو يمارس ذلك....ثالثا، يجب إذكاء الصحوة الإسلامية ضد المؤامرة الكبرى التي تحاك ضد الإسلام والتي وافق النظام المغربي على أن يكون جزء منها برعاية وأوامر من السعودية وأمريكا كما يأتي بشكل صريح في الفقرة الخامسة... في فقرات أخرى من هذه الصفحة ومن صفحة شاب آخر يدعو نفسه بالشيخ صار..لا يوجد حديث إلا عن مواضيع مرتبطة ب"محاولة التقرب من الله تعويضا عن خطايا أخلاق المعاملات".. هناك أولئك الذين لا يصومون والعياذ بالله، والباقي حديث عن الجسد وحسب...نحن المغاربة نلخص كل "الموبقات الكبرى" في ما يرتبط بالجسد.. أفضل موضوع للتباكي هو "الجسد"، و"الصوم" حين يحين رمضان... المثلية الجنسية..الخيانة الزوجية، العلاقات الجنسية، العري، القبلات، الجسد..واللائحة تطول...إنها المواضيع الأكثر إثارة..إنها تلك الأشياء التي نعاني فيها أكثر من غيرها حالة من الفصام المزمن...هذه أيضا تبقى في حد ذاتها وفي إطار التباكي حولها أيضا من أفضل الأمور المحببة لدى المجتمع.. فنحن أمة لا تبالي إن رأت متشردة نصف عارية في الشارع ولكن مشهد ركبتين عاريتين لامرأة جميلة لا نستطيع الحصول عليها يستفزنا كثيرا...إن الفتاة استجابت لي فهي "جميلة" و"تثيرين الإعجاب" و"أنيقة"..وووو...إلى أن تحصل الخلوة غير الشرعية..وإن لم تستجب "فهي عاهرة مع سبق الإصرار والترصد...مواقفنا الذكورية هي التي تحركنا، وليس الدين... نساند القانون الذي يبيح للشرطة اعتقال "رجل وامرأة" من داخل بيت دون أن نعلم أنه شرعا لا وجود لأمر كهذا ولا لحكم كهذا، وأن هذا القانون غير مستمد أساسا من الشريعة الإسلامية التي نبكي عليها كل يوم..الشريعة واضحة..أربعة شهود يرونهما عاريين والمرود في المكحلة..فلماذا يصر الشيخ صار وغيره أن يتباكى على الإسلام في واقعة "السيمو" و"ريبيكا" مثلا؟...ألا يردد هنا مجرد خطاب شعبوي يريد البعض أن يسمعه تكفيرا عن خطاياهم أو "تبريدا لغدائدهم" في عدم إمكانية التواصل مع "أمريكية" ب"وريقاتها"؟...نضرب المثليين في الشارع ولا نستطيع ضرب المجرمين.. نتبع شابة وشابة إلى الغابة لكي نبلغ عنهما بتهمة "الأكل" في رمضان، ولا نستطيع أن نبلغ عن "بائع مخدرات يدخن نهارا جهارا" وفي يده سيف من الحجم الكبير...ولكننا حين نجلس أمام الحاسوب ويكتب لي "الشيخ صار" منشورا يتباكى فيه عن قيم الإسلام التي ضاعت والخوف من الله الذي انقرض حتى خرج شاب وشابة إلى الغابة فأكلا و"عام الله أش فعلا؟"... نشمت في الشاب والشابة ونؤيد اعتقالهما برسم الفصل 222 رغم أن هذا الحكم لا أساس له من الشريعة الإسلامية وهو من وضع الجنرال ليوطي خلال المرحلة الاستعمارية...نحن اعتبرناه جزء من "هويتنا"..هكذا، دون مقدمات حتى...وهنا المشكلة ما قبل الأخيرة في هذا المقال.. مشكلة "حجم المعرفة" في رؤوس أصحاب هاته الصفحات، وكم الجهل الذي يبثون المزيد منه في عقول الناس، وكم الإعاقة عن التفكير التي يسهمون بها داخل مجتمع معاق معرفيا...؟... إنه تيار من صنيعة الوهم...تيار يكرس الوهم، ويقتات على الوهم...يكرس الجهل ويقتات عليه..هذا التيار لا يمثل خطرا على أجهزتنا التفكيرية الكفيلة بقيادة سفينة حضارتنا إلى الأمام بل هو يمثل خطرا على الوطن أيضا لأنه لا ولاء له لهذا الوطن من الأساس...وهذا ما تعبر عنه تماما الفقرة الأولى التي أوردتها من إحدى صفحات الشعبوية الدينية...ولست أعتقد أني في حاجة إلى التعليق على منسوب الوطنية فيها والولاء للوطن والمدافعة عن قضاياه ومنسوب الولاء للإخواني الأيديولوجي الخارج عن حدود هذا البلد الآمن الذي نسميه المغرب...(وحين قلنا لهم هذا الكلام في قضية منصور قالوا أننا نتجنى عليهم..)... علينا أن نستفيق.. علينا أن نعلم أنه لا وجود للمدينة الإسلامية الفاضلة.. أننا بشر نحب المصلحة والشهوة والمال والنفوذ منذ البداية، والآن، وسنظل كذلك إلى أن تفنى الدنيا ومن عليها..أن الله يعلم كل هذا..أننا لسنا في حاجة إلى "اللعب مع الله" (كما يقال) لأنه يعلم كل شيء..لسنا في حاجة إلى النفاق...لسنا في حاجة للدفاع عن الأخلاق التي نخرقها كل يوم..لسنا في حاجة إلى الإعظام من شأن العبادات على حساب المعاملات لأنه في هذه النقطة تحديدا انتصر علينا الغرب فتطور...نحن في حاجة إلى رفع الغشاوة عن أعيننا.. في حاجة إلى معرفة حجم الوهم الذي يبيعوه لنا من أجل مصالحهم السياسية.. حجم الخديعة التي تمارس علينا...علينا أن نحرر عقولنا من وصايتهم لأنهم لا يملكون شيئا غير الوهم والمسلمات الخاطئة..علينا أن نقرأ، أن نتثقف، أن نتعلم عدم استعداء شيء قبل معرفته والاطلاع عليه.. علينا أن نكون شجعانا ونقرأ تاريخنا ومن مصادره.. علينا أن نتذكر أن العقول هي التي تبني الأوطان وليس الأخلاق..وأن الأخلاق الإنسانية التي تفهمت طبيعة البشر وحاولت تقنينها فخلقت "الواقي الذكري للوقاية من الزنى" عوض حمل البنادق ومراقبة الناس في غرف النوم"..أن هذه الأخلاق الإنسانية التي تمنع القتل والنصب والاحتيال والارتشاء والرشوة واستغلال النفوذ وسرقة المال العام والتي حين أعلى الغرب من شأنها، وترك أمور العبادات للمواطن بينه وبين خالقه، تطور... تذكر في الأخير تلك المقولة الشهيرة التي لا أذكر قائلها : " عوض أن تمضي حياتك وأنت تحاول إثبات أن الآخرين سيدخلون إلى جهنم، حاول أن تعمل ما استطعت لكي تدخل أنت إلى الجنة"... اعتقد ان الدائرة قد التفت حول رقبة الوهم. فإلى مقال قادم.