كانت الدارالبيضاء خلال أسابيع ماضية مسرحا لمنافسة رياضية دولية كبيرة في رياضة كرة المضرب. يتعلق الأمر بالدورة ال 25 لجائزة الحسن الثاني الكبرى، التي توجت بفوز السلوفاكي مارتن كليزان، المشهور على صعيد أدوار المنافسة الدولية لاتحاد لاعبي التنس المحترفين (المصنف 29 في ترتيب اتحاد لاعبي التنس المحترفين). لعل الملاحظة الدقيقة لسير البطولة، تكشف بكل مرارة الطابع الهاوي المريع للأطقم الفيدرالية المكلفة بتنظيمه وبإعداد الرياضيين المغاربة لهذا الموعد السنوي. فسواء من حيث الجانب الرياضي أو تدبير التظاهرة، فالإخفاق كان جليا على المستويين معا. ولا محترف مغربي على الصعيد الرياضي، من الواضح أن على المغاربة أن يتحملوا على مضض تقهقرا صامتا وقاتلا. وعليهم التسليم بالأمر الواقع، فزمن العيناوي وأرازي والعلمي قد ولى. عليهم الاكتفاء بذكريات الأمس، عندما كان هؤلاء الفرسان الثلاثة، الذين استفادوا من تداريب بكل من إسبانيا وفرنسا والولايات المتحدة، يصنعون إشعاع ألواننا الوطنية ويجعلون أيدينا على قلوبنا. لم يبق أمام المغاربة إلا دغدغة الآمال الضائعة ومعانقة السراب المتلاشي، فالإنجازات على الصعيد الدولي تبدو بعيدة المنال، ولن يكون للمغرب نصيب في النتائج الرياضية ليروي عطشه. إذ لم يتمكن أي لاعب مغربي من الوصول إلى السبورة النهائية، ولا حتى جدول التأهيل على أساس ترتيبه الفردي. لم يفز أي من المشاركين بدعوة ولو بمباراة واحدة، باستثناء لمين وهاب، الذي تأهل للدور ربع النهائي. ولكن هل ينبغي التذكير بأن هذا اللاعب المحترف المتميز، الحاصل مؤخرا على الجنسية المغربية، حمل علم الدولة الجزائرية التي رأى فيها النور وعاش على أرضها حتى سن ال 30 ؟ وإلا سنكون بصدد تحايل فكري إن زعمنا أبوة الإنجازات الرياضية لهذا اللاعب، مستغلين اللبس الذي قد ينطلي بسذاجة على البعض. جيلان من الضحايا مارتن كليزان معروف جيدا لدى هواة كرة المضرب بالمغرب، بحيث تابع مواطنونا خطواته الأولى من بين المحترفين في إطار دورة المستقبل للمملكة. فقد شارك في فبراير 2010، وهو في سن العشرين، في دورة المغربF2 المستقبل للرباط، حيث فاز بصعوبة في ثمن النهاية على المغربي ياسين إدمبارك، بنتيجة 0-6، 6-1 و3-6، ليخسر بعد ذلك في النصف النهائي بشوطين صغيرين أمام لامين وهاب. بعد أن اندحر اليوم إلى أسفل التصنيف العالمي (المرتبة 737) وقد بلغ الثامنة والعشرين، عرف ياسين إدمبارك مسارا احترافيا معاكسا لمسار البطل السلوفاكي. غير أنه ليس لاعب التنس المغربي الوحيد الذي اندحر إلى هذا الحضيض الرياضي. فآخرون، أو لنقل كل الآخرين عرفوا نفس المصير : رضا العمراني، يونس الراشدي، مهدي الزيادي وهشام خضاري رأوا آمالهم في تحقيق إنجازات رياضية تتبخر بسرعة، والحال أنهم كانوا ضمن النخبة العالمية في فئة الناشئين حتى طور الفتيان. فقد كان أصغر الشبان الواعدين للتنس المغربي، مثل كميل بنموسى ويونس متروكي وإسماعيل لحلو وعثمان العلمي، يشكلون الجيل التالي وربما الأكثر موهبة. لقد أحبطتهم التجربة المؤسفة للأكبر منهم سنا فاتجهوا، بحسرة كبيرة، نحو الدراسات العليا بالولايات المتحدةالأمريكية أو بفرنسا، بمجرد حصولهم مباشرة على الباكالوريا. جنتهم الجديدة تسمى دوفين (Dauphine) وأوبين (UPenn). القاسم المشترك بين أقدار هؤلاء اللاعبين يؤكد ألا يد لهم فيما حصل. إنهم جميعا ضحايا هفوات الفيدراليات والقصور المشين للإدارة التقنية الوطنية. موت التنس إناث فيما يخص السيدات، فإن الوضع أكثر مأساوية. إذ ليست هناك لاعبة مغربية واحدة لخوض المنافسات احترافية. فالمغربية رقم 1 تبلغ 20 سنة من العمر وتتموقع خارج الرتبة 1000 في تصنيف الاتحاد النسوي للتنس. صحيح أن التنس النسوي كان دائما ذا مستوى متواضع في بلدنا : فأفضل لاعبة في تاريخ المغرب، باهية محتسن، بلغت الرتبة 149 في التصنيف العالمي سنة 2002، فارضة وجودها في دورة الفيدرالية الدولية للتنس، لكنها لم تفز بأي لقب للاتحاد النسوي للتنس. كل اللاعبات المغربيات للواتي شاركن في الدورات الخمس للجائزة الكبرى لصاحبة السمو الملكي الأميرة للا مريم، لم يتمكن من التواجد بسبورة النهائيات إلا بفضل الدعوات. إذ لم تفز أي واحدة منهن بمباراتها في الدور الأول، باستثناء نادية العلمي التي تأهلت سنة 2011 لربع النهائي بفوزها على البطلة الفرنسية أرايان رزائي. وعوض الاستفادة من هذا الانجاز، تم الدفع باللاعبة المغربية الشابة إلى التقاعد الرياضي ! اليوم، لا يلوح في الأفق أي طموح من المستوى العالي، وكأن الفيدرالية تتقبل فشلها الذاتي معلنة الحداد على التنس النسوي بالمغرب. التضخيم الإعلامي من أجل الخداع تستطيب الأوساط الفيدرالية الثرثارة بابتهاج النتائج الرياضية المسجلة لدى فئات الشباب. فالوثائق الدعائية للإدارة التقنية الوطنية المُقدمة، كما هي، لرؤساء النوادي خلال الجموع العامة للفدرالية الملكية المغربية لكرة المضرب، دون أدنى قراءة نقدية لا من طرف الرئيس، ولا من أعضاء المكتب الفيدرالي ولا حتى من المشاركين في الجموع، تحجب بشكل فاضح ضعف الإنجازات الرياضية. هكذا، يتم الترويج بأن المنتخب المغربي هو بطل إفريقيا والبطل العربي، في حين تم الفوز فقط ب 2 أو 3 ميداليات ذهبية في المنافسة القارية التي تشمل 12 دورا إقصائيا. أما بالنسبة للبطولة العربية، فأفضل اللاعبين المصريين، التونسيين والجزائريين غالبا ما يتغيبون عن هذه المنافسة، لقلة فائدتها الرياضية. ففقدان ذاكرة الهيئات الرسمية بارتضائها هذه النتائج، لن يصيب بالعدوى الذاكرة الجماعية للرياضيين المغاربة، التي تحتفظ جيدا بذكرى سنوات المجد، حين كان المغرب يفوز في البطولات الإفريقية والعربية بالميداليات الذهبية في مختلف الفئات. ولكن ليس هذا هو المهم، فلن تنطلي هذه المحاولة على أحد لتحويل الأنظار ! فالإنجازات الرياضية في الفئات الصغرى لا تعود لا للفيدرالية، ولا للإدارة التقنية الوطنية ولا حتى للأندية. إنه عمل فردي للرياضيين الشباب برفقة مدربيهم الشخصين، وبدعم من أوليائهم، الذين هم المصدر الأساس لتلك الانجازات. تتمثل الصعوبة كلها في القدرة على الاحتفاظ بهم في فئات الناشئين والمحترفين. العبور لهذا الطور رهين بالمسؤولية الحصرية للإدارة التقنية الوطنية. وفي هذا المستوى بالضبط، يكمن فشلها الذريع. دورة المحترفين 250 : إقصائيات متواضعة تنتمي جائزة الحسن الثاني الكبرى للتنس لسلسلة اتحاد لاعبي التنس المحترفين 250، مما يصنفها في المستوى الثاني من السلم التراتبي للمنافسات الاحترافية الكبرى للمسابقات الدولية لاتحاد لاعبي التنس المحترفين التي تشمل 5 أدوار قبل تشالنجر ولكن بعد اتحاد لاعبي التنس المحترفين 500، الماستر 1000 بطولات الدورات الكبرى. تم الحصول على هذا التصنيف من طرف بطولة الدارالبيضاء خلال دورة 2009، ومن حينها، لم يتم إدخال أي تحسن. فالبنية التحتية لم تتغير قيد أنملة وقدرة استيعاب الملعب الرئيسي (5500 مقعد)، على الرغم من كونها مطابقة لمعايير اتحاد لاعبي التنس المحترفين، تظل متواضعة مقارنة مع بطولات أخرى من نفس الفئة مثل استوريل المفتوح أو جنوبفرنسا المفتوح لمونبوليي، التي تستوعب ملاعبها الرئيسية على التوالي،000 10 و000 9 متفرج. ولا تفوتنا الإشارة إلى الصعوبات الكبرى التي واجهها المنظمون لملء ملعب الأمل، الممتلئ على مدار الأسبوع في حدود 30٪ أو 40٪ كأقصى تقدير من طاقته الاستيعابية، ويرجع الفضل في ذلك بشكل كبير للتعزيزات التي اعتمدت مجموعات لأطفال المدارس الحكومية ودور الأيتام. علاوة على ذلك، وعلى الرغم من عدم منافسته في أوروبا خلال نفس الأسبوع من طرف أية بطولة أخرى لاتحاد لاعبي التنس المحترفين، مُعادلة أو أكبر، فلم تحضر النخبة العالمية للتنس إلى بطولة الدارالبيضاء. لقد فضلت تفادي المشاركة فيها للاستعداد بشكل أفضل لبطولة الأسبوع التالي، الماستر 1000 لمونتي كارلو، الأرقى بكثير في نظرها. هذه اللامبالاة، تقتضي مستقبلا إعادة النظر بوضوح في ملائمة تاريخ برمجة جائزة الحسن الثاني الكبرى. بطولة احترافية وتدبير للهواة علاوة على العيوب المسجلة بخصوص تحديث البنية التحتية والمنشآت الرياضية لمُجمع الأمل، هيمن على تدبير البطولة نوع من الهواية. فبالفعل، لم يتم القيام بأي شيء من أجل تحسين الخدمات المقدمة للجمهور من حيث الاستقبال، الطعامة؟، التنشيط والإعلام .... لم تنجز استطلاعات لقياس الجودة لدى المتفرجين و المهنيين (لاعبين، مُدربين، صحفيين، الجهات الراعية والعارضين ...). فالتغطية الإعلامية كانت جد محدودة، علما أن مخطط التواصل المعهود به بالتراضي طيلة سنوات ولوكالة الإشهار نفسها، بدائي جدا. إذ لم يتم إعداد أية استراتيجية للتسويق الخاص بالتظاهرة لوضع تصور لهذا الحدث الرياضي على مدى عدة أسابيع، مع جعل مسك ختامها أسبوع البطولة. كما لم ينظم أي نقاش على هامش الجائزة الكبرى، حول السياسة الرياضية للفدرالية وطموحاتها في هذا المضمار. إذ لم تجر الاتصالات الفردية الخاصة لضمان استقطاب النجوم الكبار للتنس العالمي. ناهيك عن كون المكاسب المالية للبطولة محدودة للغاية. والظاهر أنه لم تتخذ أية مبادرة لرفع عائدات هذا الحدث، خصوصا من خلال إعادة التفاوض بشأن عقود الرعاية وحقوق البث التلفزي. وضعية مالية متدهورة للفيدرالية إذا رجعنا إلى التقرير المالي للموسم 2013/2014 الذي قدمه المكتب الفيدرالي للجمعية العمومية العادية ل 7 مارس الأخير، من السهل ملاحظة مدى هشاشة الوضع المالي للفيدرالية. رغم غياب المصادقة على الحسابات، فالوضعية الصافية للحصيلة تعرف خصاص يصل إلى 4160-ألف درهم. يظل الدعم العمومي والرعاية المورد شبه الوحيد للفيدرالية: على التوالي 8600 ألف درهم و8450 ألف درهم، أي ما يقارب 2/3 من إيرادات الاستغلال غير الجارية. تُشكل مجموعة جد محدودة من الشركات، خمسة في المجموع، دائرة الراعين، مما يخلق تبعية إزائها. علما أنه لم يتم الوفاء بعقد رعاية وُقع مع هيئة عمومية بمبلغ 1000ألف درهم برسم موسم 2012/2013. كما تم البدء في مشاريع رياضية تتطلب استثمارات مهمة وتستهلك الإنفاق العام، ثم توقفت فجأة. كما هو حال مركز الفيدرالية للتنس للدار البيضاء، الذي توقف سنة 2013 بسبب النتائج السلبية بقرار من اللجنة الوطنية الأولمبية المغربية التي كانت تؤمن تمويله، أو المركز الوطني المخصص "للنخبة" الذي أنشئ بالمحمدية والذي فتح أبوابه من يناير إلى غاية يوليوز 2014 وانتهى الأمر. عزوف جماهيري إن ضعف الحضور الجماهيري المسجل في الممرات ومدرجات ملعب الأمل، يعكس بالفعل اللامبالاة الفظيعة للرأي العام لهذا النوع من الرياضة وبهذا الدوري الفريد. كيف يمكن أن يكون الأمر خلاف هذا، والشبان والأصغر سنا لم يعد لهم نجوم يمكنهم التعلق بها أو عندما تعدم المقاولات الراعية أبطالا وطنيين كانت ترغب في إشراكهم في علامتها الخاصة ؟ هذا الإعراض عن هذه الرياضة تكشف عنه الأرقام الرسمية للفدرالية. فالتقرير المالي المذكور أعلاه لا يشير إلى عدد الممارسين المرخص لهم بالمغرب، ولكن يسجل أن الإيرادات المتأتية من التراخيص قد زادت من 350 398 درهم إلى 250 566 درهم، نظرا لزيادة الرسوم من 50 درهم إلى 100 درهم للفرد. يبدو إذن أن عدد المرخص لهم انخفض من 8000 لاعب خلال الموسم الرياضي 2012/2013 إلى 5700 في السنة الموالية. يا له من إنجاز تحققه فدرالية من المفروض فيها دمقرطة ممارسة كرة المضرب في بلد يتجاوز عدد سكانه قرابة 34 مليون نسمة. تعتبر الرياضية؟ ذات المستوى العالي من مقومات الهوية الوطنية ويشكل عاملا من عوامل تعبئة الأجيال الشابة. لذا فتنظيم بطولة دولية يمثل حدثا استثنائيا ينبغي توظيفه لخدمة الرياضات التنافسية. ومن ثمة فتفويض مثل هذه المهمة لجهة جمعوية، ولو كانت فيدرالية، قد يشكل خطرا عندما تسند إلى غير أهلها. بناء على هذا، على الدولة أن تتخذ مبادرات وتتحمل مسؤولياتها في مثل هذه الظروف. *عضو مكتب حركة "ضمير" وائتلاف الاقتصاديين الاستقلاليين