لم أكن أتوقع وأنا أحضر إلى مدينة بيزاكارن شمال كلميم من أجل المشاركة في أشغال الندوة الوطنية حول واقع حقوق الإنسان في الصحراء المغربية أن اسمع هول المعاناة التي حكاها مجموعة من أسرى الحرب المغاربة في مخيمات تندوف، ما أثارني حقيقة هو حجم الظلم واليأس الذي كانت تحمله قسمات الوجوه وعمق الأسى والمأساة الذي تنفثه الكلمات. جئت إلى مدينة بيزاكارن باعتباري باحثا في العلوم السياسية ولكوني مهتما بالدبلوماسية الغير الحكومية التي كانت موضوع مداخلتي، لأجد نفسي محاطا بسيل من الأفكار والمعطيات بل بغزارة في المعلومات والحقائق، جعلتني أتأكد أن غالبية الحاضرين على علم كبير بتفاصيل ومستجدات قضية وحدتنا الترابية أكثر حتى من بعض قيادي الأحزاب السياسية التي تدعي تمثيل المواطنين. أحزابنا السياسية التي أصبح من الواضح اليوم أن معظمها وللأسف الشديد لا يصلح لشئ إلا لإذكاء روح الانتهازية والوصولية في ما تبقى من منتسيبها، أحزاب أضحت حلبات للصراع المجاني الضيق، حروب من أجل المناصب ونزاعات لتغيير خارطة الو لاءات. إن الدعوة إلى حل الأحزاب السياسية الوطنية وان كانت أمرا مبالغا فيه، فهي على الأقل تجد ما يبررها في هذا الصمت الرهيب الذي ما فتئت تتعامل به هذه الأحزاب مع قضية الصحراء المغربية ، فبالرغم من وجود هذا الكم الهائل من الأحزاب أو الأحزان السياسية كما يحلو للبعض تسميتها- أحزاب من مختلف ألوان الطيف السياسي ومن إيديولوجيات متعددة- إلا إن أخر همها هو الدفاع عن القضايا المصيرية لبلادنا. فواقع الحال ينبئ بهول الأزمة التي تعيشها قضيتنا الأولى و بعمق الاختلالات التي صاحبت تدبير الملف منذ عقود مضت. لأن ضعف الأحزاب السياسية وعدم قدرتها على تفعيل دبلوماسيتها وافتقارها للكفاءات القادرة على مواجهة أعداء وحدتنا الترابية بعيدا عن الانتهازيين و الوصوليين لا يسئ فقط إلى القضية بل يضعف المبادرة الملكية للحكم الذاتي التي لم تحظى بالتسويق الدولي والخارجي اللازمين باعتبارها حلا قوبل بإشادات واسعة في المنتظم الدولي. تتبعت مداخلات وتعقيبات وأسئلة الحاضرين بإمعان كبير وبتأثر بالغ ولعل أكثر ما هزني فيها شهادة أحد الأسرى المغاربة السابقين الذي صرح أنه في الوقت الذي كان ينتظر فيه الإنصاف ورد الاعتبار فوجئ بان جلادي الأمس هم الذين يحضون بالعناية الكاملة والامتيازات المختلفة. نعم هذا هو واقع الحال، إختلالات بنيوية عميقة و أحزاب أغلبها مريض يشكو مرض الشيخوخة ومرض غياب الديمقراطية وأمراض أخرى كثيرة كالانتهازية والاسترزاق السياسي، سياسيون أقصى ما يهمهم الحقائب الوزارية والمناصب الحكومية. إن ما عرفته مدينة العيون مؤخرا من أحداث دامية يلقي بالمسؤولية كاملة على الأحزاب السياسية ليس لكونها لا تقوم بوظيفتها الدستورية المتمثلة في تأطير المواطنين فقط بل وأيضا لكونها لا تتوفر على تمثيليات محلية في جهات عديدة ببلادنا، وحتى إن توفرت على بعضها فان الأمر لا يتجاوز بعض المكاتب المهجورة التي لا تفتح أبوابها إلا مع كل موسم انتخابي. إن الوطنين الحقيقيين هم أبناء هذا الشعب المناضل الذين يخرجون كل يوم في وقفات ومسيرات داخل وخارج هذا الوطن الكريم لتأكيد مغربية الصحراء وللوقوف في وجه الخصوم والخونة، والدبلوماسية الواقعية هي تلك يقدمها المغرب بمشاريعه الكبرى وآفاقه المستقبلية التي يأبى ملك البلاد إلا أن يجعلها أفاقا واسعة رحبة تسع الجميع وتؤمن بمغرب موحد أفضل. *أستاذ باحث في الشؤون السياسية والدبلوماسية [email protected]