الخطيئة هي الذنب المتعمد أو غير المتعمد، وتأتي على وزن فَعِيلَةٍ، ولك أن تشدد الياء عند النطق بها. والمُخْطِئُ من أراد الصواب فصار إلى غيره، والخَطَأُ ضد الصواب. والخَاطِئُ من تعمد لما لا ينبغي، وأَخْطَأَ الطريق: عَدَلَ عنه، وخَطَّأَهُ تَخْطِئَةً وتَخْطِيئاَ: نسبه إلى الْخَطَأِ، والْخَطَأُ مَهْمُوزٌ مَقْصُورٌ، اسم من أَخْطَأْتُ خَطَأً وإِخْطَاءً. وخَطِئْتُ إذا أَثِمْتُ. ومنه قوله تعالى:(إِنَّا كُنَّا خَاطِئِينَ) يوسف/ 97، أي آثِمِينَ. فهل الخطيئة هي كل ما يتعمد فعله؟ وهل تحمل الخطيئة مفهوم الذنب والإثْمِ معاً؟ يتناول القرآن مفهوم الخطيئة مرتبطا ب(ما) وهي الصلة المؤكدة بين المفهوم، والإغراق الذي يفيد أن هناك من الخطايا الشديدة التي تحتوي الإنسان كُلِّيَّةً، وتجعله يَغْرَقُ في بحرها. قال تعالى: (مِّمَّا خَطِيئَاتِهِمْ أُغْرِقُوا ) نوح/25 . وذكر المفهوم في القرآن ( 22 مرة)، (15 مرة) في السور المكية، و(7 مرات) في السور المدنية بالصيغ الآتية: (خَطَأَ- خَطِأَ بكسر الخاء- خَطِيئَةٌ- خَاطِئَةٌ- خَطِيئَتُهُ- خَطِيئَتِي-أَخْطَاْناَ- أَخْطَأْتُمْ- خَاطِئِينَ- الخَاطِئُونَ- خَطَايَاكُمْ- خَطِيئَاتِكُمْ- خَطَايَانَا- خَطَايَاهُمْ). وشمل المفهوم الدلالات الآتية: الذنب المتعمد دون الشرك كما في قوله تعالى:( اسْتَغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا إِنَّا كُنَّا خَاطِئِينَ(يوسف/97، والشرك قال تعالى: (إِنَّ فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَجُنُودَهُمَا كَانُوا خَاطِئِينَ ) القصص/8 والذنب غير المتعمد. قال الله عز وجل:( رَبَّنَا لَا تُؤَاخِذْنَا إِن نَّسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا) البقرة/.286 والمفهوم بهذا التنوع في صيغه هي كسب بالمفرد والجمع. قال الله تعالى: (وَمَن يَكْسِبْ خَطِيئَةً أَوْ إِثْمًا ثُمَّ يَرْمِ بِهِ بَرِيئًا فَقَدِ احْتَمَلَ بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُّبِينًا )النساء/112 والنص يشير كذلك إلى المسؤولية الفردية في اكتساب الإثم وتبعاته. وقد فرق القرآن الكريم بين الخطيئة والإثم، لبيان أن الخطيئة قد يكون فيها قصد وقد لا يكون، بخلاف الإثم لا يأتي إلا عمدا. قال تعالى:( وَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ فِيمَا أَخْطَأْتُمْ بِهِ وَلَٰكِنْ مَا تَعَمَّدَتْ قُلُوبُكُمْ) الأحزاب/5. وذكر المفسرون أن الإثم يكون على معرفة الإنسان به، لذلك يرمي به غيره. وقد كان في سبب نزول الآية، ما وقع في المدينة من اتهام رجل يهودي بالسرقة ظلما من طرف بعض الأنصار، فنزل القرآن ليحقق العدالة في المجتمع في تسامي قيمي رفيع . ومهما كان في سبب نزول النص، فلا ينبغي أن تنشر الأكاذيب والإشاعات في المجتمع، وَيُرْمَى بها الناس وهم بريئون منها. وهذا من المقاصد العامة للآية في التربية الربانية. وإن الوجهة التي يجب أن يتوجه إليها من وقع في الخطيئة والإثم، هي لمسة الإيمان التي تهفو إليه القلوب، وسرعان ما يكون الانقلاب عن جهالة الكفر إلى نور الإيمان وثباته. (إِنَّا آمَنَّا بِرَبِّنَا لِيَغْفِرَ لَنَا خَطَايَانَا) طه/73. وإذا عدنا لتكرار المفهوم في السور المكية بعدد (22 مرة) في مجال عقدي صِرْفٍ، نجده يحمل دلالة الرقابة الإلهية في الفعل. بحيث إذا تحقق الإنسان بهذه الرقابة، لن ينشر الخطيئة في المجتمع، وإذا حملها تكون في سِتْرٍ. وهذا ما يفسر ورودها بهذا العدد القليل (7 مرات) في المجال التشريعي لأن فيها رقابة أخرى، وهي رقابة المجتمع بمؤسساته، فلا تكاد تظهر الخطيئة حتى يَنْبَرِي الناس لها متسائلين، وموجهين، ومصححين، ومنتقدين،قال تعالى: (وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ أَنْ يَقْتُلَ مُؤْمِنًا إِلَّا خَطَأً) النساء/92، فلا قتل ولا قتال بين مؤمن وآخر، إلا في حَدٍّ أو قِصَاصٍ، اللَّهُمَّ أن يكون ذلك القتل خَطَأً كما أشار إليه النص. وللقتل الخطأ تشريعات وأحكام، وهي قراءة شرعية للمفهوم في علاقته بكسب الإنسان. وما يُخْطِئُ فيه، واعترافه بالذنب، والإثم المرتكب في حق النفس والآخر. وهذا الاعتراف يقوده إلى مناجاة ربه، ليغفر له خطيئته صغيرة كانت أو كبيرة، فيجده غفورا رحيما. قال تعالى: ( إِنَّا نَطْمَعُ أَنْ يَغْفِرَ لَنَا رَبُّنَا خَطَايَانَا) الشعراء/51 وقوله سبحانه: (وَالَّذِي أَطْمَعُ أَن يَغْفِرَ لِي خَطِيئَتِي يَوْمَ الدِّينِ) الشعراء/82 وهُوَ شُعُورُ التَّقْوَى، وإِحْسَاسُ الْقُرْبِ، وَالأَدَبِ مَعَ اللهِ تَعَالَى، وَالطَّمَعِ فِي فَضْلِهِ وَكَرَمِهِ، وَإِحْسَانِهِ. فَمِنَ اللهِ تَعَالَى اسْمَعُوا، وَإِلْيْهِ ارْجِعُوا.