المتتبع للنقاش الدائر حاليا في فرنسا حول ضرورة توحيد الوجبات الغذائية المقدمة للأطفال وتقديم لحم الخنزير حتى لأطفال المسلمين، يرى المنزلق الخطير الذي هوت فيه بعض الأحزاب الفرنسية سواء اليمينية أو اليمينية المتطرفة في تفسيرها "للعلمانية الفرنسية" التي أصبحت بالنسبة لهم تتلخص في فرض وجبات تتضمن لحم الخنزير لجميع التلاميذ بما فيهم المسلمين منهم. الأمر الذي جعل وزيرة التربية الوطنية الفرنسية نجاة بلقاسم تدخل في معركة شرسة مع اليمين المتطرف الفرنسي الذي وصفته بحزب "يدعو إلى الكراهية"، ليرد حزب لوبين بانتقاده لنجاة بلقاسم بسبب حلمها الجنسية المغربية. وانطلقت أولى شرارات المعركة التي تخوضها الوزيرة الفرنسية ذات الأصول المغربية مع اليمين المتطرف الفرنسي، عندما أعلن عمدة منطقة "Chalon-sur-Saône"، الواقعة شرق فرنسا عن حذف وجبات الغذاء التي كانت تقترح على التلاميذ المسلمين غير الراغبين في أكل لحم الخنزير، وهو ما أثار غضب نجاة بلقاسم خصوصا وأن عمدة المدينة لا ينتمي إلى اليمين المتطرف بل ينتمي إلى حزب التجمع من أجل الجمهورية الذي يرأسه نيكولا ساركوزي. ولم تستسغ الوزيرة الفرنسية للتربية الوطنية هذا القرار المثير للجدل، وأعلنت عن معارضتها له "لأنه يتعارض مع مبادئ الجمهورية ولا علاقة له بالعلمانية"، خصوصا وأن القرار أحرج العديد من الأسر المسلمة ووضعها في موقف صعب لأنها لا تعلم كيف ستدبر "مسألة الوجبات الغذائية لأبنائها في المدرسة". بيد أن كل هذه المعارضة من طرف الوزيرة وأسر التلاميذ لم تجد أذنا صاغية من طرف حزب ساركوزي، بل واصل دعمه لقرار عمدة منطقة Chalon-sur-Saône، القاضي فرض وجبات تتضمن لحم الخنزير على كل تلاميذ المدارس، وبرر الحزب اليميني موقفه، "بأن مدارس الجمهورية توفر أفضل استقبال لكل التلاميذ وعلى هؤلاء التأقلم مع مبادئها". وكعادته فقد وجد اليمين المتطرف الفرصة مواتية لشن هجوم على المسلمين وانتقاد الوزير نجاة بلقاسم بسب أصولها المغربية، إذ كتب نائب مارين لوبين زعيمة اليمين المتطرف الفرنسي على صفحته في تويتر "نجاة بلقاسم الوزير الفرنسية المغربية تعارض فرض وجبات لحم الخنزير في المدرسة وتؤيد مرافقة الأمهات المحجبات لأبنائهم في الرحلات المدرسية، أنا أتساءل هنا عن ولائها"، يقول السياسي الفرنسي المتطرف الذي انتقد حمل بلقاسم للجنسية المغربية، بل ذهب أبعد من ذلك عندما اتهم بلقاسم "بكونها لا تدين بالولاء للجمهورية الفرنسية". بدورها ردت الوزيرة ذات الأصول المغربية على هذه الاتهامات العنصرية من طرف عضو حزب الجبهة الوطنية المتطرف، "بكون هذا الأخير لا يحمل مبادئ الجمهورية الفرنسية بل يجمع تحت لوائه كل العنصريين الذين لا يحملون القيم الديمقراطية التي تقوم عليها الجمهورية الفرنسية، بل هو حزب يدعو للكراهية". ومن المرتقب أن تشتد حدة المواجهة بين نجاة بلقاسم واليمين المتطرف خلال الأشهر الأخيرة، خصوصا وأن لوبين وأعضاء حزبها أصبحوا يروجون بقوة لفكرة فرض وجبات موحدة في جميع المدارس الفرنسية وحذف الوجبات التي كانت تقترح على التلاميذ المسلمين غير الراغبين في أكل لحم الخنزير.