مجموعة IGMA SCHOOL بالجديدة تحتفي بالمتخرجين وذكرى 30 سنة على تأسيسها    وصول 30 مهاجرا ينحدرون من الريف الى ألميريا    لقاء يجمع عامل إقليم الحسيمة مع ممثلي قطاع الطاكسيات    اصطدام بين دراجتين ناريتين على الطريق بين امزورن وتماسينت يخلف إصابات    الترتيب ونتائج البطولة الاحترافية الدورة ال16    نتانياهو سيخضع لعملية جراحية لاستئصال البروستاتا جراء عدوى أصابته في المسالك البولية    داخل جمعية!!.. محاولة فتاتين وضع حد لحياتهما بمادة سامة تستنفر السلطات بطنجة    الماص يقلب الطاولة على الوداد في البطولة الاحترافية    منتخب الكراطي يحصد 20 ميدالية في البطولة العربية    بعد لقاء الملك محمد السادس والرئيس الموريتاني.. الرباط ونواكشوط يتجهان لإحياء اللجنة العليا المشتركة بينهما    بوتين يعتذر عن حادثة تحطم الطائرة الأذرية دون تحميل روسيا المسؤولية    إحداث 7912 مقاولة في جهة الرباط    ارتفاع مفرغات الصيد البحري بميناء الحسيمة    الرئاسة المغربية لمجلس حقوق الإنسان تؤدي مهمتها على أكمل وجه    زياش يشترط على غلطة سراي مستحقاته كاملة لفسخ العقد    حيار: مقترحات مراجعة مدونة الأسرة لا تتعدى حدود الشريعة الإسلامية    بحضور أزولاي.. لقاء ثقافي بالصويرة يبرز أهمية المكان في تشكيل الهوية    خنيفرة تحتضن المهرجان الدولي للقصة القصيرة    وفاة ملاكم بعد أسبوع من فوزه باللقب الذهبي لرابطة الملاكمة العالمية    القضاء يدين محمد أوزال ب3 سنوات ونصف حبسا نافذا    الكعبي ينهي سنة 2024 ضمن أفضل 5 هدافين في الدوريات العالمية الكبرى    عملية أمنية تنتهي بإتلاف كمية مخدرات بوزان    المغرب داخل الاتحاد الإفريقي... عمل متواصل لصالح السلم والأمن والتنمية في القارة    حملة مراقبة تضيق الخناق على لحوم الدواجن الفاسدة في الدار البيضاء    قوات إسرائيلية تقتحم مستشفى بشمال غزة وفقدان الاتصال مع الطاقم الطبي    تأجيل تطبيق معيار "يورو 6" على عدد من أصناف المركبات لسنتين إضافيتين    الداخلة : اجتماع لتتبع تنزيل مشاريع خارطة الطريق السياحية 2023-2026    غزة تحصي 48 قتيلا في 24 ساعة    "العربية لغة جمال وتواصل".. ندوة فكرية بالثانوية التأهيلية المطار    توقعات أحوال الطقس ليوم غد الأحد    ارتفاع ليالي المبيت بالرباط وسط استمرار التعافي في القطاع السياحي    اليابان.. زلزال بقوة 5.1 درجة يضرب شمال شرق البلاد    خبراء "نخرجو ليها ديريكت" يناقشون موضوع مراجعة مدونة الأسرة    حصيلة الرياضة المغربية سنة 2024: ترسيخ لمكانة المملكة على الساحتين القارية والدولية    حجم تدخلات بنك المغرب بلغت 147,5 مليار درهم في المتوسط اليومي خلال أسبوع    مطالب بإنقاذ مغاربة موزمبيق بعد تدهور الأوضاع الأمنية بالبلاد    ترامب يطلب من المحكمة العليا تعليق قانون يهدد بحظر "تيك توك" في الولايات المتحدة    فرح الفاسي تتوج بجائزة الإبداع العربي والدكتوراه الفخرية لسنة 2025    مجلس الأمن يوافق على القوة الأفريقية الجديدة لحفظ السلام في الصومال    عائلة أوليفيا هاسي تنعى نجمة فيلم "روميو وجولييت"    دراسة: أمراض القلب تزيد من خطر اضطراب الخلايا العصبية    مبادرة مدنية للترافع على التراث الثقافي في لقاءات مع الفرق والمجموعة النيابية بمجلس النواب    استثناء.. الخزينة العامة للمملكة توفر ديمومة الخدمات السبت والأحد    وفاة زوج الفنانة المصرية نشوى مصطفى وهي تناشد جمهورها "أبوس إيديكم عايزة ناس كتير تيجي للصلاة عليه"    البرازيل: ارتفاع حصيلة ضحايا انهيار جسر شمال البلاد إلى 10 قتلى    اقتراب مسبار "باركر" من الشمس يعيد تشكيل فهم البشرية لأسرار الكون    يامال يتعهد بالعودة أقوى بعد الإصابة    المدونة: قريبا من تفاصيل الجوهر!    2024.. عام استثنائي من التبادل الثقافي والشراكات الاستراتيجية بين المغرب وقطر    استهلاك اللحوم الحمراء وعلاقته بمرض السكري النوع الثاني: حقائق جديدة تكشفها دراسة حديثة    الثورة السورية والحكم العطائية..    هل نحن أمام كوفيد 19 جديد ؟ .. مرض غامض يقتل 143 شخصاً في أقل من شهر    برلماني يكشف "تفشي" الإصابة بداء بوحمرون في عمالة الفنيدق منتظرا "إجراءات حكومية مستعجلة"    نسخ معدلة من فطائر "مينس باي" الميلادية تخسر الرهان    للطغيان وجه واحد بين الدولة و المدينة و الإدارة …فهل من معتبر …؟!!! (الجزء الأول)    حماية الحياة في الإسلام تحريم الوأد والإجهاض والقتل بجميع أشكاله    عبادي: المغرب ليس بمنأى عن الكوارث التي تعصف بالأمة    توفيق بوعشرين يكتب: "رواية" جديدة لأحمد التوفيق.. المغرب بلد علماني    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



من الإسلام (الاسلاموفوبيا) في الغرب إلى الاسلاموفوبيا في العالم الإسلامي..؟ (1)
نشر في هسبريس يوم 27 - 02 - 2015

الإسلام والإرهاب والفوبيا ثلاث كلمات يصطدم بها الإنسان في وسائل الإعلام وفي الندوات واللقاءات الرسمية التي تعقد على امتداد الكرة الأرضية، وذلك لأن الإسلام دين عالمي ويوجد ضمن الرقعة التي عرفت في تاريخها مجدا وعظمة وحضارة سادت العالم لما يزيد عن ثمانية قرون، واستمر تأثير هذه الحضارة.
والشموخ سمة تسم المسلمين أينما كانوا رغم ما اعترى واقعهم في فترة توقف دورهم في الريادة الحضارية، وتسلم الغرب الأوروبي مقود الحضارة المادية بفعل ما عرفه من تقدم علمي وتقني وانحسر دور المسلمين، وحتى لا يعود المقود إليهم مرة أخرى فإن الغرب أمعن في إثخان جسم الأمة الإسلامية بكثير من الجروح حولت هذه الأمة إلى شبه إنسان معاق وفي نفس الآن له طموح ورغبة في القيام بما يقوم به الإنسان السليم من الإعاقة، ويأبى خصمه إلا أن يضع أمامه رغم إعاقته الكثير من الصعاب تزيد من تأثير الإعاقة في عجزه وعدم قدرته على أداء وظيفته الطبيعية كإنسان سوي، فكان رد الفعل هو الثورة ضد كل شيء لكسر طوق الإعاقة واستعادة العافية واستطاع هذا الجسم خلال عقود من العصيان والتمرد والثورة أن يستعيد دوره كإنسان قادر على الفعل ووجد نفسه مرة أخرى بعد سنوات من العافية يعاني من أعراض أمراضه القديمة والتي كانت سبب الإعاقة: التخلف، الاستبداد، وما ينتج عنه من طغيان والفقر والمرض والجهل وغيرها من عوامل الإعاقة لا تزال على ما كانت عليه وهي قد تؤدي به إلى الدور الذي ظن أنه تحرر منه وهو دور الإنسان المعاق.
وإذ كان الإسلام في النشأة الأولى هو الذي قاد المسيرة، وكان وقود الحركة والتمرد ضد الإعاقة فإنه اليوم يعود هذا الإنسان إلى الإسلام كوسيلة للتحرر من الأمراض التي لا تزال تعوق مسيرته، لقد لجأ إلى الإسلام من جديد يطرق بابه، ولكن هذه المرة وحتى الآن فإن ركوب قاطرة التحرر باسم الإسلام لم تصادف الأسلوب الأنجع والأمثل، فبدل الفعل كان رد الفعل، واستطاع الخصم مرة أخرى أن يوجه البوصلة في اتجاه الخطأ وكان ما نشاهده اليوم من وسم الإسلام بالإرهاب والمسلمين بالإرهابيين من غير تمييز.
هذا الوصف رغم محاولة بعض الساسة أن يلطفوا الجو مثل ما جاء في خطاب رئيس دولة عظمى بالأمس الخميس 19 فبراير، ولكن حسن القول خالفه الفعل، إذ لا يزال رنين خطاب الرئيس في مدرجات جامعة القاهرة في بداية صيف 2009، يرن في الآذان منذ ست سنوات ولكن أين الفعل؟
وعلى أي حال فهو كلام يمكن الاتكاء عليه لحصول الناس على بعض الاطمئنان، ولكن هذا الاطمئنان لا تساعد عليه الوقائع على الأرض، فسياسة تغذية الصراعات والنزاعات بين المسلمين وإحياء النعرات المذهبية والطائفية والقبلية قائمة على ساق الجد، والإنسان وهو يتابع جلسات المنظمات الدولية يستعيد في ذاكرته تلك المؤتمرات والاجتماعات التي عرفها القرن التاسع عشر وأوائل القرن العشرين فكل دولة من الدول الاستعمارية ترسم حدود الدور الذي تريد أن تلعبه وتؤكد أنها لا تسلم لغيرها بأخذ النصيب الذي كان لها في مرحلة استعمارية سابقة وهكذا لعب الاستبداد من جديد في العالم الإسلامي الدور الذي لعبه في الفترة السابقة على الاحتلال والاستعمار الأجنبي في القرنين التاسع عشر والعشرين.
وفي هذا الواقع الجديد فإن مسؤولية الحاكمين في البلاد الإسلامية الذين ظهر وتعطش الكثير منهم إلى السلطة وسفك دماء المواطنين من اجل ذلك والاستئساد على الضعفاء والفقراء من مواطنيه مسؤولية كبيرة إذ لم يتراجعوا على استبدادهم وطغيانهم ولا تقل مسؤولية من ينسبون إلى العلم والدين والفقه والفتوى، عن مسؤولية الحاكمين، لأنهم تركوا الأمة دون توجيه وتفرقوا قددا قددا، كل يفتي على هوى حزب أو جماعة أو حاكم وفي النتيجة يعيش الإسلام ضائعا بين وصف الإرهاب والفوبيا سواء على مستوى الغرب أو على مستوى الداخل وفي هذا الركن تحدثنا عن (الإسلاموفوبيا) في الغرب ولكن أين نحن من (الإسلاموفوبيا) في الداخل ذاك ما سنحاول معالجته في هذا الحديث والحديث الذي يليه ولكن قبل ذلك لابد من مدخل نعالج فيه بطريق الإشارة أمورا أدت إلى (الاسلاموفوبيا) في الخارج والداخل.
**********
العادة والجمود
العادات التي درج عليها الناس في حياتهم الاجتماعية كثيرا ما تكون هي التي تقرر مسار سلوكهم مع الغير، ولكون العادة لها هذا الدور أعطاها مؤرخوا القوانين مكانا خاصا عند ذكر مصادر القانون وأصول نشأته مع مراعاة الفرق الذي يضعونه بينها وبين العرف، وعند فقهاء المسلمين فإن العادة لديهم يؤخذ بها وهنا قاعدة كثيرا ما يرددونها عند الحديث في هذا الصدد مهم عندما يقولون "العادة محكمة" وكلما اعتاد الإنسان شيئا فإنه يصعب ان يتخلى عنه ومن هنا جاءت مقاومة الناس لكل تجديد وتطور في حياتهم لأنهم مع التجديد يضطرون للتخلي عما اعتادوه وألفوه، وكان من اشد ما واجهه الرسل والأنبياء ومن بعدهم المجددون والمصلحون هو رد الفعل الناشئ عن العادة فهم يأتون الناس بأمور جديدة في العقيدة والعبادة وفي علاقة بعضهم ببعض.
الإسلاف والاقتداء
وكان التقليد والسير على منهج الأسلاف من الآباء والأجداد من الأمور التي يتعللون بها لرفض رسالة الأنبياء والرسل، فلم يكونوا يستبغيون أن يتركوا ما كان عليه الآباء والأجداد، بل هم يصرون على ذلك ويجاهدون بشتى الوسائل للتمسك به، وعدم السماح لما يدعو إليه ذلك الرسول أو ذاك المجدد ليحل محله وهكذا عادة الناس ليس في المجال الديني والعقدي والاجتماعي بصفة عامة ولكن في كل المجالات التي يتحرك فيها الناس في الحياة فالإقلاع عن الزي لنموذج جديد من الزي يأخذ وقتا من الناس حتى يألفوه رغم ما يعرضهم له ذلك من عنت ومشقة.
والناس عبروا فيما أنتجوه من آداب ومن فكر عن هذا التمسك الذي لا يقبل الانفكاك، وان كانوا قد يضطرون فيما يستقبل من أيامهم لترك ذلك والتحول من عادة إلى عادة أخرى.
تخصص بلا علم
وحديثنا اليوم ليس عن العادات وأثرها في السلوك فهذا موضوع تناوله الباحثون كل في مجال تخصصه في مجال العلوم الإنسانية، أو تفرعات وتخصصات علم الاجتماع، ولكن الداعي إلى إثارة هذا الكلام في حديث اليوم هو ما يتناوله اليوم الكتاب والباحثون ومديرو مكاتب الأبحاث والدراسات التي لا تكاد تجد لها حصرا اليوم فهي تكاد تكون بعدد الناس الذين يتعاطون مع الأحداث التي تشغل الناس في حياتهم اليومية، وهي أحداث كثيرة لأن كل ما يجري له علاقة ما بحياة الناس المعاشية، ولذلك فإن تأسيس مراكز وحتى مؤسسات للبحث والدراسة دخلها كذلك ما دخل واعترى كثيرا من أمور العلم والبحث والدراسة، ولا أريد أن ادخل في تفاصيل الموضوع، ويكفي أن أشير إلى أنه كثيرا ما يقدم للناس فلأن على أنه متخصص في مجال ما أو مدير مركز ما وعندما يتكلم يكون أبو حنيفة حاضرا ليمد الأرجل إذا كانت لديه وليس رجلين فقط.
عادة العنف
وهذا الموضوع الذي يلح على الناس كثيرا اليوم في وسائل الإعلام ومراكز الأبحاث والدراسات هو هذه الظاهرة التي تفاحشت وكثر تأثيرها على الناس إنها ظاهرة العنف المتعدد الأطراف والخلفيات وليس العنف وليد اليوم في المجتمعات الإنسانية، بل هو قديم قدم الإنسان نفسه، فالتاريخ والكتب السماوية تحدثنا عن ممارسة قابل ضد أخيه هابل وتحدث عنه القرآن هو إرهاب وعنف بدأ أولا بالعنف الكلامي ليتحول بعد ذلك إلى القتل، ومنذ ذلك التاريخ والعنف بأشكال مختلفة يمارس في المجتمعات الإنسانية وجاءت الشرائع السماوية بتعاليم للحد من العنف والتعدي على الأرواح والنفوس ومنعت الثأر وأوكلت إلى المسؤولين الفصل بين الناس.
قتل نفس واحدة قتل للأمة
وفي الشريعة الإسلامية أسند أمر تطبيق القصاص إلى ولي الأمر وإعطاءه حق النيابة عن المجتمع في إقامة الحدود ووضع حد لظاهرة العنف بين الناس وحرمت القتل وهو ما جاء كذلك في شريعة موسى عليه السلام حيث قال القرآن الكريم: «وكتبنا عليهم فيها ان النفس بالنفس والجروح قصاص». واعتبر القرآن الكريم والشريعة الإسلامية أن إزهاق نفس واحدة بمثابة قتل الناس جميعا». إلى غير ذلك من الأحكام التي معناها هو ما يعبر عنه في لغة القانون وهو أن السلطة العمومية وحدها تملك حق تملك السلاح واستيفاء الحقوق إذا اقتضت المحافظة على الأمن والنظام بواسطة هذا السلاح، ولذلك فإن العنف والعنف المضاد هو ما مورس في مختلف الحروب التي عرفها الناس وهي تبدأ عادة في غالب الأحيان بعنف فردي الذي قد يتحول إلى عنف عام ومنذ شهور تحدث الناس عن الذكرى المائة لشرارة الحرب العالمية الأولى وكل المتحدثين تحدثوا عن اغتيال حدث في مكان ما بأوروبا وتحول إلى عنف عالمي.
ليس كل عنف إرهابا
وعلى أي حال فإن العنف السياسي «الإرهاب» الذي تمارسه بعض الجماعات أو الإفراد ليس كله إرهابا فقد كان الاستعمار يعتبر المقاومة الوطنية "إرهابا" وحاكم رجال المقاومة في بلادنا مثلا باعتبارهم "إرهابيين" ومنذ مدة قصيرة توفي أحد هؤلاء المقاومين الذين صدر عليهم حكم الإعدام بتهمة الإرهاب "محمد منصور" رحم الله ولكن الأقدار والآجال قضت برحيل الاستعمار وبقي محمد منصور مناضلا حتى جاء أجله رحمه الله في بيته وبين أهله، ولذلك فليس كل عنف سياسي يعتبر إرهابا.
إرهاب الدولة
والإرهاب كذلك ليس مقتصرا على جماعات تمارس هذا العنف بشكل ظالم، ولكن هناك إرهاب تمارسه الدول كذلك، فإسراء بل تمارس إرهاب دولة في فلسطين وفي غيرها من بقاع العالم ومع ذلك فالسياسة الدولية غير العادلة تعتبر "حماس" إرهابية وهي لم تفعل أكثر من الدفاع عن النفس والسعي لتحرير وطنها ومواطنيها من العنف والظلم وما تقوم به إسرائيل يعتبر في نظر بعض الدول دفاعا عن النفس.
العنف السياسي
وعلى أي حال فإن الحديث عن الإرهاب ليس هو موضوع هذا الحديث وإنما الكلام في الواقع يتجه للحديث على ظاهرة خطيرة تبحث عما يسمى بإرهاب جماعات ذات خلفية جهادية حسب ما يدعي وما يزعمه الكثيرون.
والعنف السياسي ساد في بعض الدول الأوروبية في السبعينيات من القرن الماضي وكثر الحديث حوله ولم يكن هناك من يحاول ربطه بالدين الذي ينتمي إليه أولئك الذين يمارسون العنف حتى الجانب الإيديولوجي لم يكن ليجعل الناس تنتقم وتعامل الأحزاب والمنظمات التي ينتمي إليها أولئك بما تعامل به الآن أبرياء من المسلمين الذين يمارس العنف عليهم كذلك بل العنف يمارس حتى على الدين نفسه بتحميل نصوصه معاني لا تحتملها.
توضيح لم يسمع
وقد قام القادة المسلمون وعلماء الفقه الإسلامي بتوضيح ذلك ولكن لا أحد يسمع لأن الناس في الموضوع لهم مآرب أخرى هذه المآرب لم تعد تخفى على الناس وما قمنا بتوضيحه في الأحاديث السابقة هو الإسلاموفوبيا أو الخوف من الخطر الإسلامي بهذا الخوف من الإسلام الذي ظهر جليا في كثير من الدراسات والأبحاث وأحرى التصريحات المقرونة بالأفعال، جعل الساسة في الغرب هذه الدول لا يصغون لهذه التوضيحات وعبارات الاستنكار فهذه الدول لا تستنكر الا ما يمسها او ما يمس مواطنيها، اما ما ينال غيرها فهو لا يعنيها.
مثال صارخ
فهذه الولايات المتحدة الأمريكية التي تعمل جاهدة حسب ما يدعى لحماية الناس من الإرهاب والدفاع عن حقوق الإنسان، يقتل على أرضها وتحت سمعها وبصرها ثلاثة شباب مسلمين شاب ذكر وشابتان وهم ثلاثة طلاب، ولم يسعف للتنديد والتعبير عن التضامن أن يكون الأمر يتعلق بالطلاب ولكونهم شبابا ولا من بينهم فتاتان رغم الحديث العريض والطويل عن الشباب والمرأة، وقد انتظر الناس كثيرا ليصدر ممن يعنيهم الأمر رأى فيما حدث حتى قام أحد الرؤساء لدولة إسلامية يتساءل أين أنت يا سادة الرئيس؟ سواء كان لهذا النداء أثر ليتخذ المسؤولون في أمريكا موقفا للتنديد أو جاء متزامنا فإن العبرة بكون الموقف لم يتخذ بالسرعة المطلوبة، ووسائل الإعلام لم تبادر للتغطية وحتى عند التغطية فهي تغطية محدودة على كل حال، وموجهة في بعض وهذا يعطي مؤشرا أن الإسلاموفوبيا عمل سياسي وليس قانونيا ولا جاء لمحاربة ظاهرة العنف أو الإرهاب.
بين قرصان وإمبراطور
وقبل مواصلة الكلام أود أن أضع أمام القارئ ثلاثة آراء لأعلام ثلاثة من أوروبا والولايات المتحدة الأمريكية ونبدأ بنعوم تشومسكي الذي جاء في مقدمة كتابه قراصنة وأباطرة ما يلي:
يروي القديس أغسطين حكاية قرصان وقع بين يدي الإسسكندر العظيم، وحين يسأله الإسكندر: كيف تجرؤ على ممارسة المضايقات في البحر، يجيبه القرصان قائلا: كيف تجرؤ على مضايقة العالم بأسره؟
لأنني أفعلها بسفينة صغيرة فقط، يقال بأنني لص، وحين تفعلها بأسطول كبير، يقال بأنك إمبراطور.
كان رد القرصان أنيقا ورائعا، حسبما يروي أغسطين، وهو بدقته، يمثل العلاقات الراهنة بين الولايات المتحدة وممثلين صغار كثيرين، على مسرح الإرهاب الدولي: ليبيا، وفصائل من منظمة التحرير الفلسطينية، وآخرين.
إن حكاية القديس أغسطين تلقي الضوء على فكرة الإرهاب الدولي في الاستخدام الغربي المعاصر، وتصل إلى قلب السعار حول حوادث إرهابية مختارة، يجري توجيهها حاليا، بكلبية مطلقة كغطاء للعنف الغربي.
مصطلح الإرهاب
لقد أخذ مصطلح "الإرهاب" يستخدم في نهاية القرن الثامن عشر، لدى الإشارة، بشكل أساسي، إلى عمليات عنف حكومية، ترمي إلى ضمان الخضوع الشعبي، ومن الواضح أن تلك الفكرة ذات نفع ضئيل لمن يمارسون الإرهاب الرسمي، الذين يتمتعون، وهو في السلطة، بموقع السيطرة على نظام التعبير والتفكير، لذلك تم التخلي عن المعنى الأصلي،وأخذت عبارة "الإرهاب" تطبق، بشكل رئيسي، على "الإرهاب المفرق" الذي يقوم به الأفراد أو الجماعات. وفي الوقت الذي كانت فيه العبارة تنطبق فقط على الأباطرة الذين يضايقون رعاياهم ويضايقون العالم، فإن هذه العبارة تقتصر الآن على اللصوص الذين يضايقون الأقوى.
بتحرير أنفسنا من نظام التشريب العقائدي، سوف نستخدم عبارة "الإرهاب" لدى الإشارة إلى التهديد بالعنف أو استخدام العنف للتخويف أو للإكراه (لغايات سياسية بشكل عام) سواء كان الإرهاب "بالجملة"، الذي يمارسه الإمبراطور، أو الإرهاب "بالمفرق" الذي يمارسه اللص.
توضيح جزء
إن مبدأ الإمبراطور لا يوضح إلا جزءا من فكرة "الإرهاب الدولي" التي نشأت حديثا، ومن الضروري أن نضيف ناحية ثانية: لا تندرج عملية إرهابية في الشريعة المقدسة إلا إذا جاءت من "جانبهم"، وليس من جانبنا، فإذا تأملت، مثلا، في حملة العلاقات العامة حول "الإرهاب الدولي" التي قامت بها حكومة ريغان في أوائل عام 1981 فإن النص الأساسي، كان كتابا بقلم كلير ستيرلنغ وهو تاب طرح برهانا ساذجا على أن الإرهاب الدولي وسيلة "يوحي بها السوفيات" وترمي إلى زعزعة المجتمع الديمقراطي الغربي، والبرهان يتمثل في أن العمليات الإرهابية الكبيرة تقتصر على الدول الديمقراطية الغربية، وليست "موجهة ضد الاتحاد السوفياتي أو أي من أتباعه أو الدول الوكيلة له".
تعريف صحيح
إن هذه الرؤية قد أثرت كثيرا على المتخصصين في دراسة الإرهاب، وبخاصة، والترلاكور، الذي كتب يقول بأن ستيرلنج قد وفر "دليلا مسهبا" على أن الإرهاب يحدث في أقطار ديمقراطية أو ديمقراطية نسبيا.
إن مقولة ستيرلنج صحيحة، وهي صحيحة بالتعريف، في ضوء الطريقة التي استخدم فيها الإمبراطور وحاشيته عبارة الإرهاب، فلأن العمليات التي يتم ارتكابها "من جانبهم" فقط تعتبر إرهابا، فإن ستيرلنج مصيب، مهما كانت الحقائق.
في عالم الواقع، تختلف القصة تماما، فقد كان الضحايا الرئيسيون للإرهاب الدولي في العقود العديدة الماضية، كوبيين، ومواطنين من أمريكا اللاتينية، ومن لبنان، وعندما تقوم إسرائيل بقصف مخيمات اللاجئين الفلسطينيين، وتقتل كثيرا من المدنيين، حتى دون أي موجب "للثار" أو حين ترسل قواتها داخل القرى اللبنانية في عمليات "لمكافحة الإرهاب" حيث تقتل وتدمر، أو حين تختطف السفن وتحتجز مئات الرهائن في معسكرات الاعتقال، في ظروف مخيفة، فإن هذا ليس "إرهابا"، وتلقى أصوات الاحتجاج النادرة تنديدا واتهاما باللاسامية، وبالمعايير المزدوجة لأنهم أحجموا عن الانضمام، إلى جوقة الثناء على "بلد يهتم بالحياة الإنسانية"، الذي يتعرض هدفه الأخلاقي الرفيع إلى شجب متواصل، بلد حسب قول المتملقين الأميركيين، يحتكم إلى قانون أسمى (والترغودمان).
العنف في كل مكان
اما المنتصف الثاني فهو ما جاء في المقال الافتتاحي للمجلة الدولية للعلوم العدد السادس والثلاثون اكتوبر دجنبر 1979 بعنوان العنف في كل مكان للكاتب ج.م دومينياك
العنف قديم قدم الوجود وهو قائم في قصص نشأة الكون وفي الأساطير والخرافات كأمر يرتبط ببداية التاريخ، وكان دائما يبرز في أفعال الأبطال والمجددين.
وإذا كان الأمر كذلك فلماذا إذن ينظر إليه كأنما هو مسالة معاصرة، وكأنما هو مشكلة جديدة؟ وكيف انتهى الأمر بنا غلى الوقوف موقف التشبث بمشكلة العنف كأنما هي مشكلة قد نجمت بين يوم وليلة، أو أنها –على الأقل- قد بلغة ما بلغت في خلال القرن الأخير؟
ظاهرة الجدل
ومما يجدر ذكره أن العنف –وهو الظاهرة التي يحتدم حولها الجدل اليوم- لو يؤخذ قط "كمحور" بذاته، ليكون موضوع تفكير وتأمل لدى كبار مفكري الفلسفة الغربية قبل القرن التاسع عشر بل كان عليه أن ينتظر حتى يأتي جورج سوريل فيتخذ منه محورا لدراساته. وإذا نحن نجحنا في إدراك الأسباب التي أدت في النهاية إلى احتجاز موضوع العنف في دائرة الظلمة فلعلنا أن نصل إلى تفهم أحسن للأسباب التي أدت بعد ذلك إلى خروجه إلى ضوء النهار وإلى ذلك التكشف الذي يحضى به في الوقت الحاضر، ومن ثم نستطيع أن نتعمق أكثر في تفهم الطبيعة الحق للعنف. وهناك ميزة أخرى لهذا الأسلوب هي أنه سوف يمكننا أن ننظر نظرة موضوعية إلى العنف الذي يحيط بنا من كل جانب، وبذلك نستطيع أن نقدر ما يمثله من تهديد، وأن نلتمس له العلاج الملائم.
المادة السرمدية
وصحيح أننا نجد إشارة إلى العنف في الجزء الذي وجد من كتاب أناكسيماندر المشهور الذي وصفه هيدجار بأنه أقدم ما قيل في الفكر الغربي: "المادة السرمدية التي منها تنجم كل الأشياء، وإليها تعود حينما تهلك، وذلك لكي يقدم كل منها للآخر فدية وكفارة عما اقترفه ضد نظام الزمن"، كما أن الكفاح هو أبو الأشياء جميعها وملكها ولكن هذه بديهة. إنها حقيقة لا تحتاج إلى توضيح ولا تشكل للفيلسوف مشكلة حتى لو كانت تسببت في هلاكه..
السياسة المتقلبة
اما رجاء جارودي الذي اكتوى بنار السياسة الأوروبية المتقلبة والتي فرضت عليه ظروفها وأساطيرها وأهواؤها أن يقاوم فقد كتب عن الإرهاب والغرب ويعود بجذور الإرهاب عميقا في حياة وتاريخ الغرب ومن على منواله مثل الولايات المتحدة وجاء في تمهيد الكتاب الذي عنوانه الإرهاب الغربي ما يلي:
«كنت قد انتهيت بالكامل من كتابة هذا الكتاب قبل 11 سبتمبر أيلول 2001. ومنذ ذلك التاريخ لم يتوجب علي تغيير ولو مجرد كلمة واحدة فيه وذلك لأنه يسمح بفهم الدلالة التاريخية لتلك الواقعة ضمن منظور ثلاثة آلاف عام من ولادة وخلق الغرب، بتناقضاته الداخلية، وبالذروة الهشة التي تشهد عليه، باعتبارها النذير المبكر، رغم أنه ما يزال رمزيا، لبانقلاب محتمل في مساره، الذي كان حتى ذلك التاريخ يمضي صعدا وغير قابل للانحسار ظاهريا.
إن المركز العالمي للتجارة –والبنتاغون- وزارة الدفاع هما الهدفان الرمزيان لخمسين عاما من الهيمنة الأمريكية.
ومنذ تم القضاء على الهمجية السابقة بالانتصار على هتلر، أراد الأمريكيون أن يقدموا، بالحجم الطبيعي، البرهان الدال على قوتهم التدميرية الجديدة من أجل ردع كل منافس محتمل قد تسول له نفسه إنكار زعامتهم».
لاشك ان جارودي يواصل هنا ما بدأ في غير كتاب في مقاومة الدول الغربية الرأسمالية والشيوعية على السواء.
ويعود في هذا التمهيد ليذكر ببعض الاحداث التي يعتبرها قمة في عدم العناية بحياة الناس يقول وهو يتحدث عن نهاية الحرب العالمية الثانية:
«ففي السادس من اغسطس- آب 1945، أصدر الرئيس ترومان أوامره بإلقاء قنبلة ذرية على هيروشيما تبلغ استطاعتها 2500 طن من المتفجرات الكلاسيكية. وخلفت القنبلة 80000 قتيل على الفور بالإضافة إلى 100000 جريح، أي مصاب بالإشعاع وهذا يعني أنه قد حكم عليه بالموت بعد حين (بالسرطان أو سرطان الدم) إذ أن اللحم البشري على بعد أربعة كيلو مترات من نقطة سقوط القنبلة كان يتناثر من تحت الجلد المتعرض لوهج النيوترونات وأشعة غاما.
فرض الحكام
وفي التاسع من أغسطس / أب، ألقيت قنبلة من النوع نفسه على ناغازاكي، وهذا ما جعل رقم الضحايا، مع قنبلة هيروشيما، يرتفع إلى 200000 قتيل.
إن مثل تلك الجرائم بحق الإنسانية لم يكن بالإمكان الرجوع إليها مجددا لأن ذلك كان قمينا بإثارة الاستنكار لدى العالم قاطبة.
إذا كانت هيروشيما تدشينا لخمسين عام من –السلام الأمريكي- المرصع من غواتيمالا إلى الفييتنام، من نيكاراغوا إلى العراق، من يوغسلافيا إلى أفغانستان، بالقصف "الإنساني" وبالتدخلات "الديمقراطية" من أجل أن يفرض على الشعوب حكاما تختارهم واشنطن».
التشكيك
وغارودي يشكك فيما حدث يوم 11 شتنبر 2001 بقطع النظر عن الأحداث التي تلت والتصريحات المنسوبة الى ابن لادن ومن معه.
منذ اليوم التالي للهجوم على المركز العالمي للتجارة وعلى البنتاغون، أعلن "البيت الأبيض" على الملأ تفسيره للأحداث، فالأمر يتعلق بحلقة من الحرب في أفغانستان، فكان بين لادن قد سبق له تنظيم شبكة ارهابية من قراصنة الجو، قوامها أفغان ومسلمون من جميع البلدان، بما في ذلك المهاجرون الى أمريكا وأوروبا، وهؤلاء جميعهم عقدوا العزم على نقل "الحرب المقدسة" –الجهاد- الى أراضي الولايات المتحدة الأمريكية، ومن أجل تحقيق غايتهم استولوا على أربع طائرات ركاب، وقاموا بتغيير خط سيرها المقرر، واستخدموها كصواريخ قادرة على تدمير المركز العالمي للتجارة في نيويورك والبنتاغون في واشنطن وذلك بتحطيمها فوق أهدافها.
كانت هذه الرواية للوقائع توفر الأعذار أمام الرأي العام للقيام بالملاحقة الدؤوبة لبن لادن، ولتشديد القصف الجوي على أفغانستان.
كما كانت تتيح تعبئة الكراهية لدى الأمريكيين حيال الإسلام عموما، والذي يتم عن قصد ودراية الخلط بينه وبين الإسلاموية –التعصب الإسلامي-.
الإسلام الذريعة
وجارودي يرى ما يراه الكثيرون في تصحيح دور الإسلام وخطره على الغرب من لدن الغرب والولايات المتحدة الأمريكية ويقول في هذا الصدد.
وختاما، فمنذ انهيار الاتحاد السوفياتي، الذي أعلن عنه رونالدريغان بأنه «إمبراطورية الشر»، كان الحكام الأمريكيون قد وجدوا دريئة جديدة: الإسلام، الذي أعلن عنه بأنه هو الآخر «إمبراطورية الشر» وكان من شأن انتشار الإسلام في العالم قاطبة، مثلما كان الحال في السابق مع الشيوعية، أن يوفر للولايات المتحدة ذريعة للتدخل في جميع بقاع الكرة الأرضية. فكان في ذلك ما يعلل التدخلات، ليس في الشرق الأوسط وحسب، وإنما أيضا في آسيا وإفريقيا، مثل التدخل الذي قامت به عام 1965 بتمويل الانقلاب العسكري لسوهارتو في أندونسيا، حيث قام بمجزرة حصدت أرواح 800000 نسمة».
وهكذا يتضح أن ما يجري في الدنيا هنا أو هناك يعود بالأساس إلى تأثير بعض العادات والممارسات القديمة على عقول الناس وتصرفاتهم فهي خلفياتهم وأساس تحركهم، فالناس في الغرب مهيئون لمحاربة الإسلام والحد من تأثيره وهم مارسوا ويمارسون هذا في أرض الإسلام بكيف لا يمارسونه في أرضهم وبين قومهم. وقد أتى حربهم للإسلام في أرضه أكله ونتائجه، فمنذ البداية كان الأمر ولا يزال هو أن يكون الإسلام بعقيدته وشريعته مقصيا في أرضه بالأسلوب المناسب.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.