لا يكاد يمر يوم أو يومان، في الفترات الأخيرة، حتى تهتز إحدى المدن أو القرى بخبر إقدام مواطن على وضع حد لحياته بإحدى الطرق المفجعة، والتي تتنوع ما بين الغرق أو السقوط من أعالي البنايات، أو قطع أحد الشرايين الدموية، أو تناول مواد سامة، أو إضرام النار في الذات، أو اللجوء إلى حبل المشنقة الاختياري... الانتحار والأمراض النفسية الدكتور سعد الدين العثماني الاختصاصي في الطب النفسي، وفي تصريحه لهسبريس، أوضح أن "الأمراض النفسية تلعب دوراً كبيراً فى الإقدام على الانتحار، وفي مقدمتها مرض الاكتئاب، حيث أن حوالي 50% من إجمالي مرضى الاكتئاب في العالم يحاولون الانتحار، وينجح 15% منهم في ذلك، ليبقى مرض الفصام ثاني الأسباب الدافعة إلى الانتحار". وأشار إلى أن عددا من المشاكل النفسية مثل الشعور باليأس والإحباط، وعدم القدرة على مواجهة الظروف القاسية أو الصعبة، والفشل في الحياة...، قد تكون وراء عدد من محاولات الانتحار، كما أن "البحث عن أفكار انتحارية لدى الشخص جزء من مهمة المعالج النفسي، وهي أفكار قد تكون صريحة، وقد تكون كامنة وتحتاج إلى بحث معمق، إلا أن حالات أخرى من الاكتئاب أو الفصام لا يتعرف عليها المحيطون بالشخص إلا بمناسبة محاولة انتحار"، وفق العثماني. الاستباق والمعالجة وأكد ذات المتحدث على ضرورة إعطاء أهمية قصوى لأي تهديد صريح بإيذاء الذات، أو لأي أعراض تضخم فكرة الموت واليأس من الدنيا وانعدام الجدوى من الحياة والتشاؤم، مع ضرورة اللجوء للمتخصص لدراسة الحالة وتشخيصها، وفي حالةِ فشلِ المنتحرِ في وضع حد لحياته، "لابد من المتابعة الدقيقة للعلاجات الطبية النفسية للحالة التي سببت محاولة الانتحار، والمراجعة المنتظمة للطبيب أو المعالج النفسي"، يؤكد الدكتور سعد الدين. وفي سياق مرتبط بكيفية التعامل مع من أخفق في محاولة الانتحار، نبه الدكتور العثماني إلى "ضرورة تدخل الأسرة والمحيطين بالشخص المعني من خلال مصاحبته، والتعرف على آلامه، ومساعدته للتخفيف منها، ومن المفيد أيضا توجيهه نحو مزاولة أنشطة رياضية واجتماعية"، مضيفا أن التقديرات الصادرة عن منظمة الصحة العالمية تشير إلى أنّ حالات الانتحار تزيد قليلا على 800000 سنوياً، ويشكّل ذلك حالة وفاة واحدة في كل 40 ثانية. الانتحار من المنظور الديني الأستاذ نور الدين درواش الباحث في الشؤون الإسلامية، أوضح أن الإسلام حرم الانتحار واعتبره من كبائر الذنوب، لما فيه من إزهاق للنفس المعصومة التي لا يملك صاحبها الحق في إعدامها، مستدلا في ذلك بالآية "ولا تقتلوا أنفسكم إن الله كان بكم رحيما"، والحدث النبوي "من قتل نفسه بشيء في الدنيا عذب به يوم القيامة"، كما أكد على أن العلماء أجمعوا على تحريم الانتحار في مختلف المذاهب الإسلامية، ومشيرا إلى أن النبي الكريم أبى أن يصلي على رجل منتحر زجرا لغيره أن يسلك سبيله مع عظم رحمته بأمته. وربط الباحث درواش أسباب انتشار ظاهرة الانتحار بضعف الإيمان وظَنِّ المنتحر أنه بفعلته سيرتاح مما يعانيه في الدنيا، وعلاجه بأن يعلم أن ما ينتظره في الآخرة أشد وأنكى، كما أن الجزع والتسخط والاستسلام لليأس والقنوط من الأسباب التي تدفع للانتحار، وعلاجها الرضا بقضاء الله وقدره والعلم والاقتناع بأن الصبر على البلاء سبيل يعظم به الأجر عند الله، وأن سعادة المرء وراحته الدنيوية لا تتأتى إلا بالاستقامة على أمر الله.